هذا الشكل من الصراع قائم منذ الإعلان عن ربط النزاع بين المستقبل وحزب الله. وكان ضرورياً وجود طرف ثالث، ليكون هدفاً متناقضاً لهما. وتكرست هذه القاعدة في تسوية 2016، عندما تحالف هذا الثلاثي، حتى انفجرت العلاقة بينهم في 17 تشرين 2019 وبعدها، ولا تزال تجلياتها واضحة تماماً في معركة تشكيل الحكومة.
وهكذا تحولت العلاقات بين القوى اللبنانية: من تحالف سنّي - مسيحي (المستقبل والقوات) في مواجهة تحالف شيعي - مسيحي (حزب الله والتيار العوني)، إلى تفاهم سنّي - شيعي، في مقابل تفاهم عوني مستمر مع حزب الله.
وكان التفاهم الشيعي - السني أفضل ذريعة لعون وباسيل لإعادة شد العصب المسيحي، والإيحاء بأن المسيحيين يتعرضون لحرب إلغاء أو تحالف رباعي جديد، يضم تيار المستقبل، حزب الله، الحزب التقدمي الاشتراكي، وحركة أمل. لكن الآمال العونية خابت في تحقيق ذلك.
..إلى أن جاء موقف البطريرك الراعي الذي وصفه سياسيون لبنانيون وديبلوماسيين وسفراء أجانب بأنه ضمانة الطائف والدستور. وموقف البطريرك إلى جانب موقف كل من القوات اللبنانية، حزب الكتائب، ومسيحيين آخرين مستقلين، إضافة إلى موقف تيار المردة (فرنجية)، تصب كلها في خانة واحدة: مواجهة الممارسة السياسية التي ينتهجها ميشال عون وجبران باسيل.
البطريرك والكلام الواضح
لقد سحب البطريرك الماروني البساط من تحت قدمي رئيس الجمهورية وصهره، وقطع عليهما طريق استثمار مذهبي أو طائفي في الأزمة القائمة. فالراعي يقول كلاماً واضحاً في مجالسه عن تحميل عون وباسيل مسؤولية ضرب الدولة ومؤسساتها، وجعل مصيرها مهدداً بمؤتمر تأسيسي يقضي على المناصفة.
لذا، سارع الراعي إلى الدعوة لعقد مؤتمر دولي لحماية لبنان والطائف والمناصفة. وهذا الواقع من شأنه أن يعيد التقارب بين حزب الله والتيار العوني، كي لا يصير الحزب إياه معزولاً في الداخل اللبناني. لكن التيار العوني سيكون في حالة حرج كبير، في حال وئامه مع حزب الله، فيما بكركي والأجواء المسيحية أصبحت في مكان آخر مختلف كلياً.
حقق الراعي إجماعاً لبنانياً استثنائياً في هذه المرحلة، وإجماع إقليمياً ودولياً تظهره زيارات السفراء إلى الصرح البطريركي، إضافة إلى استمرار تقاطر الوفود المؤيدة. وهذه الحركة تجعل حزب الله مهتماً في البحث عن أفق: تحسين علاقاته الداخلية، أو إبعاد النظر عن الاهتمام بتدويل الأزمة.
وفي مقابل سعي حزب الله إلى ذلك، يبرز تحرّك سنّي لا يزال خجولاً على خطّ بكركي: زيارة شخصيات كالرئيس فؤاد السنيورة ومقربين منه إلى الصرح لتأييد الراعي، أو بحث الرئيس سعد الحريري في إرسال وفد يمثله للتنسيق مع البطريرك وتأييد مواقفه. وجولات الحريري الخارجية لا تخرج عن سياق التدويل والبحث عن المساعدة الدولية.
وتظل هذه التحركات كلها تحتاج إلى رؤية سياسية واضحة، تتجاوز الحسابات المذهبية والطائفية، مع ما يعنيه ذلك من إحراج عون وإضعافه أكثر.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها