الثلاثاء 2021/10/26

آخر تحديث: 14:33 (بيروت)

"استدعاء" جعجع: ضرورة العودة إلى العام 1990

الثلاثاء 2021/10/26
"استدعاء" جعجع: ضرورة العودة إلى العام 1990
يتمسّك حزب الله وحلفائه بمنطق خطاب الحرب الأهلية (الأرشيف، ألدو أيوب)
increase حجم الخط decrease

ثمة انطباع بأن القوى السياسية الفاعلة في لبنان تتعامل مع الواقع كما لو أنها تُمَثّل في مسرحية. فيتصرف كل لاعب وكأنه ممثل يطرح على نفسه سؤال: ماذا لو؟

ماذا لو كنت ذلك الوحش؟ فيتخيّل نفسه وحشاً في مكان وزمان معيّنين، ويؤدي دور الوحش ببراعة. ماذا لو كنت مجرماً؟ ماذا لو كنت ديكتاتوراً؟ أو ماذا لو كنت فاعل خير؟ كلها أدوار يمكن أن يتخيّلها الممثل، لكي يجسدها على خشبة المسرح بكل واقعية.

ماذا لو كنت في العام 1975؟
بعض اللاعبين السياسيين اللبنانيين يتصرفون اليوم كما لو أنهم يجيبون على سؤال: ماذا لو كنت في العام 1975؟ أي في بداية الحرب الأهلية. هكذا يمثل كل لاعب دوره على أكمل وجه. فيحدد عدوه. يشيطنه. ويتخيّل أنه يقاتله ويحاربه. لتصفيته أو لإضعافه، فإخضاعه للإملاءات.

اللاعب الأبرز الذي يبدو مندمجاً بالكامل في هذا الدور هو حزب الله، مع أنه ينكر ذلك ويعلن العكس. فيقول إن هناك مؤامرة لاستدراجه إلى حرب أهلية، وهو الذي يجهضها. لكن اندماجه في مشهد العام 1975 وما بعده، يتجلى خصوصاً في كيفية تعامله مع رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع. هجوم مركّز، برز بوضوح في خطاب الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله. تحميل جعجع وحده مسؤولية حادثة الطيونة، من دون النظر في أسبابها المباشرة والعميقة. اتهامه بالسعي لتكوين "كانتون" مسيحي. تصويره بوصفه "الخطر الأكبر" على المسيحيين.. وصولاً إلى "استدعاء" جعجع للإدلاء بإفادته بشأن ما حصل.

منطق الحرب الأهلية
منطق هذا التعامل هو منطق حرب أهلية، حتى لو ظلت المدافع ساكتة. كأن تلك الحرب انتهت إلا مع هذا اللاعب. وحده حوكم ودخل السجن من بين زعماء المليشيات، فيما كان الآخرون ينعمون بمغانم الدولة: نبيه برّي، وليد جنبلاط، سليمان فرنجية، إيلي حبيقة قبل اغتياله، وغيرهم.. واليوم لا يفصل الخطاب الإعلامي المهيمن بين دور جعجع السياسي في مرحلة ما بعد 2005 ودوره خلال الحرب الأهلية.

مسؤولية جعجع
وهو خلط ساهم فيه سمير جعجع بنفسه، حين استحضر أيضاً خطاب الحرب الأهلية وأسقطه على الواقع اللبناني، خصوصاً على مسار انتفاضة "17 تشرين". فهو الذي صوّر هذه الانتفاضة باعتبارها امتداداً للعام 1975، في خطاب يهدف إلى إعادة شد العصب المسيحي (لدوافع متعددة يجوز نقاشها من زوايا سوسيولوجية سياسية وتاريخية). وهذا ما أعاد ترسيم حدود سياسية طائفية، كادت انتفاضة 17 تشرين أن تساهم في تخطيها. أو شكلت فرصة لتجاوزها. وكأن جعجع فضّل الدفاع عن نفسه وعن حزبه بوجه شعار "كلن يعني كلن"، الجذاب، والذي يستهدف كل من شارك في السلطة بعد الحرب، وبعد 2005، باستحضار خطاب يعتمد على شد العصب. قد تكون استراتيجيته ناجحة. وقد يكون شعار "صهيوني صهيوني، سمير جعجع صهيوني"، الذي ردده بعض اليسار في الانتفاضة، ولا يزال يردده مناصرو حزب الله وحركة أمل وقوى 8 آذار حين يتظاهرون، والذي يعكس بدوره رفض هؤلاء الخروج من خلف محاور ومتاريس الحرب الأهلية، هو الذي سهّل أو سرّع لجوء جعجع إلى استراتيجية استحضار منطق خطاب الحرب وشد العصب.

ما قبل حادثة الطيونة وما بعدها
هكذا، وفي ظل سياق يتسم بتمسّك حزب الله وحلفائه بمنطق خطاب الحرب الأهلية، وباندفاعة القوات اللبنانية نحو استعادة منطق هذا الخطاب أيضاً، وقعت حادثة الطيونة-عين الرمانة، التي جسدت لساعات مشهد حرب أهلية. وفي ظل تصاعد الاحتقان الطائفي في البلد، من غير المستبعد تكرار تلك الحادثة المأسوية.

وبدلاً من البحث عن حل سياسي يحصنّ السلام في لبنان، أو ما يسمى بالسلم الأهلي، تلجأ القوى المهيمنة إلى حل أمني استنسابي، من شأنه أن يضاعف الاحتقان. وكأن هناك من يتعمّد صب الزيت على النار، بينما المطلوب توفير مناخ تهدئة، والتمهيد للمصالحة.
وكأن هناك من يتعامل مع مقتلة الطيونة بوصفها حدثاً مستجداً، لا جذور له. فيصوّر ما جرى باعتباره سبباً لحالة جديدة، بينما هو نتيجة لسياسة فُرِضَت على اللبنانيين بعد انتهاء الحرب الأهلية عام 1990. وهي سياسة كرست معادلة "غالب ومغلوب" بدلاً من بناء مصالحة وطنية حقيقية.

لبنان يدفع اليوم ثمن تلك السياسة التي فرضتها الوصاية السورية على حساب تطبيق اتفاق الطائف وإطلاق دينامية مصالحة مجتمعية، مبنية على التسامح، بالطبع. ولكن مبنية خصوصاً على عدالة انتقالية، يُحاسب بموجبها مجرمو الحرب، من أصغر إلى أكبر عنصر في كل المليشيات اللبنانية وغير اللبنانية. لو تمت محاسبة جميع المرتكبين، من كل أحزاب الحرب الأهلية من دون استثناء، لكان وضع لبنان وحالة التعايش السياسي بين طوائفه مختلفَيْن اليوم. 

إذا كان لا بد من عودة إلى الوراء، فليس إلى العام 1975، تاريخ بداية الحرب الأهلية. بل إلى العام 1990، تاريخ انتهائها، لتصحيح الخطأ، أو بالأحرى الخطيئة. خطيئة عدم تحقيق مصالحة وطنية تحفظ ذاكرة الحرب. وتكرّم جميع ضحاياها وشهدائها. لكن تدفن الأحقاد في مقابرها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها