الإثنين 2021/12/20

آخر تحديث: 14:01 (بيروت)

هل من بطريرك حويك جديد؟

الإثنين 2021/12/20
هل من بطريرك حويك جديد؟
بعضهم يريد المثالثة، آخرون يطالبون بالفيدرالية أو إعادة إحياء دولة جبل لبنان (Getty)
increase حجم الخط decrease

قبل حوالى المئة عام، حمل بطريرك ماروني من جبل لبنان أحلامه، وركب سفينة مبحراً إلى باريس، ليشارك في مؤتمر الصلح المنعقد في "عاصمة الأنوار"، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى. خبأ ابن السابعة والسبعين سنة في ثيابه الكهنوتية فكرة جمهورية، تمتد على ما كان يسمى بحدود لبنان التاريخية. وترتكز على فكرتين. الأولى، عدم تكرار مجاعة أصابت أهله في ذلك الجبل، بعد إقفال طريق السهل عنهم، وحصارهم بحرياً من قبل الدول المتقاتلة. أما الفكرة الثانية والأهم، فكانت الحفاظ على حرية أبنائه وحقهم الطبيعي بتقرير مصيرهم. الظرف يومها كان مناسباً، فاستغله. وكانت الدول الحليفة والمنتصرة بعد سقوط السلطنة العثمانية تعيد رسم المنطقة. فدخل بإصراره وإصرار من معه خرم إبرة مصالح الدول العظمى، ليحقق حلماً راود الكثيرين.. فكان لبنان الكبير، الذي شهد ولادته فيما بعد جالساً قرب مفتي بيروت على درج قصر الصنوبر في بيروت.

كم تشبه أحداث اليوم أحداث تلك الفترة الزمنية الدقيقة، التي بدلت معالم العالم والمنطقة. في الداخل اللبناني، ضائقة اقتصادية تتحول يوماً بعد يوم إلى مجاعة، هجرة واسعة، إحباط ويأس، تبدل في معالم لبنان وعلى كل الأصعدة، دوره ومقوماته ونقاط قوته. في الوقت نفسه تطالب أغلب القوى السياسية -ولو سراً- بنظام جديد. بعضهم يريد المثالثة، آخرون يطالبون بالفيدرالية. وتصل أفكار البعض الآخر إلى إعادة إحياء دولة جبل لبنان. المهم عندهم  دفن الطائف. وفي الوقت نفسه، تعيش المنطقة على صفيح متحرك من العراق إلى سوريا إلى مفاوضات لا تنتهي بين إيران وأميركا، ولا أحد مستعجل لإنهائها.

بالمختصر، لبنان كما المنطقة على عتبة تبدلات عميقة، قد تغير دولاً وأنظمة وشعوباً. كل ذلك على وقع ما بات يعرف بإفراغ هذا المشرق من المسيحيين ومن معظم الأقليات الأخرى. ولكن، مهلاً، ألم تكن هذه الإشكالية موجودة مع نهاية الحرب الكونية الأولى؟ فالجوع والتعسف وغياب آفاق المستقبل، حمل الكثير من أجداد هؤلاء إلى العالمين الجديد والقديم، حيث بنوا عالماً لهم من دون أن ينسوا لبنان وسوريا وفلسطين. ومن عتمة ذلك الواقع اخترع ذلك البطريرك ورفاقه فكرة وأملَ بناء وطن لجميع أبنائه.

الإشكالية الكبرى اليوم تبقى مسيحية. فمن خطف التمثيل المسيحي لا يملك رؤيا واضحة للخروج من أزمة النظام التي نعيش في ظلها. فنحن أمام أحزاب مسيحية لا تقدم إلا شعارات فارغة، حينما تختلف نموت قتلاً وحينما تجتمع نموت جوعاً. ونحن أمام زعامات تقليدية تعيش في القرون الوسطى، تنتظر انطفاء الأحزاب لتأكل من صحنها. ونعيش في ظل كنيسة يتوزع ولاؤها بين الأحزاب والزعامات التقليدية. كنيسة تصف المرض ولا تقدم لنا أي حلول واقعية.

بالمختصر، يفتش المسيحي الذي لا يريد أن يهجر لبنان عن الياس حويك القرن الواحد والعشرين. وبالتأكيد لم يجده حتى كتابة هذه الكلمات.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها