الخميس 2021/05/20

آخر تحديث: 15:47 (بيروت)

مشاهد البؤس السوري واللبناني في يرزة عون وباسيل

الخميس 2021/05/20
مشاهد البؤس السوري واللبناني في يرزة عون وباسيل
ينتخبونه جحافل سادرة رئيساً عليهم في سوريا ولبنان (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
نجح اليوم، الخميس 20 ايار 2021، ما تبقى من دولة لبنان الكبير، المخلّعة المؤسسات والأبواب والحدود والشعوب، بقيادة أو بزعامة أو برعاية حسن نصرالله وميشال عون وصهره جبران باسيل.. نجح في تقديم الولاء والطاعة والحب والوفاء، لما تبقى من نظام حافظ وابنه بشار في سوريا الأسد.

يرزة عون وحلم باسيل
فمنذ فجر هذا النهار، هيأت أجهزة الأمن والجيش ورجال الأسد وأحزابه في لبنان المشهدَ لاستقبال أبأس لاجئين على وجه الأرض (السوريين في الديار اللبنانية). هيأت لهم كل ما يلزم كي "ينتخبوا بالروح والدم والفداء" أعتى مجرمي العشرية الثانية من الألفية الثالثة في العالم: بشار حافظ الأسد. ينتخبونه جحافل سادرة رئيساً عليهم في سوريا ولبنان.

وجرى التحضير الأمني واللوجستي لاستقبال مشاهد بؤس اللجوء السوري، في المنطقة التي خاض منها الجنرال ميشال عون، قائداً للجيش اللبناني ورئيساً لحكومة عسكرية، ما سماه حرب "تحرير لبنان" الكاذبة والمهزومة، من جيش حافظ الأسد السوري سنة 1988: بعبدا حيث القصر الجمهوري، واليرزة والفياضية والحازمية، حيث وزارة الدفاع وقيادة الجيش وكبريات ثكناته ومواقعه العسكرية، عندما لم يكن لسوريا الأسد سفارة في لبنان بعد.

أما اليوم، فيخوض عون وصهره برعاية حسن نصر الله وحزبه، "حرباً انتخابية مدنية" لتثبيت بشار حافظ الأسد رئيساً على ما تبقى من سوريا، وليماثل الرئيس الموعود لما تبقى من لبنان، أي جبران باسيل الذي لا بد أنه يحلم في النوم واليقظة بمشاهد انتخابه مماثلة ترفعه رئيساً على الطريقة الأسدية، على وقع هتاف: وحدك باسيل والناس تحتك عدد، على منوال ما غنى زجال لبناني للأسد، ربما في التسعينات المنصرمة. وفي حلم باسيل يمثل شعب لبنان شعباً من اللاجئين في الديار اللبنانية، وينتخبه بالروح والدم والفداء، فيما يجلس حسن نصر الله، آية الله وروح الأمة أو الشعوب اللبنانية في سدة الولي الفقيه بالنيابة عن الولي الفقيه للأمة الإسلامية جمعاء في طهران.

هذيان واقعي
وقد يكون هذا العرض لما يحدث في لبنان اليوم، شيء من الهذيان. لكنه هذيان مناسب، بل مطابق تماماً لمشاهد العراضة المهولة التي أُرتكبت باللاجئين السوريين على طريق بيروت-دمشق الدولية، بين مستديرة الصياد والكحالة، مروراً بالحازمية والفياضية وبعبدا واللويزة واليرزة: ألوف مؤلفة من بؤساء اللجوء السوري في مخيماتهم البقاعية والشمالية في لبنان يزحفون على جنبات الطرق التي سُيّجت وأُعدت لهم بإتقان لوجستي، كي يترجلوا من الحافلات والباصات التي جهزها حزب الله والحزب السوري القومي وسائر رجال الأسد. أرتال لاجئين بائسين منومين يسيرون على أقدامهم في مواكب تمتد على مسافة ما يزيد عن كليومترات خمسة على جنبات تلك الطريق، أقله من السابعة من صبيحة نهار الخميس الأسدي الميمون في لبنان.

ألوف مؤلفة من اللاجئين السوريين البائسين، جيئ بهم بأسطول من الحافلات والفانات والسيارات والشاحنات. وقال فتى منهم إن حزب الله جهز هذا الأسطول في البقاع لنقلهم إلى سفارة علي عبد الكريم علي الأسدية في اليرزة.

والحشود الزاحفة من مستديرة الصياد حتى السفارة، يغلب عليها التنظيم الحزبي للسوريين القوميين وشاراته المزوبعة على ظهور الزاحفين، والمزوبعة أيضاً على قبعاتهم البيضاء. وهؤلاء جيئ بهم من أحياء بيروت والضاحية الجنوبية على الأرجح، ويغلب على سير أفواجهم الراجلة شكل من أشكال التنظيم والاحتشاد والسير شبه "الفردي" المتفرق. وهذا على خلاف الأفواج أو الأرتال الزاحفة من مفرق بسوس وبدادون نزولاً على الطريق الدولية، في اتجاه اليرزة العزيزة على قلب ميشال عون، الذي أمضى معظم حياته العسكرية فيها، ومنها أطلق حرب تحريره لبنان الكذوبة، حتى فراره إلى السفارة الفرنسية القريبة.

وأفواج اللاجئين السوريين هذه، الآتية من البقاع، يغلب عليها البؤس المدقع، والتنظيم العشائري، رجالاً وشباناً وفتياناً وفتيات ونساءً وأطفالاً وشيوخاً، تتقدم كل رتل منهم لافتة كُتب على بعضها اسم العشيرة تحت صورة شيخها مع بشار الأسد. والسمت أو الزي العشائري حاضرٌ على شيخ العشيرة الذي يتقدم الرهط، بعباءته وكفِّيَّته وعقاله على رأسه.

لبنانيٌ حائر
ووقفتُ أمام سناك ليبيع القهوة على الطريق الدولية الصاعدة نحو مفرق بدادون. على جهاز قهوة الأكسبرسو عُلقت صورة لبشار الأسد. فسألتُ صاحب السناك اللبناني: أعلى حساب بشار الأسد تناول القهوة اليوم؟ استغرب الرجل سؤالي، وبدا كأنه لم يفهمه، فالتفتَ إلى جهاز تحضير القهوة، ونظر إلى الصورة قائلاً: من وضع هذه الصورة، من أين أتت هذه الصورة؟

أمسك عاملُ القهوة السوري صورة الأسد ونزعها عن جهاز القهوة، قائلاً إن أحدهم وضعها. وقال لي صاحب السناك: أنظر، أنظر 99 في المئة يؤيدون بشار الأسد. وبدا لي أنه يعبر في قوله هذا عن ما يشبه بقايا موقف لبناني حائر ومضطرب ويلفظ أنفاسه الأخيرة، مثل لبنان نفسه، أو بقاياه الممزقة من النهر الكبير الجنوبي في الشمال حتى الخط الازرق الحدودي جنوباً، وتظاهراته وصواريخه الأخيرة، نصرةً لغزة المنكوبة.

سترات أمن الدولة
وبدأتُ جولتي في المناسبة الأسدية اللبنانية هذه، من خلف المدينة الرياضية في الساعة الثامنة صباحاً. وهي ديار البؤس والخراب لبنانياً وفلسطينياً وسورياً وعمالاً آسيويين خلف صرح المدينة الرياضية الحريري. ورأيت هناك شباناً ثلاثة يحملون أوراق استمارات، ويضعون على رؤوسهم قبعات صغيرة، ويقفون منتظرين بدء الحملة الأسدية، فكرتُ.

وانتظرت ما يقرب من ربع الساعة لأرى ما سيفعله هؤلاء الشبان، فرأيتهم يحادثون شباناً يرتدون سترات كتبت على ظهرها عبارة: أمن الدولة. وذلك أمام محل به آلة استنساخ، يُقْبِلُ عليه شبان ورجال يحملون مستندات فيستنسخونها في المحل. والمشهد هذا حملني على أن أفكر أن العراضة الأسدية خاوية وفاشلة.

ولكن هذه الفكرة سرعان ما تبخرت فجأة لما وصلت إلى الحازمية: شاحنات فارغة، على زجاجها صور الأسد وترفع أعلام سوريا الأسد. وسرعان ما بدأت المشاهد تتكشف عن نجاح باهر للحملة: أسيجة للقوى الأمنية اللبنانية على اختلافها تمتد على جنبات الطريق الدولية من الحازمية حتى مفرق بدادون.

مشاهد الزحف
وزحف أهل اللجوء السوري البائسون زحفاً هائلاً مبيناً خلف الأسيجة. أولاد وشبان هنا وهناك يوزعون أعلاماً وصوراً أسدية صغيرة على أرتال الحشود المترجلة من الباصات والفانات القادمة من بعلبك والهرمل. شاب يقول لي: أنا أتى بي والدي غصباً عني، وشيخ عشيرتنا جمع العشيرة وتقدمها في الصعود إلى الباصات. آخر قال لي: أنا أتى بي شخص لا أعرفه. ثالث قال: أنا أنتخب بشار الأسد، كما انتخب اللبنانيون ميشال عون.

حتى العاشرة والنصف صباحاً كانت مشاهد الزحف المهول لا يزال يتزايد ويكبر، وغصت الطريق بزحمة سيارات خانقة، خصوصاً عند مفرق الطريق المؤدية إلى سفارة علي عبد الكريم علي، حيث بلغت الزحمة البشرية أشدها.

حلم باسيل أيضاً
في الطريق النازلة من اليرزة نحو الحازمية، وصولاً إلى المتحف، تخيلت جبران باسيل في فيلته بفقرا أمام شاشة تلفزيون بانورامية، بل شاشتان أو ثلاث، وهو في ثياب النوم يحتسي قهوته الصباحية، مفتوناً بمشاهد أعدائه اللاجئين السوريين الذين تحولوا اليوم إلى أحبائه، فيما هم يزحفون إلى "إنتخاب" بشاره، بالروح والدم والفداء. وتخيلته يفرك يديه طرباً: هكذا سأنتخب رئيساً للبنان الحبيب، بعد انتخاب عمي وسيدي ومولاي ميشال عون.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها