الخميس 2021/12/30

آخر تحديث: 13:08 (بيروت)

سنة الدولار بلا منازع

الخميس 2021/12/30
سنة الدولار بلا منازع
نُهبنا بلا رحمة.. حتى آخر دولار في جيبنا (Getty)
increase حجم الخط decrease

المقالات التي لا تُقرأ هي تلك المكرسة لوداع العام. جردة ارتجالية أرشيفية لا جاذبية فيها. تذكير لا أحد يرغب به، خصوصاً ونحن نسرع متلهفين للابتعاد عن السنة المنصرمة، البغيضة، التي تشبه دولاراً مزوراً. وعد كاذب، وأمل مغشوش بلا قيمة.  

نقول "دولاراً" لسبب وجيه وبديهي. فاللبنانيون ليس لديهم أي سؤال أكثر إلحاحاً من معرفة ما سيفعله الدولار بهم. للعام الثالث على التوالي، الدولار هو بطل زمننا الأوحد. المهيمن على مناماتنا ويقظاتنا. إنه هنا بكل ضراوته، حاسم في علاقات الحب، في الطبخة التي نأكلها، في كرامتنا أو مهانتنا، في أتفه قرار يومي، كأن نذهب إلى مقهى أو نشتري قميصاً أو سندويشاً. إنه هنا في متن السياسة وهامشها، في حاشية المخدة، في مخيلة عاطل عن العمل، في الرغيف وفي شريط الكهرباء.. في مصير كل صداقة، أو زواج أو عقد عمل.

بكل عنف وقسوة، يعيد الدولار "هندسة" المجتمع اللبناني برمته: تراتبيته الطبقية، نخبته، قاعه. أثرياء جدد وفقراء جدد.. وكتلة هائلة من المحطمين المذلولين والناقمين. إنه يعيد تعريف كل شيء، من الأخلاق إلى اللغة والعلاقات.

الدولار يفعل فعله في تبديل هويتنا الوطنية.

2021، سنة الدولار طبعاً للمرة الثالثة على التوالي. وبالتأكيد، الكارثة مستمرة عام 2022. المستقبل ليس مجهولاً. بل من المرات النادرة نحن على يقين من الآتي. الدولار سيستمر في سحقنا، في تقرير مصيرنا على نحو مشؤوم.

لا مفر من سلطة الدولار كحقيقة "وجودية" تتعدى السياسة والاقتصاد. خصوصاً في بلد تحولت فيه السياسة إلى "جريمة منظمة" والاقتصاد إلى شرّ.

هكذا تم انتهاكنا بلا هوادة، نُهبنا بلا رحمة.. حتى آخر دولار في جيبنا. ولم نكن سذجاً ولا أبرياء. لقد أغوانا الفساد وذهبنا فيه جميعنا حتى النهاية، تشربناه حتى الثمالة، وتغلغل فينا حتى النخاع. ليسوا "حفنة" من أنزل الكارثة. إنها مسؤوليتنا الجماعية، وعارنا الوطني. إنها ثقافتنا التي احتفت بالفحش. إنها خطيئتنا التاريخية.

يرتفع الدولار ويهبط ثم يقفز تلك القفزات الكبيرة، بين صباح ومساء. يتمرن على ضربنا، على الإمساك بنا وخبطنا بأقرب جدار. عراة بلا حماية أمام نزواته وقوته الكاسحة والجبارة. ثلاثة أعوام على هذا المنوال. تحطمت عظامنا وأرواحنا مراراً وتكراراً. ضرب يومي ولا نجدة.

مع الدولار نكتشف ليس فقط ضعفنا وهشاشتنا، بل أيضاً تفاهة هذه السلطة التي لا يمكن أن تأتي إلا بالمزيد من الأذى.. تتركنا مستباحين في هذه السوق السوداء التي باتت تقبض على حياتنا بلا أي شفقة.

الأسوأ من هذا الواقع، ومن فداحة ما ارتكبه الدولار فينا، أولئك الذين يكابرون ويعاندون إما تعصباً لنظام "المناهبة" المافيوي الذي دمرنا، وإما تعنتاً لسياسة الممانعة العدوانية التي أفقرتنا وخنقتنا وجوّعتنا.

هؤلاء شنوا حرباً شاملة منذ العام 2019، وستستمر العام 2022، وربما إلى سنوات أخرى. هؤلاء رسموا مستقبلنا كله. وما علينا سوى الاستسلام لهذا القدر البائس الذي يتحكم به الدولار وحده.

على هذا المنوال، ومنذ ثلاث سنوات، نحن لا نفعل شيئاً سوى الذهول الدائم، ملاحقين ذاك الرقم المخيف: سعر الدولار. العبارة الأكثر تداولاً على ألسنة اللبنانيين. الرقم الذي يتضخم أمام أعيننا ويتحول إلى غول مرعب ابتلع "الليرة اللبنانية".

2022 سنة الدولار أيضاً بلا منازع.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها