تقدم الشبان، وقطعوا حاجز الشريط الشائك الأول القريب من بلدة المطلة، ليبدأ إطلاق نار متقطع من الجانب الإسرائيلي، ويتسمر 14 شاباً في أماكنهم من الساعة الخامسة عصراً حتى العاشرة والنصف ليلاً. وبعد اتصالات اقتاد الجيش اللبناني الشبان العالقين إلى ثكنة مرجعيون، ثم أطلق سراحهم فجراً.
دهاليز السياسة
في اليوم التالي، اليوم السبت 15 أيار، ذهب مئات الشبان الفلسطينيون في حافلات إلى العديسة. من هناك لمسوا فلسطين بحجارة رموها إلى الجانب الآخر من الحدود. كان ملاحظاً أن الفصائل الفلسطينية الكبرى لم تدعُ أنصارها للتوجه إلى الحدود، ولم تنههم أيضاً. تركتهم ربما لنباهتهم السياسية. أو هي تخشى من تكرار مشهد مسيرات العودة في لبنان وسورية قبل عشر سنوات، حين سقط 10 شهداء فلسطينيين في لبنان، وفي سورية تصادم الحلم بدهاليز السياسة، فكانت بداية تشظي مخيم اليرموك، أكبر المخيمات الفلسطينية في الشتات. وأيضاً، قلّما تفسح دهاليز السياسة مكاناً للحلم في واقع معقّد كلبنان.
لا حاجة في المخيمات الفلسطينيية للإعلان عن موعد التظاهرة المقبلة، فمعظمها في تظاهر دائم. هنا في مخيم شاتيلا، تظاهرة تخرج في الثالثة ليلاً، لتُكمل ما بدأته في الرابعة عصراً. "اليوم يوم الكرامة وبلدنا هيّ الإقامة"، شعار ذو دلالة ردده أيضاً المتوجهون إلى العديسة والخيام وغيرها من القرى الحدودية، اليوم.
محطات الانكسار
إن انكساراً مديداً ترك لديهم ندوباً وشعوراً بأن الكرامة مستباحة، بفعل الكثير من الأحداث. التهجير، السكن في مخيم (مهما حاولوا ادعاء رمزيته السياسية واستحضار تاريخه في المقاومة)، القوانين المتسلّطة على أعمالهم، غياب النظام السياسي غير الضامن لتطلعاتهم، الفشل الفلسطيني السياسي في استثمار الحراك الشعبي ضد إجراءات وزير العمل (تموز 2019).
وأخيراً جاء الإعلان عن الانتخابات الفلسطينية ليخبرهم أنهم فلسطينيون من درجة ثانية، ثم ما لحق بها من تخبط بما يشبه التصريح بعجز كامل.
ليصير المخيم موقت
كان الفلسطينيون في لبنان بحاجة إلى أمل، وتجديد الحلم، خصوصاً أن أقاربهم في الجليل ويافا والمناطق المحتلة عام 1948 هم الأساس في هذه الهبّة اليوم، رغم 73 عاماً من محاولات السحق المعنوي. والتظاهرات أصلها القدس، التي يكاد لا يخلو بيت فلسطيني من صورة معلّقة لها على جداره.
وكأي انتفاضة أو هبّة جماهيرية في فلسطين، لا يعود المخيم الصورة النهائية في أذهان الفلسطينيين. بل يرجع إلى حدود الموقت. تتسع الهوية مرة أخرى، لتضم قرى ومدناً شُرّد أهلها، بعدما توارت مؤقتاً بفعل العسف اليومي الذي يواجهه الفلسطينيون في لبنان. اللاجئ الفلسطيني في لبنان، كما في معظم البلدان العربية، لديه شعور شبه دائم بأنه يجب أن يدافع عن صورته يومياً بوجه اتهامات بيع أرضه. لهذا تشكل أي مقاومة فلسطينية أداة دفاعية وبالتالي مصدر احتفاء. وهذا ما تلمسه كل متابعة سريعة لحسابات الفلسطينيين على المواقع الاجتماعية.
وحسن الخطيب أحد الناشطين في مخيم برج البراجنة، والمعتاد على تنظيم التظاهرات، يقول: "اللافت هذه المرة أن الفعاليات الشعبية تكاد تخلو من الحزن. كما أن المعنويات عالية جداً، والعلم الفلسطيني لا تزاحمه الرايات الفصائلية". لكنه يوجه نقداً للأطر السياسية: "التي لم تستثمر هذه الحراكات والتفاعل من أجل بناء مشروع سياسي واسع يُشعر اللاجئين بالطمأنينة على مستقبلهم، وأنهم جزء من فكر وتوجه الطاقم السياسي الفلسطيني".
الاقتراب من فلسطين ولو بحدود الرؤيا، يحرر اللاجئين الفلسطينيين من الخوف والقلق، ولو موقتاً. لذلك يبدو تكرارهم الدعوة للاحتشاد غداً استدعاء لأبدية مشاعر يستطيبون أحياءها.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها