الخميس 2021/01/21

آخر تحديث: 15:11 (بيروت)

لماذا "نحبّ" أميركا؟

الخميس 2021/01/21
لماذا "نحبّ" أميركا؟
العالم يتفرج على أميركا (Getty)
increase حجم الخط decrease

جلس العالم يوم الأربعاء 20 كانون الثاني "يتفرّج" على الحفل السياسي والدستوري الأميركي. مناسبة لها مثيلها في الكثير من الدول التي تشهد عملية تداول السلطة دورياً، لكنها ليست بأهمية الحدث الأميركي وتأثيره.

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حازت الولايات المتحدة الأميركية على مكانتها العظيمة ليس فقط بانتصار الديموقراطية على الشر الفاشي والنازي، بل لأنها كانت القوة الموحية ثقافياً وسياسياً وأخلاقياً في إنهاء الامبراطوريات الاستعمارية، القطيعة مع العالم القديم. كان لسياستها المستمدة أصلاً من وصايا ويلسون (1919) أثر هائل في العالم، والقائمة على مبدأ "حق تقرير المصير" للشعوب: الحرية والاستقلال.

في حقبات متتالية، تحولت الولايات المتحدة نفسها إلى امبراطورية لا يبتعد سلوكها عن العقلية الاستعمارية. وفي أحيان كثيرة، "خانت" مبادئها وقوضت مساعي شعوب للحرية والاستقلال.

في العالم العربي، اقترفت أميركا خطايا كبرى لا فقط تجاه حقوق الشعب الفلسطيني، بل في اغتيال فرص لا تعد لشعوب ومجتمعات عربية آمنت بما تبشّر به أميركا بالذات: حقوق الإنسان، الديموقراطية، حق تقرير المصير، الرفاه والحرية..

قايضت الولايات المتحدة كل ذلك باسم "محاربة الشيوعية" في حقبة أولى، وبعدها باسم "الاستقرار والأمن" ثم تحت شعار "محاربة الإرهاب". وعلى هذا غضبنا من أميركا، على سياستها تحديداً، إنما أتى من طموحاتنا المبنية على "التبشير" الأميركي في تصور العالم المتمدن، وعلى القيم غير القابلة لأي مقايضة. ورغم أننا كنا نعرف أن هذه الولايات المتحدة ليست مثالية، وجروحها منذ حربها الأهلية ومسائلها المقلقة في العنصرية أو في اللاعدالة الاجتماعية والفساد السياسي والاقتصادي.. إلا أن جاذبيتها دوماً كانت تكمن هنا، أي بوصفها غير "مثالية"، مفضوحة بمسائلها تلك في ديناميكية السجال وحق الاعتراض والنقد والصراع المستمر، أكان في مجال المساواة العرقية أو الجندرية أو في العدالة الاقتصادية والاجتماعية أو في المسائل العالقة من أزمان العالم القديم: الهويات، استبداد الدولة، الهجرة..

مقابل عيوب أميركا وخطاياها، كانت الاقتراحات "المثالية" إن في النماذج الشيوعية الماوية واللينينية الستالينية أو النماذج الدينية الخمينية أو الطالبانية والداعشية أو الأنظمة الديكتاتورية والأبوية- البطريركية، أو الملكيات المطلقة، عدا النماذج الفاشية الأوروبية البائدة.. كلها اقتراحات لم تفشل وحسب وإنما اتصفت بعداوتها لـ"الوضع البشري"، وقسوتها المميتة للحياة، قاتلة للروح الإنسانية. إنها أنظمة تقوم على نزعة تدميرية للذات وللعالم. لم تنجح سوى بتعميم البؤس. إنها "خطأ" تعرّف نفسها "حقيقة مطلقة".

قوة المثال الأميركي، أن الشك أقوى من اليقين، الهشاشة والضعف موقران أكثر بكثير من صلابة "الحقيقة" الحاكمة. العقلانية والتعددية والنسبية من صلب معنى الديموقراطية. ولذا، هي على صورة الذات البشرية، وكينونتنا المتحولة والحائرة و"المستكشفة".

غضبنا من أميركا أنها في أحيان كثيرة تحول دون أن نكون "أميركيين"، إذا صح التعبير. تمنعنا أن ننال استقلالنا وحريتنا وأن نتمتع بالفرص ونزهو بفرديتنا الموفورة الكرامة.

إننا "نحب" أميركا حتى حين نخاصمها ونثور ونسخط عليها. ومن خروتشوف إلى الخميني وحتى بول بوت، كان العداء للامبريالية الأميركية هو ضمناً طموح حارق ومضنٍ للتفوق على النموذج الأميركي لا غيره، التضاد معه بادعاء "المثالية" واليوتوبيا الأخيرة وبرفض عنيف للطبيعة البشرية وبوعد الفردوس الأرضي..

أميركا ليست الفردوس ولن تكون.. إنها وحسب وريثة كل الجهود البشرية عبر التاريخ بحثاً عن حياة أقل ألماً. ليست وعداً دينياً ولن تكون.. إنها وحسب فكرة عن غد أفضل. ليست حتى مثالاً كاملاً ولن تكون.. إنها وحسب أقل كذباً. ليست خيراً مطلقاً ولن تكون.. إنها وحسب أقل شراً.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها