الأربعاء 2021/03/17

آخر تحديث: 15:34 (بيروت)

دستورياً: واجب تأليف الحكومة من دون عون وتوقيعه

الأربعاء 2021/03/17
دستورياً: واجب تأليف الحكومة من دون عون وتوقيعه
تأليف الحكومة بيد مجلس النواب لا مجلس الأمن (الأرشيف، علي فواز)
increase حجم الخط decrease
ينبغي أن نقرّ ابتداءً أن النواب والوزراء والرؤساء الثلاثة ليسوا موظفين، فلا ينطبق عليهم ما ينطبق على هؤلاء. ولهذا لا يحتاجون، مبدئياً، إلى صدور مراسيم لممارسة أعمالهم:

فالنواب ينتخبهم الشعب ويعلن وزير الداخلية نتائج الانتخابات فيمارسون أعمالهم من غير أن يصدر مرسوم جمهوري بذلك،

ورئيس مجلس النواب ينتخبه النواب ويمارس أعماله من غير أن يصدر مرسوم بذلك، ومثل ذلك رئيس الجمهورية،

ولذلك كانت الفقرة الثالثة من المادة 53 من الدستور القاضية بأن يصدر رئيس الجمهورية مرسوم تسمية رئيس مجلس الوزراء منفرداً ضرباً من لزوم ما لا يلزم، لأن رئيس مجلس الوزراء منتخب من قبل النواب ولا يستطيع أحد إبطال انتخابه، سواء أصدر رئيس الجمهورية ذلك المرسوم أم امتنع من إصداره،  بصرف النظر عن طريقة الانتخاب؛ وعبارة رئيس الحكومة المكلف تعني أنه مكلف من قبل مجلس النواب قبل تسمية رئيس الجمهورية له، وليس من قبل رئيس الجمهورية نفسه، وتبدو عبارة «كلفه (أي رئيس الجمهورية) تشكيل الحكومة» تجوّزاً رئاسيّاً يفضي إلى الالتباس لأنه ينسب عمل المجلس إلى رئيس الجمهورية؛ وبمجرد تبلغ رئيس الحكومة بتكليف مجلس النواب له تأليف الحكومة يصبح رئيساً مسمّى، وينبغي لرئيس الجمهورية إصدار مرسوم تسميته بلا إبطاء عملاً بالنص الدستوري، ولو كان ذلك من باب لزوم ما لا يلزم، على ما قدمنا، وتنتهي حينئذ مرحلة التكليف إلى مرحلة التأليف. والحق أن الفقرة المشار إليها ضرب من التسوية الفاسدة التي أربكت النص؛ فعبارة المكلَّف تقتضي نصاً قبلها يشير إلى التكليف وإلى من يكلَّف ومن يُكلِّف، وليس ذلك في الدستور. ولما كان مرسوم التسمية شكلياً فمن المستحسن أن يقوم مقام الفقرة المشار إليها نص يقول: على رئيس الجمهورية استشارة النواب بالتنسيق مع رئيس مجلسهم في من يرشحونه لرئاسة الحكومة، ثم إطلاع رئيس المجلس على اسم من وقع عليه اختيار أكبر عدد منهم، فيباشر من وقع عليه الاختيار تأليف الحكومة بوصفه رئيساً لها (من غير حاجة إلى مرسوم التسمية).

في مرسوم التأليف
هذا يقود إلى مرسوم تأليف الحكومة. إن ذلك المرسوم مرسوم إعلاني أو إعلامي وليس مرسوماً إنشائياً، بمعنى أنه مجرد نشر وإخبار عام بنشوء كيان دستوري جديد هو الحكومة، من غير أن يكون رئيس الجمهورية منشئاً لذلك الكيان، لأنه لا ينشئ الحكومة بالاشتراك مع رئيسها، بل النواب هم الذين ينشئون التصور الشكلي والغائي لها، والرئيس الذي يختارونه هو الذي يجعل للشكل وللغاية بناء متكاملاً بما يحقق إرادتهم، ويظل هذا البناء، مع ذلك، احتمالياً لا فعلياً، وإن أعلنه رئيسا الجمهورية والحكومة في المرسوم المشار إليه، وذلك ريثما يقرر مجلس النواب أنه بناء صالح فيمنحه الثقة هو لا رئيس الجمهورية، وإلا عدّه غير صالح وحجب الثقة عنه وأخرجه من الاحتمال والفعل معاً إلى الموقت، وعمد إلى اختيار من يقوم بإنشاء بناء جديد صالح يستحق ثقته، بالطريقة المشار إليها آنفاً. فالشعب هو الذي ينشئ ويحاسب من خلال المجلس الذي انتخبه، وليس من خلال شخصٍ فردٍ أياً كان.

هنا يطرح السؤال: إذا امتنع رئيس الجمهورية من إصدار مرسوم تأليف الحكومة بذريعة أن الدستور لا يقيّده بمهلة معينة، وماطل إلى أجل غير معلوم، الأمر الذي يضر بمصلحة الأمة، فما الحل؟

الحقيقة أنْ ليس في الدول الديموقراطية مهل مفتوحة، وكل ما لا نص عليه تقيّده المصلحة العامة والمعقولية والقياس. فالمهل تقتضيها الضرورات، والضرورات تقدر بمقاديرها، والمهل المفتوحة تعني أن ثمة ضرورة مفتوحة منوطة بحياة صاحب السلطة، وهذا يخرج من الديموقراطية إلى الاستبداد والفردية الأنانية. والمصلحة العامة تقتضي أن تُمضَى القرارات بلا إبطاء، أي فوراً، ما لم تكن هناك ضرورة تقتضي التمهل. وهذا التمهل يقدر بالأجل الذي تنقضي فيه الضرورة. فالمادة 56 من الدستور، مثلاً، تنص على وجوب إصدار رئيس الجمهورية القوانين المستعجلة خلال خمسة أيام. وهذا يعني أن الضرورات الإدارية البسيطة تقتضي خمسة أيام لإصدار أي مرسوم، أي هي الحد الأقصى الذي يمكن أن يبقى فيه المرسوم دون إصدار، ولاسيما إذا كان مستعجلاً، تحاشياً للضرر الذي قد يصيب المصلحة العامة في حال تأخير إصداره؛ ومع ذلك فقد فسح الدستور المهلة إذا كان القانون عادياً، لا يضر تأخير صدوره شهراً، فمنح رئيس الجمهورية مهلة شهر لإصداره، وذلك فسحاً في المجال لأعمال أخرى يقوم بها الرئيس وتكون أكثر ضرورة من إصدار المرسوم، وهذا يعني أن الحد الأقصى الذي يحتاجه إصدار المرسوم هو شهر. كما أن المادة نفسها تمهل رئيس الجمهورية خمسة عشر يوماً لإصدار المراسيم التي يقرها مجلس الوزراء، وإلا عدت القرارات نافذة ووجب نشرها ما لم يطلب رئيس الجمهورية إعادة النظر فيها خلال تلك المهلة. فمدة الخمسة عشر يوماً هي المهلة التي تقتضيها ضرورة قراءة القرار والتفكير فيه وفي إمكان طلب إعادة النظر فيه. وعلى ذلك فالمهلة الممنوحة للرئيس لإصدار المراسيم في الأمور الملحة هي خمسة أيام، وتلك الممنوحة له للاعتراض على القرارات الحكومية هي خمسة عشر يوماً، وتلك المتراخية الممنوحة له في الأحوال العادية هي شهر. والنتيجة أن الوقت الذي يحتاجه صدور أي مرسوم يراوح بين الخمسة أيام حداً أدنى، والشهر حداً أقصى، إلا في الظروف القاهرة.

ولما كان القياس جائزاً عند غياب النص، وقسنا مرسوم تأليف الحكومة على سائر المراسيم، فإن المهلة المعقولة لإصدار مرسوم التأليف هو خمسة أيام من تاريخ تسلم القصر الجمهوري التشكيلة الحكومية من رئيس الحكومة، في حال كان تأليفها أمراً ملحّاً جداً لا يحتمل التأخير. أما إذا كان التأليف غير ملح وأراد رئيس الجمهورية من رئيس الحكومة إعادة النظر في التشكيلة التي أحالها عليه، فإن المهلة المعقولة لذلك هي خمسة عشر يوماً، حتى إذا أصر رئيس الحكومة على قراره أو انقضت المهلة من غير إصدار المرسوم أو من غير طلب إعادة النظر فيه عد قرار التأليف نافذاً. وفي الأحوال العادية التي تسمح بالتراخي فإن المهلة المعقولة لإصدار ذلك المرسوم هي في حدها الأقصى شهر.

يجب أن يحرّك الإهمال المجلس
والذي لا يكاد يختلف فيه اثنان أن تأليف الحكومة اللبنانية ومبادرتها إلى العمل فوراً أمر فوق الملحّ في الظروف الحالية، وكان ينبغي لرئيس الجمهورية إصدار مرسوم التأليف خلال خمسة أيام فحسب من تاريخ تسلمه التشكيلة الوزراية، وهو قد تجاوز أطول مهلة يمكن أن يحتاجها إصدار مرسوم، وتجاوز أطول مدة اقتضاها إصدار مرسوم تأليف حكومة في تاريخ الدولة اللبنانية المستقلة، فجرّ تأخيره المصائب على البلاد في ما سماه البطريرك الماروني بحق انقلاباً. وبعد أن أهمل رئيس الجمهورية واجباته لم يعد يجوز لمجلس النواب الذي يمثل الشعب مصدرَ كل السلطات أن يبقى جامداً، بل عليه أن يدافع عن مصير ذلك الشعب الذي يمثله، لكن كيف؟

إن الإرادة التي عبر عنها مجلس النواب في اختيار رئيس الحكومة، لا يجوز أن يلغيها أي سلوك سلبي في أمر صوري هو مرسوم إعلاني. واشتراط رئيس الجمهورية لإصدار المرسوم، أي السماح للحكومة بالعبور إلى مجلس النواب لطرح الثقة بها، أن يكون له فيها حصة كبرى، يشبه فعل الحواجز التي كانت تقيمها الميليشيات في الحرب، والتي كانت لا تسمح بمرور السيارات إلا إذا دفع أصحابها إتاوة (خُوّة بالعامية اللبنانية). والدولة الديموقراطية ليست نظاماً ميليشياً، والحل الطبيعي هو التعويل على المفهوم الذي لا جدال فيه، وهو أن مجلس النواب في الدول البرلمانية يمثل الشعب،  ويدافع عن حقوقه حتى في مواجهة الرئاسة الأولى، وكذلك تقرير المبدأ الطبيعي في أن من يمنح السلطة يشرف على عمل متوليها ويرعاه ويحاسبه أو يستردها منه؛ والذي منح رئيس الوزراء سلطة رئاسة الحكومة وتأليفها هو مجلس النواب عبر الاستشارات النيابية الملزمة دستورياً، ولا سلطة لرئاسة الجمهورية على المجلس، وحين يجد المجلس تعطيلاً لإراداته ممن لا سلطة له عليه، ينبغي له أن يدافع عن تلك الإرادة، وأن يحول دون تعطيلها، وذلك باسترداد زمام الأمور، وتغليب المصلحة العامة على الإجراء الصوري.

طريقتا تحرك المجلس
وقد ورد في بعض التحاليل السياسية أن رئيس الحكومة قد يلجأ إلى مجلس النواب لتوكيد اختياره لرئاسة الحكومة وللحض على تسهيل تأليفها، وأشيع في المقابل أن القصر يريد دعوة المجلس لما وصف بسحب التكليف من رئيس الحكومة، وكلا الضدين لا يستقيم، لأن الأول توكيد للمؤكد، والثاني لا سند له من الدستور، لكن الحل الأصح في رأيي يمكن أن يتحقق في أحد إجرائين يدخلان في مفهوم سد الذرايع وهما:

1- أن يدعو مجلس النواب الحكومة كلها إلى المثول أمامه، تلافيا للفراغ الدستوري وما ينطوي عليه من مخاطر ناجمة عن إهمال رئيس الجمهورية واجباته الدستورية واستخفافه بإرادة ممثلي الأمة، وذلك لدراسة تشكيلة الحكومة ومناقشة بيانها ثم طرح الثقة بها، من غير التفات إلى مرسوم التأليف.

2- والثاني أن يدعو رئيس الحكومة إلى اجتماع وزراي، قريباً مما يصنعه النواب بعد انتخابهم إذ يبادر أكبرهم سناً إلى دعوة المجلس للاجتماع برئاسته، لأن رئيس المجلس لا يكون قد انتخب بعد، على حين أن انتخاب رئيس الحكومة ناجز، ثم يتفق مع الوزراء على إرسال كتاب إلى مجلس النواب يلتمسون فيه اجتماعه لطرح الثقة بهم، وحينئذ تحوز الحكومة الثقة وتعمل، أو تحجب الثقة عنها وتكتفي بتصريف الأعمال ريثما تؤلف حكومة أخرى.

ذلكم يحول دون عطالة الدولة وينقلها من الحالة الميليشية إلى الحالة الديموقراطية البرلمانية، ويغني عن طلب التدخل الدولي، إنْ تحت البند السابع وإنْ تحت السادس والنصف، وإنْ غيرهما.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها