الجمعة 2021/11/12

آخر تحديث: 11:30 (بيروت)

رؤساء الحكومة والحسابات الخاطئة

الجمعة 2021/11/12
رؤساء الحكومة والحسابات الخاطئة
وقع الميقاتي في فخ الرهانات الخاسرة والحسابات الخاطئة (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

تسعون يوماً تقريباً مرت على إعلان ولادة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، ليظهر من كثافة الأزمات وتتابعها، وكأنها في عمر ثلاث سنوات وليس ثلاثة أشهر. والحكومة اليافعة سرعان ما أُدخلت إلى حالة تصريف الأعمال، من دون أن يقدم رئيسها استقالته. وتم استنزاف قوتها واندفاعتها وطاقاتها، بفعل الفيتوات والاعتراضات والاشتراطات المضروبة من اليمين والشمال، ما يحتم طرح السؤال الملح، وهو: لماذا أقدم نجيب ميقاتي على تنكّب هذه المسؤولية والترشح إلى منصب ومهمة رئاسة مجلس الوزراء؟ في هذا الظرف المعقد والواضح أن معالمه متداخلة ومرتبكة، في ظل صراع إقليمي دولي حامي الوطيس، ورئيس الحكومة يستمر بمحاولة اجتراح الآمال والتوقعات الإيجابية، ليظهر وكأنه بمفرده حاملاً لتوقعات وآمال غير موجودة أو واقعية. وهي حتى الآن من دون طائل، ومن دون داعم أو مساند من أي من الشركاء في الوطن.

الفيتو أو المطب الأول، جاء من الثنائي أمل وحزب الله، الذي اشترط مهمة قاتلة ومعطلة لأي حكومة. وهي مهمة "قبع" المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار، كشرط للعودة إلى طاولة مجلس الوزراء. وهو مطلب تعجيزي، في حال نفذته الحكومة، أي حكومة، تكون كمن أطلقت النار على رأسها، في خطوة غير مقبولة وغير ممكنة أو مفهومة من سلطة تطالب وتسعى للحصول على دعم وثقة واحترام المجتمع الدولي، وتُقْدم في الوقت عينه على التدخل في شؤون سلطة أخرى يُفترض أنها مستقلة، ولا علاقة لها بها لتطيح بأبسط قواعد الحوكمة.

المعضلة الثانية أتت من صلب الحكومة، وتحديداً من الطرف الثاني المكون للحكومة، أي من المحور الحليف للثنائي عبر وزير الإعلام المفوه جورج قرداحي، في ضربة تحت الحزام لم يحسب لها أحد حساب، أطاحت بكل نظرية الرئيس ميقاتي الشهيرة، المعروفة بنظرية النأي بالنفس، لتضعه وحكومته في مواجهة دول الخليج العربي حاملة مفاتيح التعافي الاقتصادي للبنان.

ما تواجهه حكومة ميقاتي بالغ الصعوبة والتعقيد، وهي محاطة بالمستحيلات. فالمطلب الأول، أي قبع القاضي بيطار، إذا ما أقدمت على تنفيذه تكون كمن قتل نفسه وقضى على آماله بيده.

أما المطلب الثاني، الذي تحول شرطاً لعودة العلاقات مع دول الخليج العربي، أي إقالة القرداحي النجم العنيد، دونه صعوبات واستحالات كبرى أيضاً، يمسك بها ويسعرها كل لحظة ويزيد تعقيدها حزب الله ومحور الثامن من آذار، عبر مواقفه المتصاعدة والمتضخمة يومياً.

لقد وقع الميقاتي في فخ الرهانات الخاسرة والحسابات الخاطئة، الذي نُصب لغيره من نادي رؤساء الحكومة، فقبله تمت التضحية بالدكتور السفير مصطفى أديب من دون شفقة أو رحمة. وحتى الآن، ليس مفهوماً لماذا أقدم أديب على الترشّح، وترك موقعه في سفارة لبنان في ألمانيا من أجل جاه موعود في بيروت، والذي لم يلامس منهإالا المهانة والتجبّر.

كما ليس مفهوماً حتى الآن -وهنا السر الكبير- لماذا أقدم الرئيس سعد الحريري الذي تكبد خسائر ومرارة تجربة التسوية الرئاسية المشؤومة، لماذا أقدم على الترشح لرئاسة الحكومة، واعتبر نفسه مرشحاً طبيعياً فيما رئيس الجمهورية وربيبه جبران باسيل، لم يشبعا من سفك دماء التسوية المزعومة وانتهاكها، ليضع نفسه وجماعته السياسية في خسارة ومأزق لا فكاك منه ولا تفسير له.

لقد ارتكب رؤساء الحكومة مصطفى أديب وسعد الحريري والآن نجيب ميقاتي، سلسلة أخطاء فادحة في الأداء السياسي، في التقدم المتتالي إلى موقع ودور، في التوقيت غير المناسب أو الملائم للعمل السياسي أو الوطني. لقد ركضوا وسعوا وتقدموا إلى سلطة مغتصبة مهانة وغير موجودة، سبق أن سقطت وتمرغت في الوحل، في السابع من أيار 2008 ولا تزال.

الأخطاء المرتكبة من نادي الرؤساء المترشحين على التوالي، لا مبرر لها على الإطلاق من أي حساب كان.

فمن ناحية النظام المعمول به في لبنان، أي البرلماني الديموقراطي، على الأكثرية النيابية أن تتحمل المسؤولية، وسبق لها أن تقدمت إلى تجربة تسمية وترشيح "الدكتور الأنيق" حسان دياب إلى رئاسة مجلس الوزراء، على وقع ألحان أناشيد فرقة المنشدين التابعة لحزب الله. وقد ظهر جلياً كل القدرات الكامنة خلف هذه التجربة الفاشلة بنجاح، ولم تنفع كل ألحان أهازيج وردحات "نحنا خلفك يا حسان"، التي تعبت الفرق الفنية للممانعة في تلحينها، من تأمين التغطية والتفوق الباهر لساكن السراي الكبير، بدفع من ظلال وأشباح النظام الأمني السابق، من التقدم بضعة مليمترات سوى باتجاه الخيبة والفشل.

كان يجب ترك المسؤولية للأكثرية النيابية، المعقودة لحزب الله ومحوره، لا إتاحة الفرصة لتحالف مار مخايل للتشفي بالمرشح الأول والثاني، والآن التجبّر على الرئيس الثالث.

وقع رؤساء الحكومة على التوالي في فخ الرهانات الخاسرة، وأوقعوا البلاد معهم فيها، فيما خياراتهم لا يمكن أن تخرج عن قبلتهم السياسية والدينية في المملكة العربية السعودية، التي تنظر إلى لبنان والمنطقة نظرة مغايرة عن النظرات التقليدية والتطلعات السابقة المعروفة عنهم لعقود.

انهار النظام الإقليمي العربي، وتبدلت المملكة العربية السعودية التي كنا نعرفها، ونظرة دول الخليج للبنان واللبنانيين والمنطقة، فيما راوحت مقاربة رؤساء الحكومة في مكانها.

ما كان يجب التقدم أنملة باتجاه كرسي الرئاسة الثالثة، التي تحولت مفرمة رؤساء وطاقات، في هذا الظرف غير المناسب.

فليحكم المحور المتفوق القابض على السلطة والبندقية، وليتحمل صاحب الأكثرية النيابية مسؤوليته السياسية والوطنية والاقتصادية والمالية والمعيشية، ومن دون هذه البهدلة المتتالية لرئيس بعد الآخر، إلى أن تعاد وبالوسائل المشروعة، توازنات الحد الأدنى المفقودة لانتظام عمل السلطة والمؤسسات.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها