الثلاثاء 2021/10/26

آخر تحديث: 00:01 (بيروت)

"عسكرة" الرئاسات الثلاث بثياب مدنية: لتنحية الطبقة السياسية

الثلاثاء 2021/10/26
"عسكرة" الرئاسات الثلاث بثياب مدنية: لتنحية الطبقة السياسية
يستحيل تنفيذ إنقلاب عسكري في لبنان (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
كلما حدث انقلاب عسكري في إحدى الدول العربية، يتحمس بعض اللبنانيين لاستنساخه في لبنان. فتتعالى أصوات ودعوات تقول إن الجيش هو الحلّ. أو أن الأزمة مخرجها تشكيل مجلس عسكري- مدني إنتقالي، وما شابه من أمثال هذه الطروحات، التي يعرف القادة العسكريون والأمنيون أنها مستحيلة التطبيق في نظام الملل اللبناني القائم. فالجيش لا يمكنه الحفاظ على وحدته أو ضمانها، في حال تحريكه قطعاته لتنفيذ انقلاب وإنجازه. وأي ديمومة سلطوية في لبنان تحتاج إلى توفر غطاء سياسي، لا تتوفر بلا حدّ أدنى من التوافق بين مجموعة قوى مختلفة ومتنوعة سياسياً وطائفياً ومذهبياً.

طبقة سياسية مسنّة
صحيح أن الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والمالية والسياسية الراهنة في لبنان، تشبه إلى حد بعيد أوضاع كثرة من الدول العربية التي شهدت ثورات وانقلابات. كذلك، وفي أعقاب انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 اللبنانية، خرجت أصوات تطالب القوى السياسية أو المسؤولين السياسيين بالرحيل، وتقول إن الحلّ والبديل هما الجيش أو المؤسسات العسكرية والأمنية، لا سيما بعد رفض الجيش اللبناني الاصطدام بالناس والمتظاهرين ومطالبهم.

ولاحقاً أدت الأزمة المالية والاقتصادية إلى نوع من وحدة حال معيشية بين الموظفين والمواطنين العاديين والعسكريين. ولا يزال اللبنانيون يحملون الطبقة السياسية المسؤولية. ويتقاطع ذلك أيضاً مع بعض المواقف الدولية، أو المشاريع المستقبلية التي تراهن عليها قوى الخارج: إحداث تغيير سياسي في هيكلية الطبقة السياسية. ويستند ذلك على مجموعة عوامل، اجتماعية وسياسية، وأخرى زمنية يتعلّق بسن المسؤولين السياسيين المديد، تمهيداً لمرحلة ما بعد حكم الطبيعة عليهم.

عسكرة الرئاسات الثلاث؟  
لكن على الرغم من ذلك، يستحيل تنفيذ إنقلاب عسكري في لبنان. وقد يكون إيجاد صيغة للحكم بلباس عسكري خياراً ممكناً، إنما على مراحل سلسة وبناءً على قواعد اللعبة المعتمدة لبنانياً. وهذا ما حصل سابقاً في ما يخص رئاسة الجمهورية حصراً.

أما ما لم يحدث فهو الاتفاق على تسمية عسكري أو مسؤول أمني لرئاسة مجلس النواب أو رئاسة الحكومة. وبما أن الأزمة اللبنانية مديدة، في وجوهها المختلفة، من السياسة إلى الاقتصاد، وفي ظل استمرار الصراع بين القوى السياسية المتصارعة على توازنات النفوذ داخل السلطة، هناك من يراهن مستقبلاً على إحداث تغير عميق في نوعية المسؤولين الذين قد يتسلمون مقاليد الحكم. لذا يُطرح سيناريو العسكر ووصولهم إلى السلطة، بناءً على المعادلة اللبنانية القائمة والثابتة، شرط أن يحدث ذلك السيناريو بطريقة سلسة، ومن دون الحاجة إلى تحريك الآليات العسكرية أو إزهاق دماء.

.. بلباس مدني 
وقد تدفع الحال النفسية للبنانيين وسأمهم من الطبقة السياسية الغارقة في صراعات الحسابات الشعبوية والبحث عن النفوذ، إلى فرض وقائع جديدة تتلاقى مع الحاجة الخارجية، والسعي في إيصال مسؤولين يتمتعون بحيثيات مؤسساتية داخلية، وبعلاقات خارجية يتمتعون بها.

ويتقاطع هذا مع انطباع يفيد أن أولئك المسؤولين أبناء مؤسسات، ويمكنهم تالياً الحفاظ عليها والعمل وفق قواعدها. وقد يخرجون بالبلاد عن القواعد التقليدية التي فرضت عليها، عند كل منعطف، نزاعاً أهلياً يقودها إلى صراع دموي، على خلفية سعي القوى التقليدية إلى اكتساب نفوذ أوسع في المعادلة أو التركيبة اللبنانية.

ويقود هذا السيناريو إلى تصور ربما أصبح حاضراً في دوائر متعددة، ويفترض أن أي تسوية لبنانية لا بد من تتوافر لها مخارج سياسية بقواعد جديدة. فلا تعود معادلة الاستعصاء السياسي محصورة بانتخابات رئاسة الجمهورية، التي حظيت بالتوافق على انتخاب قائد الجيش رئيساً. بل قد ينسحب ذلك على الرئاستين الثانية والثالثة. فيجري الاتفاق مثلاً على قائد الجيش رئيساً للجمهورية، ومدير عام الأمن العام رئيساً لمجلس النواب، وإيجاد شخصية سنية من هذا النوع لرئاسة الحكومة.
هكذا سيناريو ممكن جداً، ليس على الطريقة العربية، إنما محاكاة لما صار في العقدين الأخيرين عرفاً مارونياً بتحول قائد الجيش رئيساً للجمهورية، خصوصاً أن "المرشحين" لخلع البدلة العسكرية وارتداء ربطة العنق بات لديهم خبرة ديبلوماسية ومراس سياسي وأوراق اعتماد مقبولة داخلياً وخارجياً، بما ينفي سمة الانقلاب عن تقلّدهم مقاليد السلطة، ويسبغ عليهم سمات "الإصلاح" و"الانتقال الديموقراطي" تزكية وترشّحاً وانتخاباً. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها