السبت 2021/10/02

آخر تحديث: 14:28 (بيروت)

بيروت ودبي.. و"موت" مدن المشرق

السبت 2021/10/02
بيروت ودبي.. و"موت" مدن المشرق
ذهبت جهود أكثر من مئة عام في بناء الدول هباء ودماراً (Getty)
increase حجم الخط decrease

لا يمكن تجنب الانبهار بدبي في لحظة احتفالاتها بـ"إكسبو 2020". وبالتأكيد، سننبهر العام المقبل بالدوحة في "مونديال قطر 2022". وقريباً أيضاً ستذهلنا المدن الجديدة التي تبنيها السعودية وما ستنقلب إليه مدن كجدة والرياض. والناظر إلى كل هذا لا يغفل أيضاً النهضة العمرانية ومشاريعها الكبيرة في مصر، وقبل ذلك التوسع والتحديث الذي أصاب مدناً كعمّان أو مسقط أو الكويت..

إزاء كل ذلك الإعجاب والاعتراف بقوة تلك الإنجازات الكبرى، يأتي التحسّر على مدن "تاريخية" وعظيمة، وقد انحطّت إلى حد الموت والخراب والاندثار. حلب وبغداد وبيروت ودمشق. عواصم المشرق والنهضة العربية، المنارات الكبرى للمدنية، وقد استحالت أمكنة بائسة متحللة.

أيضاً، صنعاء العريقة وعدن التي كانت أحد أجمل الموانئ الكوزموبوليتية، الموصل والبصرة، طرابلس الشام.. كلها مدن انتهت مصائرها إلى الانطفاء والخواء، يعصف فيها العنف والاحتراب والهجران.

بالطبع، ازدهار مدن شبه الجزيرة العربية لم يكن مشروطاً إطلاقاً بانحطاط مدن المشرق، لا بل لكان تضاعف أكثر لو أن بيروت وحلب والموصل ودمشق وبغداد في حال أفضل. فهذا ما نعلمه من التجارب الأسيوية والأوروبية والأميركية اللاتينية.

ما الذي حدث في أقل من ربع قرن، حتى كان هذا الانقلاب المدوّخ، عمراناً واجتماعاً واقتصاداً وسياسة؟ وكيف ذهبت جهود أكثر من مئة عام في بناء الدول هباء ودماراً؟

قبل أكثر من ثلاثين عاماً، كان متوقعاً أن تخسر القاهرة وبيروت وبغداد ودمشق مركزيتها الحصرية، في الثقافة والفنون والعمران، وكمثالات مدينية كبرى تحوز على مؤسسات التعليم والصحة والترفيه والخدمات، والمصارف والإعلام والنشر، والتقدم التكنولوجي، والحياة النوعية.. وكان واضحاً أن تلك "المركزية" قد استنفدت، وبات لزاماً مع نضوج الكيانات السياسية والانفتاح المباشر على العالم وتحصيل الثروات وتراكم المشاريع التنموية أن تجد المدن الجديدة طريقها إلى النمو وإلى الازدهار. وتزامن ذلك، خصوصاً في المشرق العربي، مع سلسلة الحروب الأهلية والخارجية وتفاقم الديكتاتورية إلى مستويات فائقة من الطغيان والقسوة والتدمير الذاتي.. وصولاً إلى العنف العبثي واللانهائي الذي جسدته جحافل الميليشيات الطائفية و"داعش" وأشباهه.

وقبل ثلاثين عاماً، في لحظة "الوهم الكبير" بنهاية الحروب اللبنانية والملبننة، أتى ذاك المشروع الطموح بـ"إعادة الإعمار والبناء" في بيروت. ومعه كان السجال الهذياني: أي بيروت نريد؟ كان هناك جانب بالغ الأهمية في السجال حول الهوية العمرانية والإنسانية لخطط الإعمار، وحول الدور والوظيفة والمميزات التاريخية والمستقبلية للعاصمة. وكان على أي حال، مفيداً جداً في تغيير "الماكيت" مرات عدة.

لكن الجانب الأهم والأخطر لهذا السجال، كان حول "الأيديولوجيا" التي ستحكم بيروت. وبلغة تلك الحقبة، كان السؤال هل تكون بيروت هونغ كونغ أم هانوي؟ أي مدينة الرأسمالية والتجارة والسياحة والخدمات والعولمة الغربية، أم مدينة القاعدة الخلفية لـ"حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد"؟

حدثت تسوية مخاتلة بين الاقتراحين: عمران واقتصاد هونغ كونغ، وسياسة وأيديولوجية هانوي. مساكنة كاذبة ومخادعة قائمة على "الرشوة" المتبادلة والتآمر الدائم.

انتهت المساكنة في شباط 2005، في لحظة خروج مشروع الممانعة الكبير لتغيير المشرق العربي وشبه الجزيرة العربية، إلى حيز التنفيذ. وبدأ تدمير نموذج هونغ كونغ ليحل محله نموذج هانوي. وحصل كل ذلك مع بدء "تألق" نموذج دبي.

هذا يفسّر اليوم ما يصيب اللبنانيين (وربما السوريين والعراقيين واليمنيين) وهم يعقدون بحسرة وألم وغضب المقارنة المحزنة بين مشاهد دبي المشعشعة ومشهد بيروت المعتم عتمة ستكون مديدة وربما "نهائية".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها