الإثنين 2021/04/12

آخر تحديث: 01:12 (بيروت)

السيد محمد حسن الأمين: علامة في الدين والعلمانية

الإثنين 2021/04/12
السيد محمد حسن الأمين: علامة في الدين والعلمانية
التطرف الديني يعتبر المجتمع جاهلياُ ويريد أسلمته من جديد (الانترنت)
increase حجم الخط decrease
ليس الكلام يسيراً فيه وعنه. هو سيّد الكلام، ببلاغة الشعر وبحور التصوف: السيد محمد حسن الأمين. قلّ أن تجد مثله، يجمع في شخصه أو تحت عمامته، فقهاً وتديناً، شعراً وأدباً، سياسة وفكراً. وكلها تستحيل في بوتقة واحدة، تخرج منه بأناقة الورد، وصوت رخيم. يعجز الكلام عن إيجاد معناه، يرتبك اللسان في حضرته، وهو الذي لا يمكن أن يغيب، بكل ما يضجّ من حياة وحركة.

صيدا وشقرا
منذ أيام صيدا ما قبل الاجتياح الإسرائيلي وما بعده، جعل في المدينة حياة صخبت في السياسة والشعر والمقاومة. العلّامة الشيعي، المنظّر للدولة المدنية، كان من أقرب المقربين إلى ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية، إلى جانب السيدين هاني فحص وكاظم ابراهيم. رافقته ذكريات الطفولة عند تهجيره طفلاً من منزل ذويه في بلدة شقراء الجنوبية بسبب التدمير الإسرائيلي الممنهج.

وكانت وصيته أن يعود إلى حديقة المنزل المدمرّ، اختار أن يرقد في ثراها. يصح فيه ما قاله في رثاء السيد هاني فحص: "الموت ليس انحناء إنه سفر.. أبهى، وبرق وراء العمر مدّخر.. الموت موجة سحر وارتحال دم.. في دهشة ومدى بالحلم يُبتكر.. وقامة لك راح الضوء ينقشها... فوق الخلود فيجلوها وينكسر".

مجتمعات ماقبل الحداثة
جمع السيد محمد حسن الأمين في شخصه المفكر والفيلسوف والشاعر والأديب والمقاوم والعلامة. ولأن الكلام لا يفيه حقّه، ويخجل منه الشعر، لا مجال لغير استعادة أفكار كانت مدار نقاشات معه، في جلسات سابقة، تتناول السياسة والدولة والدين والثورة، والانهيارات أو الانحدارات التي شهدتها البشرية ولا تزال.

وهو أحد المتبصرين السياسيين الذين أيدوا ثورات الربيع العربي، وخصوصاً الثورة السورية وصولاً إلى إصدار فتوى تحرّم القتال إلى جانب النظام السوري الذي سحق شعبه في مطلع الثورة عام 2011.

آمن بأن الربيع العربي شكّل بارقة أمل أو إشارة لمتغيرات حقيقية وفاعلة، أسهمت قوى كثيرة في تدميرها وإفشالها. وفشل هذه التجربة أدى إلى تأخر سياسي وتراجع إجتماعي أسس لكل هذه الانحدارات التي نراها. وذلك نتاج لتراكمات الصراع بين الأنظمة الإيديولوجية، في مواجهة العولمة. والتي كان لا بد لها أن تصطدم بمفهوم الدول القومية والوطنية. 

أما في الدول العربية فلا وجود للديمقراطية ولا الليبرالية. ويمكن وصف هذه المنطقة بأنها في مرحلة ما قبل الحداثة، بخلاف الغرب الذي عاش الديمقراطية إلى حدّ استنفادها، فيما لا تزال حاجة ضرورية وماسة في مجتمعاتنا العربية والاسلامية.

أزمة التخلف الأساسية بالنسبة إليه، تتوزع على مستويات متعددة، اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً. ومن الصعب قياس واقع هذه البلدان مع الغرب. فالحرية التي تعتبر مسألة بديهية لدى الغرب، لا تزال حلماً لشعوب هذه المجتمعات. ولا بد من وجود كتلة عربية متنوعة، تضع هدف الحرية والديمقراطية، بشكل أساسي أمامها، لتطوير الأنظمة السياسية، كي تكون قادرة على اللحاق بما يجري في العالم المعاصر.

دين النقمة 
يرى أنه يمكن الحديث عن الدين من وجهتي نظر. فالدين الحقيقي لا يؤثر سلباً على الحرية والديمقراطية، بينما الدين السياسي هو الذي أثر على التطلعات نحو الحرية والديمقراطية. وبرزت الفئات المتطرفة التي تتكلم بإسم الدين، وهي التي تسعى الى العودة الى أزمان غابرة، بدون تقديم أي فكرة لتحديث المجتمع، وحولت المتدينين إلى أناس متعصبين.

ويعتبر أن غالب الحركات الإسلامية المتطرفة وقعت في التطرف. كان لهذا تأثير سلبي على الواقع السياسي في بلادنا. وهنا لا بد من البحث في عمق المسألة الاجتماعية في هذه المنطقة التي يتغلّب فيها الظلم واحتكار الثروات، ولا يوجد فيها توزيع عادل، لا يبقى فئات ناقمة على السياسة والمجتمع. وهذه النقمة هي التي تدفع الناس للجوء الى الدين والتطرف بوصفه الخلاص. وهذا أنشأ التطرف الديني، لإقناع النفس بأن مصير الإنسان ليس مرتبطاً بهذه الارض، بل مرتبط بالسماء.

وكان ذلك على يد دعاة كسيد قطب الذي أشاع هذه الفكرة وجعل من المؤمنين متطرفين، وأفراداً يمارسون كل أشكال العنف لأنهم يعتقدون أنهم بذلك يتقربون الى الله، ويحققون مطالبهم التي عجزت الوسائل الطبيعية عن تلبيتها.  

دين اليأس والقنوط 
يضيء السيد الأمين على جوانب اجتماعية ونفسية أساسية أيضاً، عمادها الجهل والفقر، إذ يجتمعان مع نوع من استبعاد فئات كثيرة من الناس، حاولت أن تكون في صلب صناعة القرار، ولكنها أبعدت عن ذلك. وهذ أيضاً من عوامل انتشار الظاهرة الدينية.

أما لو كانت الأنظمة السياسية أنظمة ديمقراطية لكان أمكن الفصل بين الدين والدولة. وهذا يخدم الدين نفسه. فالافكار الشائعة عن العنف الديني هي أبعد ما يكون عن جوهر الدين، وتظهره وكأنه ظاهرة توحش. ومن الطبيعي أن المجتمعات المقهورة تلجأ إلى فكرة الخلاص. وهذا الخلاص يتخذ من الدين مدخلاً، مقابل استغلال فكرة التطرف لأهداف سياسية. 

مثل القوى التي اعتبرت أن المجتمع فاسد وجاهلي ولا بد من أسلمته مجدداً. وبرزت هذه الاحزاب والقوى عندما وجدت مناخاً مؤاتياً وشعبية. وهذه الشعبية ناجمة عن اليأس والقنوط حيال الأوضاع السياسية وعملية التقدم.

بين استبدادين 
ويولي السيد محمد حسن الأمين اهتماماً أساسياً للصراع بين العسكر والدين. هو صراع بين استبداد واستبداد. ويوجد فراغ لدى أصحاب المشروعين المفتقدين إلى أي رؤية وطنية.  وسيطر العسكر الذي لم يكن هناك أفق لكسر قضبته إلا من خلال الدين. ولذلك تجلى الصراع بين الدين والعسكر.

وبصورة عامة فإن هذه الشعوب بحاجة إلى درجة عالية من الوعي السياسي والمعرفي. فإذا قلنا بأن نسبة عالية من الأميين لا تزال في هذا المجتمع، ما يدفع لإدراك أثر ذلك التخلّف السياسي والاجتماعي والاقتصادي. لذلك لا بد من تجديد الوعي انطلاقاً من تعزيز ثقافة السلم، لتمهيد الانتقال من هذه المرحلة، إلى مرحلة التنمية ومرحلة التكامل السياسي بين الأنظمة العربية السياسية. وهذا ما يرفع من شأن الواقع الاجتماعي.

علمانية وتدين عنصري
الدين ينسجم مع كل الأهداف التي تتلاقى مع مصالح الإنسان. وإقحام الدين في السياسة يشوهه ويشوه السياسة. إنطلاقاً من هذه الفكرة يدعو السيد الأمين إلى قيام الدولة المدنية. فالعلمانية ليست عدوة للدين. وكل ما في الأمر أنها تفصل بين مهمة الدين ومهمة الدولة.

وأذا ما حققنا هذا الفصل نكون قد خطونا خطوات واسعة نحو التقدم والإصلاح. والقول باستبعاد الدين عن الاجتماع، هو نوع من الإساءة للاجتماع السياسي. وإذا ما كان الدين تربية للكائن الإنساني، فإنه بالضرورة سوف يؤدي الى أداء صحيح لإدارة الشؤون العامة. أي لما يجب أن تعتني به السياسة. وليس صحيحاً أن هذا الفصل بين السياسة والدين، يؤدي إلى الإساءة للدين، بل يصحح هذا الدين. لأن ما هو قائم الآن ليس تديناً حقيقياً وإنما هو تدين حزبي أو فئوي، أو عنصري. وهذه أبعد ما تكون عن روح الدين.

والسيد محمد حسن الأمين هو المعارض الأشرس للانظمة السياسية المفروضة على المجتمعات فرضاً. ولذلك لا نجد ثقة بها، ولا بد للشعوب أن تنتج أنظمتها السياسية المعبرة عن مصالحها وعن مستقبلها. وبهذا يكون معنى الحداثة، على مستوى شعوبنا، هو تحقيق ما نسميه ديمقراطية. وهذا الأمر موجود في التراث الديني الإسلامي تحت عنوان "وأمرهم شورى بينهم". والشورى هي فعلاً الديمقراطية. وكيف بوسع شعب أن يؤمن بنظام سياسي جاء بانقلاب عسكري، أي بموازين قوى غير عادلة، أو بدعم من الدول الكبيرة المهيمنة على العالم.

هناك اختلاف كمي وليس نوعياً بين نظام سياسي وآخر على المستوى العربي. ولكن كل هذه الانظمة لا تمثل شعوبها، كما ينبغي لنظام سياسي. وهذا ينطبق على لبنان أيضاً. فالديمقراطية فيه ليست موجودة إلا شكلاً. والحاكم هو النظام الطائفي وتقاسم الحصص، على المستوى السياسي والاقتصادي. وكلما كان هناك خطوة للخروج من هذا الواقع، نرى أن النظام السياسي يطرح مشكلة أو أزمة. ومثال على ذلك موضوع الزواج المدني الذي بمجرد أـن يطرح تقوم الدنيا ولا تقعد. مع العلم أننا لو رجعنا إلى مصادر الشريعة، لما وجدنا هذه السلبية المطلقة التي يتحججون بها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها