الأربعاء 2021/05/26

آخر تحديث: 16:18 (بيروت)

نصرالله يحارب الغربيين بسلاحهم في فلسطين: "حق التدخل"

الأربعاء 2021/05/26
نصرالله يحارب الغربيين بسلاحهم في فلسطين: "حق التدخل"
ماذا يقصد الأمين العام لحزب الله بـ"السلام الحقيقي"؟ (موقع "المنار")
increase حجم الخط decrease

لغزٌّ من ألغاز "محور الممانعة" هو قدرته الدائمة على صنع المفاجآت. يفاجئ الجميع، خصوصاً أعداءه، ليس فقط بتصرفاته وخطواته، المدروسة أو المتهورة، بل أيضاً بشعاراته الجديدة والمبتكرة. بعدما انتقل من معادلة المقاومة لتحرير الأرض عام 2000، إلى معادلة "قواعد الاشتباك" الجديدة، القائمة على قدرات ردع مؤذية لإسرائيل، بعد حرب 2006، ها هو اليوم يطرح معادلة جديدة: إذا كررت إسرائيل اعتداءاتها في القدس، سيلجأ "محور الممانعة" إلى خيار التدخل العسكري في أرض فلسطين. نظرياً، تندرج هذه المعادلة في خانة ما يسمى، في الأدبيات السياسية الغربية والدولية، بـ"حق التدخل" (droit d'ingérence). وهو مفهوم مثير للجدل.

واجب "محور الممانعة"!
هذا ما طرحه بكل وضوح الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، في خطابه مساء الثلاثاء 25 أيار 2021، بذكرى تحرير جنوب لبنان. فهو قال إن "المس بالمدينة المقدسة (القدس) وبالمسجد الأقصى وبالمقدسات (الإسلامية والمسيحية)، لن يقف عند حدود مقاومة غزة (...)". بل يجب أن يصل "محور الممانعة" إلى "معادلة جديدة" تقول: "القدس يعني حرب إقليمية". ذلك أن "كل حركات المقاومة لا تستطيع أن تقف وتشاهد وتتفرج إذا كانت المدينة المقدسة والمقدسات في خطر حقيقي وجدي (...)". بمعنى آخر، يتعامل نصرالله مع الوضع في فلسطين على أساس أنه من واجب "محور الممانعة"، في ظروف محددة، أن يساعد الفلسطينيين للدفاع عن حقوقهم بوجه ممارسات دولة الاحتلال في القدس؛ يجب عليه إذاً القيام بشيء ما من أجل مساعدة الضحية بوجه الجلاد، المظلوم بوجه الظالم، أي الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لحملة تطهير عرقي؛ بهذا المنحى، يتوجب على "محور الممانعة" التدخل من دون طلب الإذن من أحد.

بغض النظر عما إذا كان الهدف من هذا الطرح يتمثل في تهدئة بعض الجمهور الممانع، الغاضب من عدم فتح حزب الله جبهة الجنوب اللبناني، أو ربما في توجيه رسالة وإنذار للإدارة الأميركية وهي تفاوض إيران، لكن لا يمكن بالمقابل تجاهُل أبعاد أخرى لهذا الطرح. ثمة ارتباط بينه وبين "واجب التدخل" أو "حق التدخل" الذي لطالما تسلّح به الغربيون لتبرير تدخلاتهم، عن حق أو من غير حق، بمناطق ساخنة أو منكوبة في العالم. يتعلق الأمر بمبدأ دولي يقول بأنه يتوجب على ما يسمى بـ"المجتمع الدولي" التدخل في داخل حدود الدول، حتى من دون موافقتها المسبقة إذا لزم الأمر. وذلك في حال تعرضت لكارثة طبيعية، كالزلزال المدمر مثلاً، أو في حال لجأ النظام الحاكم فيها إلى قمع وحشي لشعبه المنتفض ضده، وفي حال تعرض شعب أو مجموعات من سكان دولة ما إلى مجازر وإبادة وتطهير عرقي (...).

من أبرز الأمثلة على ذلك، هناك التدخل الغربي لإنقاذ سكان كردستان العراق عام 1991 من قصف وجرائم نظام صدام حسين. آنذاك، فرض مجلس الأمن منطقة حظر جوي فوق كردستان، بواسطة القرار 688، الصادر في 5 نيسان 1991، والذي اعتُبِر "قراراً تأسيسياً لحق التدخل"، حسب الدبلوماسي والباحث، فيليب مورو دوفارج (Philippe Moreau Defarge)، في كتابه الصادر عام 2006: (Droits d’ingérence dans le monde post-2001). وساهم هذا التدبير بحماية الأكراد من جيش صدام حسين، الذي أراد قمع انتفاضة الأكراد ضد نظامه في تلك السنة، في سياق حرب تحرير الكويت. بعد ذلك، تكررت تجربة "حق التدخل" في مناطق ودول عدة، مثل التدخل الأميركي في هايتي عام 1994، تحت شعار إعادة بسط النظام الديموقراطي فيها. ثم تدخل "الحلف الأطلسي" ضد صربيا من أجل حل النزاع بشأن كوسوفو عام 1999. والتدخل العسكري الخارجي بقيادة واشنطن في أفغانستان عام 2001، للتخلص من نظام طالبان والقضاء على تنظيم "القاعدة" الإرهابي، أو في العراق لإسقاط نظام صدام حسين عام 2003، بهدف "التخلص من أسلحة الدمار الشامل"، تبين أنها غير موجودة، وبهدف إعادة بناء نظام "ديموقراطي" في العراق. حتى أن تدخل فرنسا في مالي عام 2013، وتدخل روسيا في سوريا عام 2015، وكذلك تدخل الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين لاحقاً ضد تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، كلها أعمال تندرج في خانة واجب أو حق التدخل، تارةً بموافقة الدولة صاحبة السيادة على أرضها حيث يتم التدخل، وتارةً أخرى من دون موافقتها.

ثلاث ملاحظات
إذا كانت الدول العظمى تغلّف تدخلاتها "الإمبريالية" أو "الإنسانية"، في أفغانستان والعراق وسوريا ومالي...، بغلاف "حق التدخل" لإضفاء طابع من المشروعية على تلك التدخلات، من وجهة نظر أخلاقية، فهل أن "حق التدخل" هو احتكار للدول العظمى وللاعبين الحكوميين فقط على الساحة الدولية؟ على هذا السؤال يجيب طرف مثل حزب الله، كلاعب غير حكومي، قوي ومؤثر محلياً وإقليمياً، "ممانع" لإحدى الدول الإمبريالية، أي أميركا، مع أنه متعاون مع دولة إمبريالية أخرى، أي روسيا، بأنه يحق له التدخل أيضاً هنا وهناك، لدوافع مختلفة. أبرزها دعم شعب، أرضه محتلة، يُضطهَد ويتم المس بمقدساته، كما هو حال الفلسطينيين.

من المحتمل ألا يترجم نصرالله تهديداته أفعالاً. لكن بمجرد حديثه عن هذه المعادلة الجديدة، يكون قد انتزع من الغرب، ولو كلامياً الآن، وسيلة تتيح وتبرر تدخل حزب الله في الخارج. وكأنه يريد أن يحارب الغربيين بسلاحهم في فلسطين، متسلحاً بـ"حق التدخل". غير أن هذه المعادلة الجديدة تثير ملاحظات عدة، أبرزها ثلاث:

أولاً، الدول الغربية تُلام على استنسابيتها في استخدام "حق التدخل"، واعتمادها بالتالي سياسة المعايير المزدوجة. خير دليل على ذلك يتمثل في إحجامها تاريخياً عن دعم حقوق الشعب الفلسطيني وانحيازها للاحتلال الإسرائيلي، أو في امتناعها عن التدخل في روندا حيث ارتكبت، عام 1994، واحدة من أفظع الإبادات الجماعية. إذا كان هذا اللوم محقاً وضرورياً من الموقع النقدي، فإن قوى "محور الممانعة" تتبع بدورها سياسة المعايير المزدوجة في تعاملها مع مسائل الشرق الأوسط، لجهة اكتفائها بمحاربة الاحتلال مقابل مساندتها الديكتاتوريات. وخير دليل على ذلك يتمثل في تعاملها مع مأساة الشعب السوري وانحيازها إلى جانب النظام الذي اضطهد شعبه وقتله وهجّره وشرّده، ناهيك عن دورها في إجهاض انتفاضة اللبنانيين ضد النظام الغنائمي والزبائني والفاسد في خريف 2019.

ثانياً، هذه المعادلة "التدخّلية" الجديدة في شؤون فلسطين ونصرةً للقدس، من شأنها أن تكرس غلبة منطق اللاعب غير الحكومي على منطق الدولة في لبنان. وتتنافى أصلاً مع ضرورة إعادة بناء دولة لبنانية قوية وسيدة، تحتكر قرار الحرب والسلم، شأنها شأن أي دولة طبيعية في العالم.

ثالثاً، ينبغي أن يكون لأي تدخل خارجي هدف أو أهداف محددة. لكن خطاب نصرالله يتضمن أهدافاً واضحة وأخرى غامضة. فهو يربط معادلة "حق التدخل" بوعود قدّمها للجمهور، مفادها أن "زوال الكيان الإسرائيلي (بات) أقرب (...)"، وأن "المسألة هي مسألة وقت". أي هدفه المعلن يتمثل في إزالة إسرائيل عن الخريطة العالمية. لكنه عاد وقال إنه "مع كل هذه الأعياد القائمة نرى الأعياد القادمة إن شاء الله للحرية والتحرير والسيادة والاستقلال والأمن والسلام الحقيقي، ليس السلام الكاذب، ليس سلام الذئاب والضباع مع المساكين والخراف، (إنما) سلام الليوث، سلام الأعزاء، سلام المقتدرين". فماذا يقصد الأمين العام لحزب الله بـ"السلام الحقيقي"؟ هل يعكس استخدامه هذا المصطلح طرحاً ضمنياً مفاده أن إيران وحزب الله يؤيدان قيام دولة واحدة تحقق التعايش السلمي بين الديانات السماوية الثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلام، في فلسطين الموحدة؟ هل أراد السيد حسن نصرالله توجيه رسالة من هذا النوع إلى اليهود والأميركيين والأوروبيين؟ أم ماذا؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها