الخميس 2021/03/11

آخر تحديث: 15:50 (بيروت)

عهد الخراب الأهلي: مسؤولية الثنائي الشيعي والحريري وجعجع

الخميس 2021/03/11
عهد الخراب الأهلي: مسؤولية الثنائي الشيعي والحريري وجعجع
ضرورة توسيع القاعدة الشعبية لكل قول معترض، ولكل سياسة اعتراضية (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease

العهد الرئاسي الحالي، هو من إنتاج التشكيلة الرسمية والأهلية التي قادت المسار اللبناني بعد اتفاق الطائف، وحتى تاريخه. عرف السياق المبكر للوضع الداخلي "طفرة" اقتصادية مؤقتة، ورافقت الطفرة آمال شعبية، غذّاها شخص الرئيس الراحل رفيق الحريري، إلا أن كل ذلك، عاد لينكشف لاحقاً، عن ورم حسبه اللبنانيون "شحماً"، وكان من شأن هذا الانتفاخ غير الطبيعي، أن يعود ليأخذ بيد الانحدار اللبناني الداخلي، انطلاقاً من تاريخ تحرير لبنان عام 2000، وتأسيساً على اغتيال رفيق الحريري عام 2005، تاريخان ارتفعت فوق تداعياتهما نسخ متعددة من الوصاية المتبدلة، وتشوهات من الائتلاف والخلافات الداخلية المتنوعة، وطموحات أهلية ومذهبية، مشروعة وغير مشروعة.

أتت تلك اليوميات بعهد "مختلط" يشبهها، بعد اتفاق الدوحة، ثم تعطلت "الديمقراطية" التوافقية، وحلَّ محلها سلوك "البرلمانية" الاستنسابية، ثم جيء بالعهد الحالي، كتتويج لتحكم أهلي تقدمته الشيعية السياسية، بقيادة ثنائيها، ورضخت له السنية السياسية، ممثلة بالحريرية، وروَّج لها جزء من المارونية السياسية، وفي طليعة الجزء هذا، حزب القوات اللبنانية. خلاصة الأمر، تم حمل "العونية" السياسية إلى مركز القرار الأول في لبنان، على رافعة خلاف مستحكم، ومن خلال تفاهمات هجينة رجراجة، لم تلبث أن انفجرت لاحقاً، وها هي الآن تتابع انفجاراتها المتناسلة، في السياقات الكيانية المتعددة.

مسؤوليات
تعميم المسؤولية، يجعلها غير محددة، ويضع كل أطراف التشكيلة السياسية في سلّة واحدة. تجوز "السلة"، عند حساب المسؤولية العامة، لكنها تكون غير محبّذة عند حساب المصالح الخاصة، فهذه تتقاطع مع مصالح أخرى، وتفترق عنها، وهي لا تسلك خطاً بيانياً صاعداً، بل إنها مجبرة على سلوك منحنيات تقتضيها تعرجات الواقع ذاته. فهم هذا الأمر، يفسّر بعضاً من انعقاد التحالفات، ومن ثمّ انفكاكها، وهو ضروري عند رسم الخطط المعترضة، ذلك أنه لا بدَّ من وضع تصدّعات النظام في الحساب، عند إجراء تقييم الموقف الاعتراضي العام. في السياق هذا، سياق المسؤوليات، يمكن تسليط الضوء راهناً، على قوى ثلاث: ثنائي الشيعية السياسية، والحريرية، الوارثة، في نسختها اليوم، وحزب القوات اللبنانية، الذي يحاول موقفاً مزدوجاً، أو مركباً، يجمع بين الافتراق والالتقاء، وفق خطاب سياسي لا يحالفه "التوفيق" دائماً.

ثنائي الشيعية السياسية
يفيد التدقيق في حالة الثنائي الشيعي. والهدف من ذلك عدم إقامة التطابق بين طرفيه، حركة أمل، وحزب الله. ذلك أن افتراض التطابق يجافي حقيقة أصل نشأة التنظيمين، ويبتعد عن رؤية نقاط الافتراق في حسابات كل منهما، وهذا مما يمكن إثباته لدى أي تحليل معمَّق، يتناول الوضع الكلي للتنظيمين المشار إليهما. في امتداد ذلك، أين تقع المسؤولية المشتركة على الثنائي، حيال "صناعة" العهد الحالي، وتأمين وصول رمزه إلى سدّة الرئاسة؟ الجواب المفيد يأتي في السياق السياسي اللبناني العام، مرتبطاً بالسياق الخارجي، الذي يشكل مرجعية غالبة، للثنائي الشيعي. من ضمن السياق الداخلي، رفع الثنائي راية التعنُّت، فأصرّ على إسم واحد للرئاسة، الرئيس عون، وأصرَّ على مسلك أوحد لفرض قراره: التعطيل المؤسساتي. التفسير الأقرب إلى الواقع لفهم هذا السلوك الشيعي، هو القول بأن "الشيعية" حاولت الانتقال من درجة الحكم، بعد حرب 2006، إلى درجة "التحكُّم". وهذا يعني، بكلمة سياسية أوضح، إعلان إحلال وصاية وافدة، في مكان وصاية راحلة، فإذا كان "السوري" هو المغادر، فإن الوصي الإيراني بات يحتل صالة "الوصول"، أو هو يعلن النزول فيها منذ زمن بعيد، بواسطة قوى الداخل اللبناني، الثنائي الشيعي ومن التحق بهما من أوساط الطوائف والمذهبيات الأخرى.

في الخلاصة، ما يعيشه لبنان اليوم، هو حصيلة أولى لسياسة التحكم والفرض، التي مارستها الشيعية الداخلية، مترافقة، بل مستجيبة، للسياسات التحكم بالإقليم، التي تسعى إلى تأمين تفوق الموقع الإيراني على سائر المواقع الإقليمية، العربية وغير العربية. على أكثر من وجه، المسؤولية "الشيعية" تتقدم على غيرها من سائر المسؤوليات، فإذا كانت "أم صبي" هذا العهد، فإن ما لا تخطئه العين، هو أن "الصبي" قد ولد مشوّها، كحصيلة للاطبيعية "التزاوج والحمْل والولادة".

حريرية السنية السياسية
نرجح فرضية رضوخ الحريري، لأمر حمْل ميشال عون إلى موقع الرئاسة. إذن، حملت استجابة سعد الحريري للمطلب الشيعي، معنى المساومة المختلّة، فالميزان الداخلي لم يكن في خدمتها، والميزان الخارجي، لم يضف إلى حساباتها، فإذا استطردنا قليلاً، خارجياً، وجب القول إن السياسة السعودية في هذا المجال، أحجمت، وربما أقفلت على الدعم، في الوقت الذي فتحت السياسة الإيرانية كل "مزاريب" دعمها.
هل أُوكل سعد الحريري إلى نفسه؟ ربما، بل هو الأرجح، لذلك جاء مقيّداً بقيدين، أحدهما سياسي شيعي، والثاني سياسي ماروني، بنسخة عونية هذه المرة، لا تشبه سابقاتها. في الخلاصة، تفاءل سعد الحريري بأنه يستطيع "تقليع شوكه بيديه"، لكن شراكته مع شريكه "الدستوري"، أدمته بوخز أشواك إضافية. راهناً، لا يبدو الحريري الإبن قادراً على معالجة عودته إلى رئاسة الوزراء بقواه "الذاتية"، ومراكز دعمه الخليجية ما زالت مترددة، أما المبادرة الفرنسية فهي من صنف السياسات الدولية، التي يجري تعديلها واستبدالها وتنحيتها، تبعاً لتبدل الخرائط الذي تمليه خريطة المصالح الوطنية، لكل بلد مؤازر بعينه.

"قوات" المارونية السياسية
كرر سمير جعجع، قائد حزب القوات اللبنانية، الخطأ الذي ارتكبه منتصف ثمانينيات القرن الماضي، في ذلك التاريخ، وصف جعجع رئيس الحكومة العسكرية، ميشال عون، بأنه رئيس استقلالي وأكثر، وفي الزمن القريب، وافق على انتخاب الرئيس رئيساً للجمهورية، تأسيساً على حسابات حقل لم يطابق حسابات البيدر، وتفاؤلاً بتفاهم معراب، الذي ظلَّ نصّاً، بعد أن فقد المقدمات السياسية الواقعية، التي سهّلت كتابة سطوره. القراءة لموقف القوات، تناولت مضمراته، ولم تتوقف عند حدود المعلن منه. الخلفية الأبرز للقراءة افترضت أن سمير جعجع قد اكتفى، حينه، بأخذ صفة مرشح لرئاسة الجمهورية، هذا على صعيد رسمي، وأخذ أيضاً، تعويد الشطر الآخر من اللبنانيين، على احتمال وصوله إلى الموقع اللبناني الأول. كان "الجمّال" القواتي "بنيّة"، و"الجمل" العوني، "بنية" لكن شهوة الحكم وتوريثه كانت وما زالت غالبة "لكل نيّة".

ماذا الآن
ماذا الآن، هو سؤال المأزق الذي صار إليه الوضع اللبناني الحالي، وللمأزق هذا عدة وجوه: وجه إدارة النظام من قبل أطراف التشكيلة النظامية، ووجه معارضة هذا النظام من خارجه، ووجه الاعتراض عليه من داخله.

مأزق الحاكم
كما سبق، لقد بُنيت التسوية الطائفية – المذهبية الراهنة، على ميزان غلبة، وهذا في حدِّ ذاته عامل اهتزاز دائم، بشهادة كل الحقبات اللبنانية، منذ الاستقلال وحتى يومنا الراهن. تدقيقاً، تفاوتت أحجام أطراف الغلبة، وتفاوت، تالياً، نفوذهم. في السياق هذا، يمكن تسجيل الحسابات الملوّنة قليلاً، التي لم يوافق أطرافها موافقة كاملة على إسم المرشح ميشال عون، وقد كان نبيه بري، رئيس المجلس النيابي، واحداً من أولئك. لماذا هذه الإشارة؟ هذا للقول، إن المناكفة التي يظهرها رئيس المجلس اليوم، وبعض الرسائل التي يبعث بها من الشارع المعترض على الأوضاع المعيشية، هذه المناكفة لها أساس أول سبق عملية الانتخاب، وإذا كانت السياسة هي البوصلة الدائمة، فإنه من الواجب القول إن ثاني رئيس المجلس الحالي، له أول سابق، وإن انفجار توازن المصالح، الذي أرساه انتخاب "الرئيس"، يعيد الانتباه إلى حسابات اللاتوازن التي كان قد قرأها رئيس المجلس، في دفتر حساباته الخاصة.

ذكر واقعة الرئيس والرئيس، تدعو إلى قراءة الحسابات الأخرى، الآن، وهذا من أجل التدقيق في معنى الانسداد السياسي، أي في حقيقة الحسابات والمصالح الداخلية، التي تملي مواقف باقي أطراف التشكيلة السياسية. هل من داعٍ للقول، إن لكل داخلي خارجي؟ لا نرى ذلك، فالأمر معروف، وهو من "ألفباء" السياسة اللبنانية.

مأزق المعارضة والاعتراض
جمع المعارضة والاعتراض في مقام واحد، مردُّه الاعتقاد بأن حركة المعارضة الشعبية في الشارع، لا بدَّ لها من اتصال بأطراف معترضة من ضمن التشكيلة النظامية العامة. وإذا شئنا الاحتكام إلى السيرة اللبنانية، سيكون مألوفاً القول، إن كل النسخات النظامية التي تلت النسخة اللبنانية، الاستقلالية الأولى، طغت عليها سمات الاعتراض من "فوق" أولاً، وهذا وإن توسل من هو "تحت"، في محطة سياسية ما، فإن الحصيلة الأغلب "لتجميل" النظام كانت بنتاً للأفكار والتوجهات الفوقية. من الأمثلة في هذا السياق، تجربة عهد الشيخ بشارة الخوري، وتجربة عهد كميل شمعون، وتجربة عهد أمين الجميل، ولعل التجربة "التحتية" الإصلاحية الوحيدة، كانت عام 1975، وهذه ما زال البلد يجرجر تداعياتها إلى حاضر اللبنانيين، ولن يكون جزافاً القول، أو مفارقاً كثيراً للواقع، إن العهد الحالي هو من أثار إلى هذه التداعيات أيضاً.

تكراراً، بل توكيداً، ستكون المعارضة أمام مسؤولية قراءتها الشاملة، التي تتضمن رؤية عامة لأوضاعها الذاتية، ولأوضاع النظام الذي تواجهه، وستكون كل قراءة مفتوحة على الاحتمالات، ومنفتحة على لقاءات مشتركة، ظرفية، ومرحلية، وقصيرة الأمد، وأطول أمداً. ما الذي يملي ذلك؟ الجواب: ضرورة توسيع القاعدة الشعبية لكل قول معترض، ولكل سياسة اعتراضية، ذلك أن الشعب لا يعني جمهور حزب محدد، ولا مساحة جغرافية تحتلها كتلة أهلية معينة، الشعب هو كل هذه المصالح والخطب، الموزعة على كامل الأطياف والأفكار والمعتقدات اللبنانية.

وفي النهاية، من يحسن إدارة الصراع، هو من يفهم طبيعة هذا الصراع، ومن يجيد التصرف وفق مندرجاته.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها