الإثنين 2021/10/25

آخر تحديث: 12:00 (بيروت)

انتخابات: النظام يُغيِّر معارضاته

الإثنين 2021/10/25
انتخابات: النظام يُغيِّر معارضاته
حُشِرَ اللبنانيون في عنق زجاجة الخيارات القاتلة (الأرشيف، غازي غريب)
increase حجم الخط decrease

ينتظر اللبنانيون موعد الانتخابات النيابية، في ربيع السنة المقبلة، وهذه قد تحصل، وقد تطيح بها استنسابيّة المذهبيّات الحاكمة بأمرها، المتسلطة بأدواتها القهرية.

لكن، وانطلاقاً من الحسابات الخاصّة "بتوليفة" النْسَق "الفوقي"، سارع أقطاب هذا الأخير، إلى افتتاح موسم "ديمقراطي"، يحدو أصحابه الاطمئنان إلى نتائج صناديقه، وتغذّيه الثقة بإعادة تثبيت "شرعية" شعبية، لطاقم التوليفة، التي رماها المعترضون بِوَابِل من السهام. السرعة في الإعلان، والخلاف حول تاريخ يوم الاقتراع، لم يكن وليد تسرّع مذهبي، أو حصيلة تطورات فجائية، بل جاء مولوداً طبيعياً، من حَمْلٍ استغرق مخاضه ُشُهوراً من الاحتجاجات" الشوارعية" الصاخبة.

تحضير طويل
فوجئت التوليفة الطائفية – المذهبية، باندلاع غضب الشارع الشعبي، وفوجئ معها الوسط الممتعض الذي يضمّ هيئات وجمعيات وعدداً من الأحزاب. المفاجأة حَمَلَت النظام التوليفي إلى المناورة والمداورة، وأخَذَت جَمْعَ الاحتجاج إلى فوضى الأفعال، وإلى شعارات المراهقة والمغامرة. تمكّن النظام المنظَّم داخل تكوينه من الثبات في تراجعه، فكان سلاحه الأوّل التجاهل، وإدارة الظهر لمجريات الشارع، وإطلاق حريّة اللسان بالوعود. التجاهل كان سلاحاً فعّالاً في مواجهة شارع لا يملك النَيْل من نظام على شاكلة النظام اللبناني الراسخ في ماضويته.

من التجاهل إلى الالتفاف على الأوضاع الناشئة، هكذا نظَّم المسؤولون هجومهم المعاكس. طليعة الالتفاف، لجأت إلى "القنص" بالاتهام، ومن جعبة الاتهامات اختار القناصون طلقات التخوين، وقنابل دخان التبعية للخارج، والارتهان لمشيئة سفاراته، ما لدى الزمرة الحاكمة المتحكِّمة، رَمَتْ به جمهور الاحتجاج. كان كل ذلك مقدّمة لا بديل منها، لهجمات ماديّة مباشرة، على الأجساد التي افترشت الطرقات، وعلى القبضات التي ارتفعت، مُلوّحة بغضبها، في الفضاء.

الخطوات التي توالت، من قبل "النظام" المتهالك تاريخياً، ساعدها موضوعياً، الارتباك في سَيْر من انتدب صوته وقراره للمواجهة، لكنه لم يُحسن رسم الطريق، ولم يُفلح في دقّ أبواب السياسة الشعبية، التي تتكفل عناوينها المختارة بعناية، بتحديد مسالك ومسارب الأساليب العملية.

لقد اختتمت مرحلة التحضير النظامي بعلامة رسوب لجمهور الاحتجاج، وبعلامة "بقاء واستمرار"، للنظام الذي هتف المعترضون بالدعوة إلى إسقاطه، كان الشعب يريد إسقاط النظام، لكن النظام عاد فأسقط آمال مناوئيه.

الميدان الخالي
حركتان متعاكستان أدّتا إلى خُلُوّ الميدان، الأولى انسحاب المعارضات، عندما كان المطلوب ثباتها، خاصةً بعد تشكيل حكومة الرئيس حسان دياب، والثانية، انتقال نظام الحصص النهبيّة، إلى تطوير هجومه، بعد أن خَلا الميدان من قوى المواجهة الاعتراضية.

لم يقتصر أمر اختلاف وجهة السير على أطراف المعارضات الشعبية، أي تلك التي ليس لها من يُمثلها في أروقة التشكيلة الطائفية المذهبية، بل إن عدوى الانسحاب أصابت أطرافاً من المعارضة غير الحاكمة، انسحبت بدورها من الشارع، تحت ستار حجج سياسية غير جدّية، بالمقياس السياسي المعارض، فكان ذلك سبباً إضافياً زاد من حرّية حركة أطراف الحكم الحاكمين، الذين طاردوا الاحتجاج حتى أدخلوه في دوّامة العجز والفقر والمرض والهجرة، والهامشية السياسية.

فرز التوليفة
اطمأنت التوليفة إلى نجاحها في مواجهة التحدّي الشارعي، فانطلقت إلى محاصرة الأصوات المعترضة من داخلها. تصنيفاً، يجوز الانتقال إلى اعتماد جملة أوردناها عام 2007، وأعْتُمِدت للتمييز بين الحاكم والمتحكّم، من ضمن التوليفة النظامية الواحدة.

منذ حكومة الرئيس حسان دياب، وحتى الحكومة الحالية، لم يُضعْ المتحكّم وقتاً في استثمار نجاحه، لتعظيم نفوذه الرسمي، ولترسيخه في كل مستويات البنية الداخلية اللبنانية، بشقيها، الرسمي والأهلي.

استطراداً، وسريعاً نجدّد القول: إن شعار "كلّن..." لم يكن شعاراً سياسياً ناجحاً، فالفرز الذي توالى تباعاً، ضمن تشكيلة "كُلّن..." أثْبَت أن التباينات "الإدارية" الداخلية، حقيقية، وأنها تتصل بمسائل كيانية جوهرية، وأنها تنطوي على اختلافات تعريفية عملية كثيرة، تكراراً، أخطأ من لخَّص التوليفة بـ "كلّن..."، وأخطأ أيضاً الفريق الذي علَّق أسباب انسحابه من الميدان على مشجب "كلّن...". في الحالتين حصل اختزال على ضفتي النظام والمندِّدين به، وحصل أيضاً، ضمن المعارضات التي فشلت في أن تلتفّ حول برنامج مشترك محدّد وواضح.

شراسة التحكّم وتطلُّبه
من يتحكّم بوجهة سير ما تبقى من جمهورية لبنان، يعتمد في وسائل تحكمه النطق والفعل، والقانون والخروج عليه، والميثاقية والتلاعب بها، والأعراف وتجاهلها..

ترسانة المتحكّم ملأى بأدوات الزجر والقمع، هذا عندما يستنفد "النصح" دوره، وعندما يبلغ التحذير منتهاه.

وفي ترسانة المتحكّم، عصبية مشدودة، وإعلان تفوّق مشهود، وشرح خاص جدّاً لكل مسألة، ومطالب لا تكتسب شرعيتها إلاّ من رؤية المتحكّم لها، ومن المعاني التي تنطوي عليها، ومن الأهمية التي ترتديها لديه هو فقط. مراقبة السير اللبناني، في محطاته المفصلية، تشهد لما ورد أعلاه، ومراجعة تفسير حقبة ما بعد عام 2000، عام تحرير لبنان، وحقبة ما بعد 2005، سنة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.. وحتى حقبة ما بعد انفجار المرفأ وما تلاه.. كل ذلك، يقود إلى خلاصة مفادها: أن لبنان تتحكّم به نظرة أحادية، لا تحتمل النقاش الداخلي المختلف، ولا تتحمّل الأصوات المعترضة على مجمل نصوصها.

عن اليومي الراهن
مجدّداً حُشِرَ اللبنانيون في عنق زجاجة الخيارات القاتلة. لا مجال للنقاش إلا ضمن حيِّز "إمّا أبيض وإمّا أسود" والحال، لا مجال لقائل أن يعلن حريته في اللاإختيار، لأن ما هو معروض أسود وأسود، على الضد من رغبة العارضين.

لقد نجح نظام التحكم في "تنظيف" الشارع فكَنَسَ معارضيه وهو يسعى إلى تنظيف "كواليسه"، ليكنس المعترضين داخل هذه الكواليس. في هكذا وضع، لن يكون مقبولاً من قبل مدّعي الحرية، أو الداعين إليها، سوى إعلان موقف الرفض الكامل لكل منظومة التحكّم، في كل ممارساتها التي تقف على تضاد مع الحرية.

لماذا الحريّة: لأنها شرط حياة ومواطنة وأوطان. لأنها شرط استقرار أهل لبنان.. في لبنان.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها