الجمعة 2021/12/10

آخر تحديث: 16:14 (بيروت)

ألحان السلطة في "المرفأ": أوركسترا التعطيل والضغوط

الجمعة 2021/12/10
ألحان السلطة في "المرفأ": أوركسترا التعطيل والضغوط
أوركسترا، تعزف أبشع أفعال البؤس والقهر والإمعان بالتيئيس والتشبيح والبلطحة بانتظار عصا قائدها (Getty)
increase حجم الخط decrease
كما كان متوقعاً، تستعيد الحملة على القاضي طارق البيطار زخمها تلقائياً، وبشكل تدريجي بعد عودته إلى التحقيق في انفجار مرفأ بيروت. من جهته، يتابع المحقق العدلي عمله في إعادة ترتيب ملف التحقيقات، على أن يباشر مطلع الأسبوع المقبل بعقد جلسات استماع إلى بعض الشهود الإضافيين. فأشارت مصادر في قصر العدل لـ"المدن" إلى أنّ "البيطار يجتمع مطلع الأسبوع المقبل بعدد من الشهود، وأمامه العديد من الملفات المتعلّقة بالمرفأ، منها طلبات إخلاء السبيل المقدمة من قبل الموقوفين في الملف، والمفترض أن يحيلها إلى الجهات المعنية لإبداء الرأي". وإضافة إلى ذلك، زاوية الاستنابات الخارجية التي لم يتلقّ البيطار بعد أجوبة عليها. مع انتظار الجميع للمسار الذي سيتّبعه على مستوى استجواب القيادة العسكرية السابقة ورئيس الحكومة والوزراء السابقين المدعى عليهم في جريمة 4 آب. 

أوركسترا تعزف
وفي المقابل، بدأ خصوم البيطار بالتحرّك، من خلال دعاوى وشكاوى وإجراءات قانونية تتوالى منذ يومين. وخصوم البيطار ليسوا الموقوفين أو المدعى عليهم فقط، بل جاء اليوم طلب النقل المقدّم من أحد الوكلاء القانونيين عن أحد ضحايا الانفجار، ضد المحقق العدلي. وذلك بعد ساعات على تقدّم رئيس الحكومة السابق حسّان دياب بالدفوع الشكلية، تمهيداً لتقديم دعوى مداعاة الدولة. وإضافة إلى ذلك، شكوى بـ"التوقيف التعسفي" قدّمها عدد من الموقوفين أمام فريق الأمم المتحدة المعني "بالاحتجاز التعسفي". هذا في القضاء والقانون، أما في السياسة والإعلام، فمعاداة البيطار على حالها من التعقيد، مع إضافة بعض "البهارات" حول محاولة أحد الموقوفين الانتحار داخل نظارته. تعزف أوركسترا خصوم البيطار هذه الألحان، وقائدها وضابط إيقاعها معروف.

شكوى الاحتجاز التعسفي
أعلنت اليوم المحامية راشيل لندون أنّ الموقوفين في ملف انفجار مرفأ بيروت، المدير العام السابق للجمارك اللبنانية شفيق مرعي، المدير العام للجمارك بدري ضاهر، المدير العام للجنة المؤقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت حسن قريطم، ومدير الخدمات الجمركية حنا فارس، تقدّموا بواسطتها بشكوى إلى فريق الأمم المتحدة المعني بـ"الاحتجاز التعسفي". وجاء في مضمون الشكوى أنّ الموقوفين المذكورين "معتقلين من قبل الحكومة بشكل تعسفي وغير قانوني"، وهو توقيف مستمرّ منذ 5 آب 2020 "من دون أي سبب ومن دون إتاحة القدرة لهم للدفاع عن أنفسهم، ومن دون تمكينهم من الطعن بشكل فعال بقانونية الإجراءات، وأنه تمّ استجوابهم في البداية من دون حضور محاميهم ولم يتمكّنوا أبداً من الوصول إلى الملف أو الوثائق التي تتعلق باحتجازهم". أما من يريد البحث عن صيت وعمل المحامية ليندون، فبإمكانه تصفّح الإنترنت والقضايا القضائية الإعلامية التي تتبنّاها لإثارة الضجّيج من حولها. وماذا عن موقف "الممانعين" منها ومن منظمة "ليكرا" التي تنتمي إليها؟ كما أنه حبّذا لو ينال الواقع العام للسجون واحوال الموقوفين هذا الاهتمام الحقوقي والإعلامي، وأوضاع آلاف الموقوفين من دون محاكمة في أوضاع أسوأ من مزرية.

طلب النقل
وفي سياق آخر، تقدّم اليوم الجمعة المحامي سلمان بركات، نيابة عن موكله يوسف المولى والد ضحية انفجار مرفأ بيروت قاسم المولى، لطلب نقل الدعوى من المحقق العدلي القاضي طارق البيطار. واطّلعت "المدن" على مضمون الدعوى المقدّمة التي أشار إلى أنّ طلب النقل "هو بفعل الارتياب المشروع وعدم مراعاة مبدأ حسن سير العدالة بسبب الاستنسابية والانتقائية وتسييس التحقيق". الدعوى التي تمّ  تقديمها أمام رئيسة الغرفة السادسة من محكمة التمييز القاضية رندة كفوري، لفتت أيضاً إلى "الاعتراض على السلوك والأسلوب المتّبع في التحقيق الذي يفترض أن يعمل لكشف الحقيقة كاملة وليس فقط الإهمال الوظيفي". مع التشديد على "ضرورة أن يجيب التحقيق على الأسئلة المطروحة حول من أدخل نيترات الأمونيوم إلى المرفأ ومن حماها وغطّاها طيلة فترة وجودها في المرفأ، ومن كان له علم واختصاص وصلاحية للحؤول دون تخزينها وثم وانفجارها".

الاستنسابية والتسييس والموقوفون
بعد عرقلة عمله وتوقيفه عن متابعة للتحقيق لقرابة شهرين، بفعل دعاوى وإجراءات قضائية، تلقي الجهات المتضرّرة من التحقيق في جريمة انفجار مرفأ اللوم على المحقق العدلي القاضي البيطار. شهران من التعطيل، كان بإمكان الأخير ربما لو سُمح له بمتابعة عمله واستجواب المدعى عليهم والتوسّع في الاستنابات الخارجية، أنّ ينجز قراره الاتهامي في الملف. التحقيق مسيّس؟ من يشنّ الحملات على التحقيق والمحقق العدلي؟ التحقيق استنسابي؟ من يرفض المثول أمام القضاء؟ الظلم يلحق بالموقوفين؟ من يعمل على تعطيل التحقيق وإبقاء الموقوفين في نظاراتهم والمدعى عليهم الآخرين أحراراً في منازلهم؟ لكل هذه الأسئلة جواب واحد: المتضررون من تحقيق جريمة 4 آب مسؤولون عن كل ما سبق. ويزيدون الشكوك حول دورهم في انفجار مرفأ بيروت مع كل إجراء تعطيلي وقرار عرقلة.

بات ملف المرفأ كأي ملف أو قضية أخرى تسعى السلطة السياسية إلى وضع يدها عليها، للتحكّم والإطاحة به. أسلوب السلطة في التعامل مع قضايا الناس، الخاصة والعامة، واضحة. هو نمط ارتكاب الفعل وإدانته: نهبوا اللبنانيين ويدينون النهب. يهندسون الفساد ويدعون إلى محاربته. ينظّمون الحروب الأهلية المتنقّلة ويرفعون شعار السلم الأهلي. يقسمون البلد عامودياً بين طوائف ومذاهب، ويدعون إلى الوحدة الوطنية. يدعون إلى المحاسبة ويعرقلونها في شتّى المجالات وعلى مختلف المستويات، في الانتخابات والقضاء والمجالس الدستورية. وأخيراً، يعرقلون التحقيق ويدينون العرقلة.. ما كل هذا العبث؟ لدى البعض توصيف آخر يشير إلى وقاحة السلطة وتفننها في اعتماد هذا الأسلوب. والأصعب أنه لا يزال ثمة جمهور يصفّق، يتماشى معها، ينضمّ إلى جيوشها الفعلية والالكترونية.
أوركسترا، تعزف أبشع أفعال البؤس والقهر والإمعان بالتيئيس والتشبيح والبلطجة. والجمهور يستمع بانتظار عصا قائدها..أو إصبعه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها