الثلاثاء 2021/05/11

آخر تحديث: 16:42 (بيروت)

عرسال تغلي غضباً: من سينتخب الأسد فليغادر إلى أحضانه

الثلاثاء 2021/05/11
عرسال تغلي غضباً: من سينتخب الأسد فليغادر إلى أحضانه
يقول ناشطون: من أراد اليوم أن ينتخب بشار، ينعدم مبرر وجوده في عرسال (Getty)
increase حجم الخط decrease
تعيش بلدة عرسال اللبنانية غلياناً على إيقاع الانتخابات الرئاسية السورية المتوقعة في 20 أيار الجاري، في سفارات البلدان المستضيفة النازحين السوريين. فعرسال احتضنت الثورة السورية منذ بداية انطلاقها، وفتحت أبوابها للهاربين من 35 قرية في محافظات القلمون والقصير وحمص، ودفعت بسبب تأييدها رحيل النظام السوري، الثمن الأغلى حرباً واغتيالات وتوقيفات، وتخويناً ودعشنة وتجويعاً، إضافة إلى سوء علاقات مع جيرانها.

فليرحل منتخبو الأسد
وهذا ثمن يعتبره أبناء البلدة المعارضون للنظام السوري كافياً، ليعتبروا مشاركة المقيمين في عرسال بهذه الانتخابات، "طعنا" بالتضحيات التي بذلت دعماً لمطلب تغيير النظام السوري. ويقول ناشطون مؤيدون للثورة السورية في البلدة: "لن نقبل أن يذهب المقيمون في بلدتنا إلى انتخابات نتائجها معلومة مسبقاً ومعلبة لمصلحة بشار الأسد". وبرأيهم "كل سوري يؤيد للأسد، حري به أن يذهب ويعيش بكنف نظامه، طالما أن لا مشاكل لديه مع وجود هذا النظام واستمراره".

بدأ هذا الموقف يتفاعل منذ أيام على وسائل التواصل الاجتماعي، مع خروج أصوات سورية محدودة في البلدة، تعلن أنها ستشارك في الانتخابات السورية المقبلة. لكن هذه الأصوات لا تمثل، برأي العرساليين، موقف الأكثرية الرافضة لهذه الانتخابات ونتائجها. ولا تشكل سوى محاولة للإيحاء بنوع من تبدل المزاج الشعبي السوري من رافض لبشار الأسد ونظامه، إلى مؤيد له.

وعليه، يتفاعل بين ناشطي عرسال موقف محدد من كل سوري يشارك في الانتخابات، ويرتقب أن يتطور كلما اقترب موعدها إلى خطوات أكثر عملانية. ويؤكد الناشطون أن  البلدة ستشهد مجموعات ضغط لمواجهة من يحاول "تطويع النازحين السوريين وإخضاعهم".

وتتواصل هذه المجموعات مع "مسؤولي المخيمات" لتعميم موقفها: "أهالي عرسال مع ديمقراطية الرأي وممارسة حق الانتخاب. وإذا كان البعض يريد انتخاب بشار الأسد فهو حر بذلك. ولكن إذا كنا نحن قد ذُبحنا وخونا وحوصرنا وعشنا تبعات الحرب، لأننا أيدنا ثورتهم وناصرناهم، فمن حقنا عندما يسيئون لتضحياتنا، ألا نستقبلهم في بلدتنا مجددا".

وعليه يقول هؤلاء: كل سوري مقيم بعرسال يشارك في انتخاب الأسد، ليس مرحباً به في البلدة، وليختر بين المغادرة إلى بلاده، أو السكن في المدن والبلدات البقاعية ذات البيئة المؤيدة للنظام السوري.

وهذا الموقف سيظهّر بشكل واضح في اليوم المحدد لفتح صناديق الاقتراع. وسينظم الناشطون تجمعات، ويقولون: "سنحرق صور بشار الأسد. ونبعث رسالتنا للمجتمع الدولي بوضوح: دعم أي دولة لبشار لا يلزم الشعب السوري، ولا المجتمعات اللبنانية التي، قبل استضافها النازحين السوريين، عانت الأمرين من مرحلة الوجود السوري. وخصوصاً عرسال التي لن تنسى فصول قمعها في مرحلة وجود نظام الأسد في لبنان".  

حزب الله وإغراءاته
ويرفض أصحاب هذا الموقف أن يكون موقفهم هذا مشروع خلاف جديد مع جيرانهم حول قضية سورية أخرى. وهم يقولون: "إذا كان موقف العراسلة يعرضهم لصدام مع حزب الله الذي يجهد لتأمين مشاركة السوريين بفاعلية في مناطق نفوذه، فإن حزب الله يعلم جيداً أنه لا يملك نفوذاً في عرسال، حيث الأكثرية المقيمة فيها معارضة للنظام".

ولا تزال عرسال تضم أكبر تجمع للنازحين السوريين، رغم مغادرة كثيرين أراضيها ضمن اتفاقات المصالحة التي جرت في بعض القرى، وطوعت العائدين مع الأمر الواقع الذي فرضه النظام. فنحو 50 ألف نازح هو العدد المتبقي من النازحين بعد المصالحات، نصفهم تقريباً من منطقة القصير. وهم الأكثر تشدداً في رفضهم أي تسوية مع النظام، بعدما فقدوا حلمهم بالعودة إلى بلداتهم، ولم تتجاوز نسبة العائدين منهم واحد في المئة بناء لشروط معقدة يفرضها النظام وحلفاؤه. وهم يحترقون بنار غلاء المعيشة على الأراضي اللبنانية. واللافت في الأيام الماضية -وفقاً لناشطين– تلك الإغراءات والوعود التي أغدقت على هؤلاء، سواء بتأمين ظروف عودتهم، أو بتحسين واقعهم المعيشي، مقابل تعهدهم المشاركة في الانتخابات.

ووفقا لمصادر فإن بين هؤلاء أشخاص "مرتزقة"، امتهنوا التهريب الحدودي بين لبنان وسوريا، ولا يشكلون أكثرية في البلدة. وهؤلاء موصوفون بالتقلب في مواقفهم وفقاً لمصالحهم، التي تبعث الفرقة بين أبناء البلدة اللبنانيين والسوريين المقيمين فيها من جهة، وبين سكان المخيمات أنفسهم من جهة ثانية.

وبعض هؤلاء شارك في الانتخابات الرئاسية السورية السابقة في بداية أزمة النزوح السوري إلى لبنان. والعراسلة يتوجسون من حضورهم في عرسال، حيث البيئة غير مريحة لمؤيدي النظام.

ويحاول ناشطو عرسال استيعاب هذه الازدواجية في موقف بعض المقيمين على أرضها. ويحرصون على ألا ينعكس موقفهم تعكيراً للعلاقات بالجيران، بعدما نجح العراسلة بترميم التصدعات التي لحقت بها إثر توترات معركة الجرود وتداعياتها.

نشاط مخابرات الأسد
ويوضح محمد كرنبي -وهو من الشبان الناشطين المناصرين للثورة السورية– فيقول: "بعد شيوع أخبار عن حمل العراسلة على المشاركة في الانتخابات الرئاسية السورية، قمنا كمتطوعين بنوع من الاستفتاء في صفوف المقيمين في المخيمات. وتبين أن من سيشاركون هم عشرات وليسوا مئات، كما يوحي البعض. وهؤلاء قد يذهبون إلى السفارة السورية خفية". وتحدث كرنبي عن "جماعات من حزب البعث تغري النازحين بالمال، ليخرجوا بمواقف إعلامية مؤيدة لبشار الأسد". وهؤلاء وفقاً لناشطين في البلدة "أزلام المخابرات ويحاولون تقديم سيرتهم الذاتية لحزب الله سعياً لمكاسب في لبنان وسوريا". ولكن هذه ليست الحقيقة على الأرض. والدليل أن حافلات في الانتخابات الماضية أتت لنقل الناخبين من عرسال، ولكنها عادت فارغة".  

ووفقا لكرنبي حتى من يؤيدون النظام لا يجرؤون على المجاهرة بمواقفهم في عرسال. فهم يعلمون أنه لن يكون مرغوباً بهم في البلدة. وبالتالي فإن هدف ناشطي التحرك الاستباقي هو تأكيد موقف عرسال المستمر في معارضته النظام السوري. وقد روج الناشطون أن من يريد انتخاب الأسد عليه مغادرة البلدة مع عائلته. وهذا ليس حداً لحرية البعض بالتصويت لبشار، ونحن أيضا أحرار بعدم استقبال هؤلاء، فليذهبوا إلى مناطق نفوذ الأسد بلبنان، أو ليعودوا إلى نظامهم.

ويقول طارق الحجيري على صفحته الفيسبوكية: "السوري النازح في عرسال، استقبله أهالها وساندوه على أساس أنه ضد النظام، فإذا أراد اليوم أن ينتخب بشار، ينعدم مبرر وجوده في عرسال".

ويضيف الحجيري أن عرسال "دفعت الفاتورة الأغلى بسبب النظام السوري والحرب التي شنها على شعبه. وهناك في البلدة من قتل ومن أصيب بإعاقة. وهناك مئات الشبان الذين سجنوا بتهمة مساندة الثورة السورية. هذا إضافة إلى صبغة الإرهاب التي وصمنا بها، وتوتر علاقتنا مع أبناء منطقة البقاع الشمالي، بسبب مساندتنا الثورة السورية".  

ويضيف الحجيري: "نحن ذقنا ما لم يذقه أحد من نظام الأسد. وإذا كان السوريون قد تعرفوا إلى بشار في السنوات الماضية، فنحن عانينا الأمرين مديداً من ممارسات نظامه في لبنان. وليس من بيت في عرسال إلا ونُكب بممارسات نظام البعث. ونحن ضد بشار الأسد قبل ثورة سوريا ونبقى ضده حتى سقوطه. وهذا موقف الأغلبية في عرسال".   

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها