الثلاثاء 2021/12/07

آخر تحديث: 14:42 (بيروت)

"التوازن" في الموقف الفرنسي-السعودي: الأولوية لاستقرار لبنان

الثلاثاء 2021/12/07
"التوازن" في الموقف الفرنسي-السعودي: الأولوية لاستقرار لبنان
خلطة متوازنة بين الدعوة إلى نزع سلاح حزب الله والدعوة إلى الحفاظ على الأمن والاستقرار (Getty)
increase حجم الخط decrease
في الرياضيات، تؤدي عملية الضرب بين الزائد (+) والناقص (˗) إلى نتيجة سلبية. أما في كيمياء الألوان، فمن شأن عملية الخلط بين الأسود والأبيض أن تعطي نتيجة رمادية. منطق كيمياء الألوان (...) وليس منطق الرياضيات هو الذي ينطبق على توليفة البيان الفرنسي-السعودي، الذي صدر يوم السبت، 4 كانون الأول 2021، عقب لقاء الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في جدة، والذي تناول بشق منه مسألة لبنان وحزب الله، مثيراً جدلاً واسعاً حول دلالاته.

هذا القسم من البيان هو كناية عن توليفة بين سياسة "معتدلة" وأخرى "متطرفة" ضد حزب الله. في الرياضيات، فإن معادلة الاعتدال أي الزائد، والتطرف، أي الناقص، تنتج تطرفاً. لكن في الكيمياء، حين يتم خلط الاعتدال، أي الأبيض، مع التطرف، أي الأسود، يؤدي التفاعل إلى إنتاج شيء آخر، أقل من التطرف (أو رمادي). وهذا هو حال البيان الفرنسي السعودي. فهو خلطة متوازنة بين الدعوة إلى نزع سلاح حزب الله وتطبيق القرار 1559، والدعوة إلى الحفاظ على الأمن والاستقرار والوحدة والسلم الأهلي في لبنان. وهي متوازنة في منظور التحليل الكمي للخطاب. ذلك أن البيان يتضمن ستة مصطلحات وتعابير تشير إلى مسألة حزب الله والسيادة وستة أخرى تشير إلى مسألة الاستقرار والوحدة. وكل ذلك معطوف على التمسك باتفاق الطائف وتعزيز دور الجيش اللبناني، والتشديد على شروط الإصلاحات وعلى ضرورة توفير المساعدات الإنسانية في ظل آلية من التعاون بين باريس والرياض (أنظر الجدول)

مسألة حزب الله والسيادة: 6 تعابير

مسألة الاستقرار والوحدة: 6 تعابير

احترام سيادة (لبنان)

الوحدة الوطنية

مراقبة الحدود

السلم الأهلي

حصر السلاح

الحفاظ على أمن (لبنان)

أعمال إرهابية

(الحفاظ على) استقرار لبنان

تجارة المخدرات

الحفاظ على استقرار لبنان

قرارات مجلس الأمن (1559) و(1701) و(1680) والقرارات الدولية ذات الصلة

(احترام) وحدة (لبنان)


هذه التوليفة لا تعني انحيازاً فرنسياً للموقف السعودي "المتطرف". بل تساهم بمكان ما في التخفيف من حدة تطرفه. هذا هو التحول الجديد الذي ينبغي قراءته بين سطور البيان، ضمن منظور يعتبر أن الحد من الموقف المتطرف هو الحدث، وليس التقليل من درجة الاعتدال، على أهميته كتطور. فالبيان المشترك يولي اهتماماً متساوياً بالمسألة السيادية ومسألة الاستقرار. وفي السياق اللبناني، هذا يفترض أن حل إشكالية سلاح الحزب وسيادة الدولة اللبنانية يجب ألا يتحقق على حساب الاستقرار. وهنا يكمن جوهر الموقف المتوازن وغير المتطرف. وعليه، ثمة ثلاثة ملاحظات من المفيد البناء عليها للاستنتاج بأن فرنسا لم تنقلب على نفسها في البيان المشترك مع السعودية.

سياق قمة بغداد
أولاً، ذهب ماكرون إلى السعودية، بعدما كان قد شارك في قمة بغداد، في 28 آب 2021، التي اتسمت بحضوره كرئيس دولة أوروبية وغربية، وبحضور وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إلى جانب قادة كل من مصر وقطر والأردن، ووزراء خارجية كل من السعودية والإمارات والكويت وتركيا. وقمة بغداد تمثل تطوراً مهماً على طريق بناء نظام إقليمي للاستقرار والأمن، مهما كان طويلاً وشاقاً.  وحضور ماكرون اجتماع إقليمي في العراق، شاركت فيه إيران، ليس تفصيلاً ثانوياً. بل يندرج في خانة إعادة تشكيل المشهد الإقليمي وإعادة صياغة دور فرنسا فيه على نطاق واسع. وإنْ كان لهذا الدور من معنى في ذلك المشهد العريض (والجديد؟)، فهو رغبة فرنسا في الحفاظ على سياسة التوازن وفي اضطلاعها بدور الوسيط، من دون أن يعني ذلك أن ليس لديها خلافات عميقة مع إيران وحزب الله.

قمة شرم الشيخ وعدوان نيسان 1996
ثانياً، صحيح أنه يمكن تشبيه البيان الفرنسي-السعودي وإشارته إلى مسألة الإرهاب (المقصود هنا حزب الله) بمخرجات قمة شرم الشيخ عام 1996 حول مكافحة الإرهاب، والتي شارك فيها الرئيس الفرنسي الراحل، جاك شيراك، وشكلت غطاءً لعدوان إسرائيل ومجازرها ضد لبنان في نيسان 1996. لكن الدبلوماسية الفرنسية هي التي ساهمت في وقف تلك الحرب آنذاك، من خلال "تفاهم نيسان"، الذي شرّع دور حزب الله في "المقاومة" وأسّس لمعادلة عدم استهداف المدنيين. وهي معادلة تبيّن أنها كانت ملائمة لحزب الله ولعملياته، وغير ملائمة لجيش الاحتلال الإسرائيلي.

الغاية من هذه المقارنة تتمثل في الإشارة إلى فرضية مفادها أنه حتى لو وظفت إسرائيل الموقف الفرنسي-السعودي كغطاء للتصعيد ضد حزب الله وشن حرب عليه وعلى لبنان، فإن الدبلوماسية الفرنسية ستتموضع في موقعها الطبيعي وستقف، أو ستعود وتقف، مع الحل السياسي وليس مع الحل العسكري، كما هو الحال في حروب 2006 و1996 و1982... ولن ينقلب إيمانويل ماكرون بهذه السهولة على تاريخ الدبلوماسية الفرنسية وتوازنها تجاه الصراع العربي الإسرائيلي. وهذا ما يبدو جلياً في بيان جدة حين يشدد على "أهمية التوصل إلى تسوية شاملة للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي وفقاً لحل الدولتين، والقرارات الشرعية ذات الصلة ومبادرة السلام العربية بما يكفل حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية." وهذا موقف يعبّر عن رفض الاعتراف بتكريس سياسة الأمر الواقع الإسرائيلية في الأراضي المحتلة.

القرار 1559 أم الهدنة والحوار؟
ثالثاً، ثمة نشوة "14 آذارية" بما ذكره بيان جدة عن القرارات الدولية، لا سيما القرار 1559، مقابل سخط "8 آذاري" منه، كما أن هناك تحفظاً وحذراً حياله لدى العديد من المحللين العقلانيين. لكن لا بد من الملاحظة بأن القرار 1559 كان توليفة بين دوافع أميركية تعطي الأولوية لنزع سلاح حزب الله، ودوافع فرنسية تركز على أولوية انسحاب الجيش السوري من لبنان. وعندما ظهرت نتائجه المزعزعة للاستقرار (اغتيال رفيق الحريري، 7 أيار..)، تعاطت فرنسا فوراً بعقلانية مع مسألة سلاح حزب الله، إذ هي لا تذكر القرار 1559 في مواقفها الدبلوماسية إلا من حيث المبدأ. ومنذ ذلك الوقت، تصرّ باريس على حل مسألة نزع سلاح الحزب من خلال حوار داخلي وليس بواسطة القوة. أي تريد أن يتحقق الهدف في إطار توافق لبناني- لبناني، وذلك تجنباً لتدهور الوضع الأمني واندلاع حرب أهلية.

هذا الموقف أتاح، منذ العام 2005، حصول هدنة وحوار بين حزب الله والفرنسيين، لن يضحي بهما ماكرون على مذبح الصفقات. ويخطئ حزب الله إذا تعامل بانفعال وتهوّر مع بيان جدة، وإذا أقدم على ردّ فعل من شأنه أن ينسف الهدنة والحوار مع فرنسا.. وأن يزعزع الاستقرار في لبنان.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها