الأربعاء 2021/02/24

آخر تحديث: 00:02 (بيروت)

جريمة المرفأ ورواية الموظفين الموقوفين.. وفتيل بطول 6 كيلومترات

الأربعاء 2021/02/24
جريمة المرفأ ورواية الموظفين الموقوفين.. وفتيل بطول 6 كيلومترات
اتهامات تساوي حاجب برئيس مصلحة ومياوم بضابط أمني.. والسياسيون خارج الغربال (المدن)
increase حجم الخط decrease
في ملف جريمة مرفأ بيروت، الذي تسلمّه المحقق العدلي القاضي طارق بيطار، 25 موقوفاً من ما لا يقلّ عن 41 من مدّعى عليهم، حسب حصيلة البيانات الصادرة عن المحقق العدلي السابق، القاضي فادي صوّان، ومجلس القضاء الأعلى. وحسب الأصول، يقوم القاضي بيطار بمراجعة الملف، على أن تكون أولى خطواته اللاحقة البت بطلبات إخلاء السبيل المقدّمة من الموقوفين، ولو أنّ مصادر قضائية تشير إلى أنه ليس كل التوقيفات في جريمة 4 آب دوافعها الشبهة والادعاء على الأشخاص المعنيين، بل يمكن أن تكون "بهدف حماية هؤلاء الأشخاص، أو حتى حماية بعض الأدلة".

سير بين الألغام
بين التعنّت السياسي الذي واجه القاضي صوّان سابقاً، وأدى في نهاية المطاف إلى كفّ يده وتنحيته عن الملف، والجوانب الشائكة المتعددة لجريمة 4 آب، ومنها الاشتباه بشبكات رجال أعمال سوريين ضالعين بشحنة النيترات لمدّ النظام السوري بها، قد يسير بيطار بين ألغام كثيرة. وبالانتظار، لا يزال توقيف عدد من المدّعى عليهم يثير حفيظة أهاليهم، خصوصاً أنهم موظفون "صغار" أو حتى "عمّال مياومون" مشلوحون في نظارات التوقيف منذ أكثر من 6 أشهر، في حين أنّ مسؤولين سياسيين يمارسون حياتهم بشكل طبيعي، حتى أنّ بعضاً من المدعى عليهم يتلقّون لقاح كورونا في مخالفة لآلية عمل لجنة اللقاحات.

ألغام العنبر 12
لم يكن اللبنانيون يشكّون للحظة بمسؤولية الدولة اللبنانية، برئاساتها وحكوماتها وأجهزتها الأمنية وإداراتها، وتحديداً إدارة مرفأ بيروت، في زرع القنبلة الموقوتة في المرفأ. فبعد أشهر على التفجير الجهنّمي الذي أودى بحياة ما لا يقلّ عن 215 ضحية وجرح أكثر من 6000 جريح وهجّر مئات الآلاف من منازلهم ومكاتبهم، لم تنضب فضائح العنبر رقم 12.

وحسب التحقيقات المستمرة في ملف جريمة 4 آب، خزّنت إدارة المرفأ فيه، إضافة إلى 2750 طناً من نيترات الأمونيوم، 3 أطنان من المفرقعات، وكميّات من مادة التينر والميتانول وأسيد الكلوريدريك وأسيد البيكريك. وجميعها مواد خطرة ومشتعلة، خلطتها الدولة اللبنانية وقدّمتها للبنانيين قنبلة كيميائية مدمّرة. لكن إضافة إلى كل هذه المواد، تبيّن أيضاً وجود فتيل تفجير بطول 6 كيلومترات. وكل هذا جعل من العنبر رقم 12 عنبر الموت والتفجير، بمعرفة المسؤولين عنه. كما تجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ الأمين على هذا العنبر توفى عام 2014 من دون تعيين خلفاً له. كأنه كان مطلوباً جعله مغارة بلا بوّاب.

التهمة واحدة
بعد مراجعة وكلاء عدد من الموقوفين وأهالي عدد آخر، يتبيّن أنّ كلّهم مدعى عليهم بمجموع الاتهامات نفسها وواحدة، وهي التسبّب بانفجار مرفأ بيروت وبالجرم عن قصد والإهمال والتقصير الوظيفي. وهي اتهامات، إن كانت صحيحة أم لا، لا يجب أن يتوقّف التحقيق عندها. والتهمة المعلبّة والواحدة، صادرة عن النيابة العامة لتساوي مسؤولية حاجبٍ برئيس مصلحة، ودور مدير مرفأ بعامل صيانة، ومهام متعهّد تلحيم بضابط أمني. والسياسيون خارج الغربال القضائي أساساً إلى الآن. وإن وضعوا عليه يتسرّبون منه بشتّى الوسائل. فتعلو صرخات أهالي عدد الموقوفين في الملف، بعد مضي أشهر على توقيفهم في ظروف قالت "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها الصادر يوم 3 شباط الجاري "إنها تنتهك حقوقهم في الإجراءات القانونية الواجبة". قد يكون الموقوفون المدّعى عليهم ضالعين في الجريمة، بشتّى الوسائل واختلافها، لكن حسب روايات أهاليهم، هم مظلومون، ويبقى على القضاء إدانتهم أو تبرئتهم.

جلسة تحقيق واحدة
مضى على توقيف مدير العمليات في مرفأ بيروت، المهندس سامر رعد، 203 أيام. أوقف بعد يوم واحد على الجريمة، في 5 آب، إلا أنّ المحقق العدلي القاضي فادي صوّان استمع إليه مرة وحيدة بتاريخ 26 آب 2020. هذا ما يؤكد عليه شقيق سامر، أحمد رعد، الذي يشير في اتصال مع "المدن" إلى أنّ القاضي صوّان "استجوبه لقرابة الساعتين، سأله عن عمله وواجباته الوظيفية في المرفأ". إلا أنّ أحمد مصدوم من سؤال وجّهه صوّان لسامر، حين سأله "ألم ينشغل بالك بمحتوى العنبر رقم 12؟ ألم تعاينه"؟ مع إشارة أحمد إلى أنّ عمل سامر محصور في رسو السفن ومغادرتها وإنزال البضائع منها لا التدقيق بها. ولا بد من الإشارة إلى ملاحظة أخرى، هي في كون سامر رعد تسلّم إدارة العمليات بالتكليف عام 2017، وبالأصالة عام 2018، وبالتالي فإنّ شحنة الأمونيوم التي فجّرت بيروت وقتلت أهلها دخلت قبل تولّيه هذا الموقع. مع العلم أنّ القضاء لم يستجوب أو يستدع مسؤول العمليات السابق الذي كان مسؤولاً عن هذا الموقع في فترة وصول الباخرة "روسوس"، وبعدها تنزيل حمولتها القاتلة في العنبر رقم 12.

مصطفى فرشوخ
وفي قضية موقوف آخر، رئيس مصلحة البضائع في إدارة العمليات في المرفأ، المهندس مصطفى فرشوخ، يقول أحد أقاربه في اتصال مع "المدن" إنّ "مصطفى موظّف في المرفأ منذ عام 1996، نزيه وغير فاسد، بعد 25 عاماً من العمل حسابه المصرفي متواضع جداً وحياته متواضعة وعلاقاته الاجتماعية محدودة وغير منتمٍ لأي من الأحزاب السياسية". ويضيف أنّ الموقوف "ابن بيروت، كان حريصاً كل الحرص على توثيق وتدوين جميع الإحالات بشكل منتظم والتقيّد بالهرمية الإدارية ضمن حدود صلاحياته، وسيرته المهنية تشهد له"، وقد تمّ توقيفه يوم 5 آب.

وجدي قرقفي
أما أمين مستودع العنبر رقم 14 في المرفأ، وجدي قرقفي، فموقوف منذ اليوم التالي للجريمة أيضاً. تم تكليفه من قبل إدارة المرفأ قبل أربعة أيام من يوم الانفجار، بمهمة فتح وإقفال العنبر رقم 12 لإجراء عملية الترميم والصيانة. وحسب ما يؤكده وكيله القانون، المحامي علوان أبي عسل، لـ"المدن"، فإنه "في يوم 4 آب، لم يفتح قرقفي باب العنبر بسبب انتهاء دوام عمله، كما أنّ عنصر الجمارك الذي يملك المفتاح الثاني للعنبر لم يقم بفتحه أيضاً. فتمّت عملية الصيانة من الخارج من دون وجود قرقفي". ويضيف المحامي أنه "حتى لو كان وجدي موجوداً، هل له سلطة على لجنة الإشراف على عملية الترميم أو العمال الذين يؤدّون مهام الترميم"؟

هذه عيّنة من شهادات عدد من أقارب الموقوفين الـ25 في ملف تفجير مرفأ بيروت، وشهادات أخرى لا تقلّ أهمية يتم تدوينها في رواية القتل الأكبر على الأرض اللبنانية. أغلب هؤلاء الموقوفين، متورّطين كانوا أو مظلومين، كانوا ليقضوا في التفجير، وكان أهلهم ليكونوا في صفوف أهالي شهداء المرفأ اليوم. كل هذه الروايات وتقاطعاتها، لا تدفع اللبنانيين سوى للإمعان بالتفكير بتخوّف واحد، وهو اقتصار مسؤولية جريمة 4 آب على "صغار" الموظفين في المرفأ، أو حتى ربما جعلهم مجرّد كبش فداء. وكل البلبلة التي شهدها الملف، خلال الشهرين الماضيين، تشير إلى ذلك. في حين أنّ خيطاً رفيعاً من الأمل، يتمسّك به اللبنانيون بتعيين محقق عدلي جديد هنا، وبمطلب لجنة لتقصّي الحقائق هناك.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها