الأحد 2021/11/28

آخر تحديث: 11:25 (بيروت)

لبنان المحاصر: خَنْق خارجي واختناق داخلي

الأحد 2021/11/28
لبنان المحاصر: خَنْق خارجي واختناق داخلي
سياسة فرض اميركا العقوبات على حزب الله انتقلت إلى بعض البلاد العربية (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
تفرض الولايات المتحدة الأميركية عقوبات على حزب الله، وعلى محبّذين وداعمين له، وتسير في ركاب السياسة الأميركية سياسات أوروبية وغير أوروبية، فتقول قول القوة الأميركية العظمى، وترى ما تراه.

سياسة فرض العقوبات المذكورة، انتقلت إلى بعض البلاد العربية، فتصدّرت سياسات عدد من الدول الخليجية، وبَنَتْ على أشياء السياسة العقابية "مقتضاها". أين يدور النقاش في الحالة اللبنانية المسكونة بتناقضاتها، والتي تقتات من أعمار السكّان الذين ما زالوا يُعْرَفون بأنهم "لبنانيون"؟

نقاش العون الديمقراطي
يربط جمهور من اللبنانيين بين ديمقراطية الغرب وسياسات دوله. يقيم هذا الجمهور صلة وصلٍ وثوقية، بين معركة الغرب المركزي الديمقراطي، ضد أطراف العالم الاستبدادي، وبين معركة الدواخل في سَعْيِها إلى الخلاص من الاستبداد ومن الظلامية.

ولكي تكتمل أسلحة المواجهة، وعناصر نظريتها، سارعت نُخَبٌ من شعوب الأطراف ونخب لبنانية إلى اعتماد مصطلح "الإرهاب"، الذي رفعت الولايات المتحدة الأميركية لواء محاربته، ثم نظمت معارك لمواجهته، فنالت أفغانستان حصتها من الحرب، ونال العراق نصيبه من الخراب من حَملة الدمقرطة الوافدة مع الصواريخ الذكيّة.

لم تعتمد "أميركا" تعريفاً للإرهاب، ولم تبذل الدول الأخرى جهداً تعليلياً، ولم يكلّف العرب أنفسهم عناء توسيع مروحة تعريفات الإرهاب، توسيعاً يُعينهم أولاً، حتى لا يقع كل سلوك سياسي غير مرغوب به، في دائرة الاصطياد التعريفي للإرهاب، فيكون ما يكون، من قبل الصيّاد، صاحب القاموس المحدَّد، والشَّرْح غير المستفيض.

الربط الميكانيكي، بين الداخل اللبناني، والدواخل العربية، وبين ما ارتأته سياسات الخارج الدولية، تجاهلتْ لبنانياً، حقيقة التشكّل اللبناني الأصلي، وهمَّشتْ عربياً، حقيقة السياق الأصلي لنشوء عدد من الدول، مع ما انطوت عليه كل سيرة نشوئية من تناقضات ومعضلات، انطبعت بطابع العشيرة والعائلة والطائفة والإثنيات والقوميات غير المتجانسة.

حديث العون العروبي
يشارك جمهور آخر من اللبنانيين، في بعض مما يعتقده الجمهور الديمقراطي، فيكرر عباراتٍ من أقواله ويحجم عن كثير من أفعاله. يفضل هذا الشطر المختلف من الجمهور حديث الرابطة العربية، ويغدق عليها كلاماً "عائلياً"، فيُكْثِر من ترداد كلمة "الأخوّة"، ويُلحّ على التذكير بأواصر اللغة والتاريخ والدين... أي كل ما يشكّل واجهة أمامية تختفي خلفها السياسات والمصالح. هذا الفريق من الجمهور،  يُقصي لبنانياً وعلى طريقته، هواجس شركائه، وقليلاً ما يتوقف أمام طلبات نظرائه، في الداخل، كما في الخارج. والحال، تصبح السياسات والعلاقات خليطاً من "أهزوجة" احتفاء، على الطريقة اللبنانية، أو حداء قافلة، على الطريقة العربية. في الحالتين، تُنزعُ عن السياسة سياسيتها وتخلع على المصالح ألقاباً مثالية، تناقض لا أخلاقيات المصالح، وحساباتها المادية الجافّة.

سجال التبعية
التبعية تهمة يتبرّأ منها كل اللبنانيين، والحقّ أن فِرَق السجال السياسي في لبنان لم تنجُ من الألوان المختلفة للتبعية. كان ذلك في أمس التاريخ الداخلي، وما زال اليوم ماثلاً في حاضره.

تتوزع التبعيّة السياسية على مصادر قومية ودينية وفكرية، وللمصادر أسماء وعناوين متداولة، وهي تتراوح ما بين العروبة وناصريتها وبعثيتها وفلسطينيتها، وبين الشيوعية ومحاورها، وبين الإسلامية ومذاهبها، من الإخوان المسلمين إلى حزب التحرير، إلى حزب الله في لبنان، وأشباهه في عدد من البلاد العربية. حصيلة السجال: الكل متَّهم، ولن تثبت براءته، لماذا؟ لأن تفسير التبعية، بالارتباط بالخارج، يجعل التهمة ثابتة على الجميع، لأن الجميع على علاقة بخارجٍ ما، يقول قوله، ويحبّذ فعله، وينخرط في حالات عديدة، في تنفيذ سياساته. في هذا السياق، نُسقط كلمة العَمَالة، لأنها لا تُفيد صحيحاً عن واقع الحال، لبنانياً، بل تُحيل إلى إعادة التدقيق في قراءة الخصوصيات، لتكون ممرّاً إلى فهم سياسة "الضرورات تبيح المحظورات"، نقول فهمها، وليس تبريرها، هذا طالما أن الحديث حديث سياسة لبنانية صعبة، في "كيان" ما زال صعباً.

تذكير من السياق
لا ينسى "اللبنانيون"، بل يتناسون أن الكثير مما هم فيه من حالة اختناق داخلي، مصدره سياسات دول العون الديمقراطي، ودول النجدة العربية، ودول "الضد استكبارية"، التي تشكّل الدولة الإيرانية مركز محورها.

حالة الاختناق الداخلي، صنعتها سياسات الخنق الخارجي، من خلال ما فعلته عالمياً وإقليمياً، ومن خلال مراقبتها للاختلالات الداخلية، ومن ثمّ توظيفها في ميادين معاركها القريبة من لبنان، أو تلك البعيدة منه. وللتذكير، وحبر "الذاكرة" لمّا يجفّ بعد: تُدير الولايات المتحدة الأميركية "معركتها" مع إيران، فوق ساحات سياساتها الطرفية، وتُحْجم عن التعرّض لها في ميدانها الوطني الداخلي، لا تفوّت "أميركا" فرصة لتكرار تهديدنا، لأن حزب الله بين ظهرانينا، ولتكرار طمأنة النظام الإيراني بالقول: "لا نريد تغيير النظام، بل تغيير سلوكه...". وعودة، إلى جردة حساب. "أميركا" هي المسؤولة عن تمدّد النفوذ الإيراني، فهي التي جاءت بإيران إلى العراق بعد تدميره، وهي التي تسامحت معها ومع "الحوثي" في اليمن، وهي التي أشاحت ببصرها عن طهران في سوريا، وتعاونت معها في أفغانستان، وتغاضت عنها في لبنان... إذن، مَن المسؤول عن واقع النفوذ الإيراني اليوم؟ ولماذا خنْق اللبنانيين، بعبء فشل الحسابات؟

في السياق، ماذا عن "الأشقاء"؟ لبنانياً، تتحمل السياسة السعودية، قبل غيرها، مسؤولية إخلاء الساحة للسياسة الإيرانية. لن ندخل في التنقيب عن الأسباب الموجبة التي جعلت خيار الحرب في اليمن، خياراً راجحاً، هذا مع العلم أن السعودية تعلم خلاصة تجربة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، عندما تدخّل في اليمن بالعدّة والعدد. لقد أصيبت السنيّة السياسية في لبنان بضعف متزايد، بعد ارتدادات حرب اليمن في الخليج العربي عموماً، فأقفل باب الدعم المقدّم إليها، وطُلب منها خوض معركة غيرها، ضمن خصوصية لبنان الشديدة التعقيد.

خلاصات
من باب الحرص السياسي، الكياني والأهلي، يجب التأكيد على أن السياسات المعتمدة حيال لبنان، عربياً وأميركياً، شديدة الوطأة على الكثرة الساحقة من السكان، وقليلة الوطأة على المستهدفين بها، أي على "الشيعية السياسية" وحلفائها.

كذلك يجب الانتباه، إلى أن مهمة التصدي لحزب الله، ليست على جدول الأكثرية الساحقة من مجموع اللبنانيين، فهكذا مهمّة ليست أقل من "وصفة اقتتال" أهلي لن يبادر إليها أي من المتخاصمين، وعليه، إذا لم يبادر كل "الخانقين" إلى رفع أيديهم عن خناق البلد الكسير، يصبح من المعقول اتهام الجميع، بأنهم يريدون انهيار لبنان.

ماذا ينتظر الغرب؟ ماذا ينتظر "الأشقاء"؟ الجواب عند هذا وذاك. كيف يبادر الاثنان إلى المساعدة؟ لكل منهما قنواته، ولكل منهما ما يفعله لكي لا يُوظّف الدعم في خدمة غريمهما السياسي.

ختاماً، ولأن التكرار يُبْطل الالتباس: لا تتساوى مسؤولية أطراف الداخل، في إيصال البلد إلى حالة الاختناق الحالية، لذلك يتكرر التمييز بين سياسة طرف وآخر، من حيث اقترابها من مخاطبة سلامة الكيان واستقراره، أو من حيث مساهمتها مع الخارج، كل الخارج، في تهديد استمرار الكيان اللبناني بالاتصال مع زعزعة ثباته، والمغامرة بسياسة توصل إلى انهياره.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها