الأحد 2021/10/03

آخر تحديث: 13:50 (بيروت)

انتخابات لتثبيت أساطين البؤس والمهانة.. ببطاقات إعاشة للمنكوبين

الأحد 2021/10/03
انتخابات لتثبيت أساطين البؤس والمهانة.. ببطاقات إعاشة للمنكوبين
الجماعات المنكوبة المتنافرة لا تجد أمامها سوى جدار نفورها وخوفها من الآخرين (خليل حسن)
increase حجم الخط decrease
سقط كل شيء في لبنان... إلا الانتخابات.

وأخيراً، ليس من كوّة في هذا الأفق اللبناني الأسود سوى جدار الانتخابات النيابية في البلد المنكوب، أقله منذ سنتين وما سمي "ثورة كلن يعني كلن"، والتي كانت شبه بيتية وعائلية، كأنما الأبناء انتفضوا وتمردوا على آبائهم الزعماء أو الأولياء وأحزابهم. وهناك من رأى أن تلك الانتفاضة لم تكن سوى كرنفال وداعي للبنان القديم.


ومن قادوا هذه البلاد إلى نكبتها منذ سنوات طويلة، هم وحدهم وإياهم من دون سواهم يحضِّرون ويتحضرون لخوض الانتخابات النيابية اليوم، مطمئنين وضامنين فوزهم فيها. وهم يتوعدون الآخرين من أمثالهم الأعداء بنصرهم المبين عليهم. ولا صوت آخر سوى أصواتهم الببغائية النكراء تعلو في هذا الأفق العدمي. فيقول أحدهم: "الانتخابات في موعدها والتيار جاهز لخوضها، وهو يقوم حاليا بالتحضير لها ترشيحاً وانتخاباً، وستظهر النتائج النهائية لهذه الاستعدادات قبل نهاية السنة".


وكل منهم ينسج على هذا المنوال، ويقول لجماعته ومواليه ومن أوصلوه إلى سدة الحكم والرئاسة والزعامة والنيابة: الموت لعدوكم، ويا لسعادتكم بنا، وسعادتنا بكم. سوانا هم من سببوا نكبتكم، وفوزنا هو فوزكم، ونحن خلاصكم الوحيد. وسوف نوزّع عليكم بطاقات تمويلية لإسعادكم ببعض دولارات، في انتظار أن نفاوض العالم لنجلب لكم المال والنفط والغاز والكهرباء، ونخلصكم من نكبتكم. ونحن نناضل ونحارب من أجلكم. وسوف تكون لكم وحدكم من دون سواكم الريوع الموعودة، تتنعمون بها وتكيدوا أعداءكم الظالمين كيداً عظيماً.


والجماعات المنكوبة المتنافرة لا تجد أمامها سوى جدار نفورها وخوفها من الجماعات الأخرى. فترفع كل منها مداميك الخوف والنفورعالياً، لتطمئن إلى قوتها وزعمائها ورئاساتها التي يكفي التسبيح بأسمائها المقدسة حرزاً حريزاً من والبؤس والمهانة. وهي جماعات فقدت كل شيء تقريباً، فلم يبق لها سوى التشبث بعصبياتها والانغلاق عليها في زمن القحط وانصراف العالم عن إعالة زعماء مافياتها.

وهي كانت قد خاضت حروباً أهلية مديدة طوال 15 سنة، انتهت بنكبة عامة، فأُرغمت على وقف حروبها، وارتضت أن تتقاسم ريوع سلم وتبذيرها كيفما اتفق، لتستفيق أخيراً على زمن القحط، وتتذكر زمن الوفرة كأنها كانت في غيبوبة ساحرة. وها سحرتها المشعوذون يحضّرون اليوم لسوق جماعاتهم التائهة المسحورة إلى انتخابات نيابية بعد شهور قليلة، فيتوعّد كل منهم قرينه اللدود بالفوز العظيم.


ليست الانتخابات الموعودة سوى فصل جديد من حروب أهلية باردة، يخوضها المشعوذون بما تبقى من حضيض جماعاتهم الأهلية المنكوبة:
جماعة "هيهات منا الذلة" و"النصر الإلهي" و"ويلكم إذا نفد صبره".
وجماعة "حامل صلبان" المسيح على تلال جبل لبنان وقممه، بعد عمه "مخلص المسيحيين" بمحوه تاريخهم السياسي والاجتماعي الملتبس وتزويره، ليصير تاريخاً شخصياً له ولشيعته التي تقدسه وتصفق لوريثه حامل الصلبان.
وجماعة من أرغم على وراثة والده القتيل، بعدما أدى دوره في "إعادة الإعمار" وتوزيع ريوعه وسلمه مغانم على كل طالب غنيمة.
وجماعة من آلت إليه قيادة ميليشيا حربية مسيحية، وانتظرت جماعته المنكوبة خروجه من السجن لتنصبه قائداً أبدياً عليها، فغمره السرور أخيراً بفوزه بـ 15 نائب وإمرتهم في البرلمان. ولا يحلم اليوم إلا بمضاعفة عددهم في انتخابات البؤس المقبلة.
وجماعة وريث والده في إمارة جبلية دارسة وحروب أهلية مديدة. وبزَّ الابن الوريت المفاجئ والده القتيل تفوق عليه في حروب سلم أمرتها دهراً لقتلة والده، لينتصر على أعدائه المحليين. وها هو يتقاعد يائساً من تململ ابنه الشاب وسأمه من وراثته الأمارة الدارسة.
وجماعة الإقطاعي الشمالي المطمئن في إقطاعته الموروثة منذ دهر، وورَّثها لابنه الأكثر اطمئناناً منه على مستقبله.
وهنالك أيضاً بعض هوامش وشراذم هذه الجماعات، يستظل مقدموها الصغار الهامشيون قائد أو مرشد جماعة "هيهات منا الذلة".

هذه هي حال انتخابات لبنان النيابية الموعودة: لا شيء جديد فيها، بل هي تجديد العهد لأساطين البؤس والمهانة ببطاقات إعاشة للمنكوبين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها