الإثنين 2021/10/18

آخر تحديث: 14:05 (بيروت)

بيان شخصي: ضدّ العبث الجمعي بمصائرنا الفردية

الإثنين 2021/10/18
بيان شخصي: ضدّ العبث الجمعي بمصائرنا الفردية
التسلّط مدان، بكافة أشكاله (Getty)
increase حجم الخط decrease

ما تقدم عليه المجموعات الأهلية، لا يخصّها وحدها. الناطق باسم العصبية المذهبية، يشدّ شعبوية جماعته، وفي الوقت ذاته يشدّ الخناق على من هم خارج هذه الجماعة. مغامرة المذهبي يدفع ثمنها جمهور المغامرة مختاراً، ويتكبد الخسارة من جرّائها، من يقف خارج صفوف الجمهور. ذلك، ولأن ديوان الحماسة الأهلية، يعجّ بسقط السياسة، وبضحل البلاغة، وبإسفاف المقاربة، ولأن سياسات الحماسة، تضجّ بقرع الشعارية، وبصليل التهديد، وبزعيق الإقصاء، وبتهافت الإيديولوجيا.. لكل ذلك، نرى أن كتبة الدواوين المذهبية مسؤولون مسؤولية فردية، وجمعية، عن نتائج أفعالهم، التي تدور في حيِّز مكاني محدّد، وفي وقت زمني معيّن، وبين حيوات أفراد لا يقولون قولهم، ويستنكرون فعلهم، ولا يشاركونهم المقاصد، ولا الأهداف. وعليه، وانطلاقاً من آخر جولة عبثية شهدتها العاصمة بيروت لا مناص من الإدلاء بالآتي:

عن المسؤوليات:
أولاً، الشيعية السياسية: لا تتحدد المسؤولية كفعل فجائي بل تتحدد كفعل تراكمي. لذلك، فإن لحظة انفجار الموقف، ليست أكثر من الشرارة التي تلهب الحقل الذي جفّفته رياح السموم السياسية. في الموقف المباشر ممّا جرى مؤخراً، تتحمل "الشيعية السياسية" بقيادة حزب الله وحركة أمل القسط الأكبر من الحفر في المسار المعاكس للاستقرار اللبناني، ومن مراكمة أسباب تعثّره. عودة سريعة إلى ما بعد تاريخ تحرير الأرض اللبنانية، سنة 2000، تقدّم أكثر من دليل سياسي شاهد على معاكسة "الشيعية" لمجمل انتظام اليوميات اللبنانية.

ثانياً: المارونية السياسية: تخلَّت المارونية السياسية عن مسؤوليتها الكيانية باكراً، فكانت المبادرة إلى كسر محاولة الإصلاح الداخلي، التي قادها كمال جنبلاط. لقد أدّى ذلك الكسر، إلى الاحتكام إلى السلاح، وإلى استدراج التدخل الخارجي، من قبل العدو، ومن جانب الشقيق، ومن أطراف اللعبة الدولية.

هذه "اللاكيانية" لدى "المارونية"، لم تسترح في التاريخ، ولم تخضع لمراجعة "كيانية" جديدة، بل انبعثت في صيغة انشقاق سلطوي طرفاه إثنان: التيار العوني، الذي تقلّب بين الانقلابية والشعبوية، ثم انتهى في حلف أقليّات، لا قاعدة لبنانية له، ولا أفق عربياً، مفتوح أمامه، ولا رعاية دولية تأخذ بشيء مما يدّعيه.

أما القوات اللبنانية، فما زالت على التماس، وما زال "بشير حيّ" فيها، وما زالت المقاومة اللبنانية لصيقة بعين الرمّانة وبالأشرفية وبمدينة زحلة.

هذا الأداء، يغلب عليه الالتحاق الكامل للتيار العوني بحلفائه الجدد، في محور "الممانعة"، والرفض الكامل من جانب القوات اللبنانية، والتحاقها بمحور عربي ودولي آخر، تحت عنوان السيادة والاستقلال. خلاصة الأداء، من قبل الطرفين، الابتعاد عن واقع ووقائع البنية اللبنانية وإدارة الظهر السياسي، لما هو ممكن سياسياً، ولما هو واجب وطنياً، ولما هو من أصل المسار السياسي العقلاني، الذي قد يقيّض له الفوز باستعادة الاستقرار اللازم للسيرة اللبنانية ولمصائر أهلها.

عن الممنوعات:
من واقع المسؤولية الفردية، وفي حدود استطاعتها، نسجل:

- رفض ركوب مركب التسلّط على "الجمْعيّة" اللبنانية، من قبل أي "فرديّة" مذهبية. هذا التسلّط مدان، بكافة أشكاله، الكلامية، والتفسيرية، والعملية، الهادئة والعنفية. وعليه، وبالملموس: التدخل في شؤون القضاء، وكيل الاتهامات له، أسلوبان ترهيبيّان، ويشكلان مجتمعين، دعوة إلى مصادرة السلطة القضائية، والتحكّم بآليات عملها، مما يمهّد لإلحاقها، ولاستخدامها كأداة منحازة، في معركة التنابذ بين المذهبيات الأهلية.

- تأسيساً على ما تقدّم، كل دعوة إلى العنف مدانة، وكل استخدام لكل الوسائل العنفية مدان أيضاً. لقد باتت السياسات مكشوفة في الميدان. لذلك، فإن القدرة على تمويه القصد تضاءلت، وإمكانية إقناع الآخر، اضمحلّت تقريباً. طول الشرح، والإسهاب في التفسير، يُنظر إليهما كقنابل دخانية، تؤذي الأعين، ولا تفيد الأفهام. ولذلك، آن أوان القول للشارح المذهبي، وللقائد الأهلي: لعبة التذاكي بلغت منتهاها، وأسبابك خاصة بك، ولا علاقة لها بأسبابنا، وما تراه أنت، لا نراه نحن. لذا، إمّا أن تسعى في سبيل أن نكون "نحن وأنت"، وإمّا أن تظلّ وحيداً، حتى ذات لحظة قد تضيع معها "أناك".

ختام بمثابة مقدّمة:
1- لم يسقط ذكر السنّية السياسية سهواً، بل إن حدث الفتنة الأخير أقصاها من تلقاء ذاته.

2- قد تتحقق الغلبة الداخلية "الشيعية"، لكنها تبقى مؤقتة.

3- هناك فرق واضح بين الانتصار على الوضع اللبناني، وبين القدرة على فرض السكينة عليه. تلك هي حال لبنان مع الاحتلال الصهيوني. وحال أفغانستان والعراق مع الولايات المتحدة الأميركية، وحال اليمن مع مصر عبد الناصر سابقاً، ومع السعودية لاحقاً.. تكفي القوة لتدمير خطوط الخصم، لكنها غير مؤهلة لكسر إرادته. هذا درس يجب أن ينتبه إليه جيداً، محور الممانعة، ومحور "الحضارة" الموغل في "أحافير" السنين.

4- الوضع اللبناني لن يُنتج قريباً منظومة سياسية بديلة، لذلك فإن على الساعين إلى "التغيير" أن يتواضعوا كثيراً، وسيكون فوزاً مرموقاً لهم، أن ينجحوا في الضغط من أجل استمرار استقرار لبنان، الاستقرار شرط شروط العملية التغييرية.

5- الكلام السياسي البائد، عن اليمين وعن اليسار، قاصر عن الإحاطة بجديد الأيام، وبتطورات تجددها. التعلّم يكون بالملموس، وفي ضوء النهار، أي خارج كل الأرشيف الذي لم تثبت صحته الحياة.

6- ننحاز اجتماعياً وسياسياً إلى كل طرح تغييري يخالف السائد، مخالفة فاهمة، عقلانية وموضوعية، نظرية وعملية، هذا الذي ما زال غائباً حتى الآن، ونقف ضد كل ممارسات النظام الطائفي، ككتلة ونندِّد به كنظام توليفة مذهبيات، ولا ندَّخر جهداً في رفع الصوت ضد القمع المدمج، الذي تُستَحضَر فيه الماورائيات والماديات، ويكون دائماً مطيّة، لتوليفة مقصودة من قبل مذهبيات الفرقة، والجهل والنزاعات.

وحتى حين: سنكرّر القول دائماً، هذا كي لا يُسدِل علينا الخطاب الطائفي، والفعل المذهبي، ستارة النفي، وغبار النسيان.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها