الثلاثاء 2021/01/26

آخر تحديث: 15:35 (بيروت)

عون.. مشكلة حسن نصرالله

الثلاثاء 2021/01/26
عون.. مشكلة حسن نصرالله
من يريد استلام مقاليد الحكم والسيطرة، عليه إفشال "المؤامرات" لا شكوى منها (عزيز طاهر)
increase حجم الخط decrease

بين أعوام 2012 و2016، كان القرار الدائم والنهائي غير القابل للنقاش عند حسن نصرالله: إما ميشال عون رئيساً للجمهورية أو لا أحد.
التمنّع لسنتين ونصف السنة عن انتخاب عون لم يكن سوى مضيعة للوقت. أيقن الجميع بعدها أن قرار الجمهورية بيد "الأمين العام" وحده. انزاحت السلطة من مجلس النواب والحكومة وسائر المؤسسات الدستورية إلى مركز جديد: مكتب حسن نصرالله.

هكذا، ارتسم نظام لبناني هجين وغريب، قوامه وجود سلطتين: سلطة رسمية تتولاها العائلة العونية، وسلطة فعلية يتولاها جهاز حزب الله. الآخرون، إما أن يقبلوا الانضواء في هذا النظام أو يخرجوا نهائياً من الحياة العامة ويخسروا مصالحهم ونفوذهم و"زعاماتهم". وبالطبع، هؤلاء كان خيارهم الرضوخ، الذي سيكافئهم حزب الله عليه بتشجيعهم على المجال الوحيد الذي بقي لهم في "السياسة": المكاسب المادية من المشاركة في استباحة الدولة. تلك الاستباحة ستصير منذ تلك اللحظة شاملة وبالغة الشراهة.

أراد نصرالله أن يكون ميشال عون رئيساً، لأن الأخير وحده من قبل منح "الجمهورية" للحزب مقابل فقط العودة الثأرية إلى بعبدا. الجمهورية بأسرها مقابل منصب رئاسة الجمهورية. إنها الصفقة الأربح التي لم يكن يتخيلها أحد من قبل. وما كان حزب الله ليحلم بها. ولم يكن إلا ميشال عون من يستطيع إتمامها. فالتفويض "المسيحي" الذي حازه لا يضاهيه فيه أي زعيم مسيحي سابق إلا بشير الجمّيل.

لننحي أي اعتراض على كل هذا المسار، ولنفترض، والحال هذه، أن لا ضير في أن يمسك حزب المقاومة بزمام السلطة الواقعية والعملية، وأن يتولى "المسيحي القوي" إدارة هيكل الدولة الرسمية، في شراكة يمكن وصفها أنها تحوز على "شرعية" طائفية.. وانتخابية (راجعوا إيمانويل ماكرون).

وعلى هذا الافتراض، لا ضير أيضاً أن يصير لبنان من مسؤولية حسن نصرالله وميشال عون، بوصفهما سيّدي الجمهورية القويين. سيّد المقاومة وسيد الإصلاح والتغيير. هذا بالنسبة لطالبي "الخلاص"، جمهورهما الوفيّ، حلمهم المشترك والمبتدئ منذ عام 2006. وهو توق قديم لمن ينتظر مجيء الذي سيملأ الأرض عدلاً.

بدل الخلاص المنشود، ومنذ العام 2016 وحتى اليوم، أي طوال فترة "العهد"، يمكن سرد ألف صفحة عن ما حلّ بلبنان. ويمكن أيضاً - منعاً للضجر- اختصارها بكلمتي الكارثة والانهيار. يمكن رد الأسباب إلى مؤامرات في الخارج وفي الداخل، وإلى حروب سرية تستهدف البلاد والمقاومة والإصلاح والتغيير والمسيحيين والشيعة والممانعة.. إلخ. لكن للأسف لا يمكن التهرب من "المسؤولية". بمعنى، أن من يريد استلام مقاليد الحكم والسيطرة، عليه إفشال "المؤامرات" لا شكوى منها وحسب.. وإلا فليتنحى جانباً.

بالتأكيد، هذا ليس وارداً لا في عرف حزب عقائدي يقارع الامبريالية والصهيونية، ولا في "تراث" ميشال عون العنيد والصلد.

اليوم، يعرف الجميع، وأولهم حزب الله، أن لبنان صار في الهاوية. وفي السياسة، بات من الواضح أن رئاسة الجمهورية وأداء "العائلة العونية" سببا ويسببا مشاكل هائلة، وتحولا إلى عبء كبير.. على عاتق حزب الله وحسن نصرالله. هذا إذا أحسنا الظن أن الحزب وأمينه العام يريدان عافية البلاد اقتصاداً وإدارة وسياسة وانتظاماً، وبالتالي لا يمكنهما القبول في الاستمرار على هذا المنوال البائس.

ليس تحاملاً ولا اتهاماً القول أن تجربة السلطة المنبثقة من "تفاهم مار مخايل"، المدعوم بفائض قوة حزب الله و"انتصاراته" هي تجربة قاسية وباهظة الثمن، وحطمت اللبنانيين (كرامة ومالاً معاً). وبكل المقاييس، عهد عون مشكلة كبيرة.  

هذه حقبة سيطرة حزب الله على الجمهورية. وفي هذه الحقبة تحديداً، لم يعد رئيس الجمهورية وصهره "مشكلة" لجعجع أو برّي أو فرنجية أو الحريري أو جنبلاط. هؤلاء مجرد خصوم عاجزين عن أي حلّ فعلي للأزمة المستعصية في النظام (وهم جزء من الأزمة أصلاً). الفريق الوحيد القادر على إحداث الفرق هو حسن نصرالله. ولذا، عون هو مشكلته وحده.

أكثر من ذلك، الذين سردنا أسماءهم جميعاً، بما صاروا إليه كعصبة مؤتلفة مختلفة تجسد "فشل النظام"، هم مشكلة حسن نصرالله نفسه، الذي حوّلهم إلى ما آلوا إليه، رموزاً مشوهة ومثلومة. خصوصاً بعدما محق لصالحهم وصالحه انتفاضةَ 17 تشرين 2019.

وبما أن حسن نصرالله، لم يبدِ أي استياء عملي وفعلي من مسلسل الفشل الذي اتسمت به إدارة البلاد، ولم يقدم على أي مبادرة حقيقية، يستخدم فيها قوته وسلطانه، وقدرته على الحسم المشهور بها والمشهود لها منذ العام 2005 على الأقل، يجوز الافتراض أن نصرالله راضٍ تمام الرضى عن ما بلغته البلاد والدولة من "استقرار" على خرابهما.

ولأن نصرالله يتمتع بحس عال بالمسؤولية وبموهبة قيادية كبيرة، ويتنكب شخصياً كل الهموم العامة، فعلى الأرجح، هو لا يرى الفشل ولا الخراب. وهذه هي مشكلتنا الأخيرة، لا مشكلة عون ولا سائر السياسيين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها