الأربعاء 2021/10/20

آخر تحديث: 12:12 (بيروت)

عندما منعت أميركا تدخلاً عسكرياً فرنسياً إلى جانب عون

الأربعاء 2021/10/20
عندما منعت أميركا تدخلاً عسكرياً فرنسياً إلى جانب عون
وفد برلماني فرنسي مع الجنرال عون أثناء "حرب التحرير" (Getty)
increase حجم الخط decrease

عندما كانت "حرب التحرير" في أوجها، صيف 1989، حاولت فرنسا انتزاع موقف أميركي مؤيد لتدخل عسكري غربي من أجل دعم قائد الجيش اللبناني آنذاك، ميشال عون، بوجه الجيش السوري. هذا ما يظهره كتاب مذكرات الدبلوماسي والسفير الفرنسي، جيرار أرُو (Gérard Araud)، بعنوان "جواز سفر دبلوماسي. أربعون عاماً في الـ كي دورسيه" (2019).

كان جيرار أرُو مستشاراً دبلوماسياً في سفارة باريس بواشنطن، حين انفجرت تلك الأزمة في لبنان. انتهت ولاية الرئيس أمين الجميل، عام 1988، من دون انتخاب خلف له، لأن السوريين رفضوا وصول ميشال عون إلى الرئاسة، أو أي مرشح آخر ينتمي إلى الأحزاب المعادية لها. قبل خروجه من بعبدا، كلف الجميّل قائد الجيش بتولي رئاسة حكومة عسكرية، مما أدى إلى انقسام السلطة التنفيذية بين حكومة عون وحكومة رئيس الوزراء المنتهية ولايته، سليم الحص. في 14 آذار 1989، أطلق عون "حرب التحرير" ضد الجيش السوري. وعاش لبنان آخر فصول الحرب الأهلية.

التدويل
ما هو متداول في الصحافة العالمية عن الدور الفرنسي في تلك الفترة، يكشف عن محاولة فرنسية في أيلول 1988، لتنظيم الانتخابات الرئاسية اللبنانية بحماية قوات "اليونيفيل". خيار التدويل هذا كان سيحدّ من التأثير السوري على عملية الاقتراع.

لاحقاً، حين اندلعت الحرب، قدّم الفرنسيون مساعدات إنسانية. وكثفوا جهودهم الدبلوماسية من أجل وقف إطلاق النار وانتخاب رئيس جمهورية توافقي، قبل إقرار التعديلات الدستورية التي من شأنها أن تتكرس في إطار حل سياسي نهائي للأزمة اللبنانية. هنا، كانت فرنسا تؤيد حلاً متوازناً، برعاية عربية. حلٌ يرضي كل اللبنانيين. ويطمئن سوريا على أن لبنان لن يشكل مصدر تهديد لأمنها، لكن بشرط أن يؤدي هذا الحل إلى تحرير لبنان من الجيوش الأجنبية كافة. كل هذه الطروحات، كانت ترفضها دمشق التي كانت تتطلع إلى إضعاف الطرف المسيحي المعادي لها، قبل البت بمخرجات حل سياسي ملائم لها بالكامل.

تعبئة عسكرية فرنسية
في ظل هذا التناقض، حصل تصعيد عسكري، في صيف 1989، تخلله قصف عنيف لمناطق سيطرة ميشال عون. السؤال الذي كان مطروحاً آنذاك، تمثّل في معرفة ما إذا كان الرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد، سيلجأ إلى "الحسم العسكري" ضد عون؟ التهديد كان جدياً. بدأت موازين القوى العسكرية تميل لصالح الجيش السوري، لاسيما بعد انطلاق معركة سوق الغرب في 13 آب. لكن سيناريو كهذا، قوبل برد فعل فرنسي صارم. قرر الرئيس فرانسوا ميتران، تعبئة القوات الفرنسية وأرسل حاملة الطائرات المقاتلة، "فوش" (Foch) قبالة الشواطئ اللبنانية...، حسب ما ذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية، في 22 آب 1989. في العلن، كانت الدبلوماسية الفرنسية تؤكد على الطابع الإنساني لهذا التحرك، لحماية رعاياها، وإغاثة اللبنانيين وإسعاف الجرحى في كل المناطق التي يستهدفها القصف، أي في شرق بيروت وغربها.

ما يكشفه السفير جيرار أرُو
هنا، تأتي المعطيات التي يكشفها السفير جيرار أرُو، في كتابه، لتؤكد بأن الفرنسيين أرادوا فعلاً حصول تدخل دولي، غربي، أو فرنسي-أميركي (؟)، للحؤول دون اختلال ميزان القوى لصالح الجيش السوري في تلك المعركة. فهو يروي عن عمله في سفارة فرنسا في الولايات المتحدة، قائلاً: "طوال عامي 1988 و1989، تلقيت تعليمات من باريس للحصول على دعم أميركي لتدخل دولي يسمح بعقد الانتخابات الرئاسية بمنأى عن الضغط السوري". ثم يضيف في مكان آخر: "خطواتي المتكررة اصطدمت(...) بحالة من اللامبالاة المهذبة (من جانب الأميركيين)". ويتابع: "ريتشارد هاس، مدير شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي (الأميركي)، كان يعبّر بسخط حين يلتقي بي في أحد الأروقة (قائلاً): «لا، جيرار، لن نتدخل في لبنان »". وبينما لم تكن معركة سوق الغرب قد حُسِمت بعد، يكشف السفير، جيرار أرُو، عن زيارة سرية لمدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في وزارة الخارجية الفرنسية، ألان دوجاميه، في أيلول 1989 إلى واشنطن، حيث "اعتقد، مدعوماً من السفير البابوي (هناك)، بأنه أقنع نظيره الأميركي بالعدول عن ذلك التحفظ" بشأن التدخل العسكري الغربي في لبنان. لكن مذكرات جيرار أرُو تظهر أن الأميركيين عادوا وأبلغوه تراجعهم عن الاتفاق مع  دوجاميه، مفضلين حلاً سورياً للأزمة اللبنانية.

يمكن الاستنتاج إذاً بأن الأميركيين أجهضوا مسعى فرنسا الدائم للتدخل العسكري آنذاك. مع أنهم لم يستبعدوا بالمطلق خيار كهذا، حسب ما تظهره رواية السفير اللبناني الأسبق في واشنطن، عبدالله بو حبيب (وزير الخارجية الحالي) في كتابه: "الضوء الأصفر. السياسة الأميركية تجاه لبنان" (2006). فهو ينقل عن المسؤولين الأميركيين، في إحدى برقياته، قولهم إن "هدف التحرك الفرنسي هو معنوي (...) ولن يكون هناك تدخل عسكري، إلا ربما إذا هُددت المنطقة الشرقية باجتياح".

تحقيق هدفين
هذا الاجتياح لم يحصل في نهاية صيف 1989، بل في خريف 1991. لكن التعبئة العسكرية الرمزية للقوات الفرنسية قبالة الشواطئ اللبنانية في ذلك الصيف المشتعل، ساهمت بالضغط على سوريا. كان الأمر يتعلق باستعراض قوة، ضمني، ذات تأثير معنوي. إذ ساعد على تحقيق هدفين أساسيين، ولو خجولين: أولاً، تجنب الحسم العسكري عام 1989، وهو ما تُرْجِم بتراجع سوري نسبي ونجاح جيش عون في صد الجيش السوري في سوق الغرب؛ ثانياً، ممارسة ضغط دبلوماسي أثناء المفاوضات، التي كانت ترعاها جامعة الدول العربية، من أجل التوصل إلى حل سياسي غير خاضع بالكامل لشروط حافظ الأسد. وقد نص اتفاق الطائف، الذي أقر في تشرين الأول 1989، على إعادة انتشار القوات السورية بعد مرور سنتين على انطلاق العملية السياسية السلمية. وهو البند الذي ثبّت حق لبنان في استعادة سيادته واستقلاله في المحصلة.

فرصة أخيرة ضائعة
فَشَلُ المحاولة الفرنسية للتدخل العسكري الغربي، صيف 1989، في لبنان، شكّل الفرصة الأخيرة الضائعة، بالنسبة لمعسكر عون، قبل 13 تشرين الأول 1990. ففي تلك السنة، كانت الصفقة قد نضجت بين واشنطن ودمشق، خصوصاً بعد اجتياح العراق للكويت في آب 1990، وحصول الأميركيين على تأييد الأسد للحرب ضد الجيش العراقي، مقابل غض نظرهم عن حل سوري نهائي لـ"تمرد عون". وهو حل انتهى بحسم عسكري، لم تكن فرنسا قادرة على تجنبه بأي شكل من الأشكال، في سياق ما بعد اجتياح الكويت. لم يكن بوسعها سوى تقديم الحماية الجسدية لميشال عون عبر استضافته داخل سفارتها في بيروت، لفترة سنة تقريباً، ثم عبر استقباله في منفاه الفرنسي، حتى عام 2005.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها