لا شك أن مذكرة الإحضار التي أصدرها المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار، في حق رئيس حكومة تصريف الاعمال، الدكتور في علم الحاسوب، ونائب رئيس الجامعة الأميركية، حسان دياب، خطوة شجاعة ومقدامة وقوية لم يسبقه عليها أي قاض في أي وقت وزمان. وهي ستبقى مدار إثارة وتشويق وتندر للبنانيين والعرب فترة طويلة، بل إنها ستدخل في موسوعة غينيس للأعمال الغرائبية والفريدة.
والحقيقة أن الدكتور حسان دياب، رئيس حكومتنا الرصين والأنيق، إذا أحكمنا علم المنطق، هو آخر من يمكن أن يتهم ويدعى عليه في هذا الموضوع. وهو آخر من يتحمل مسؤولية في هذه الجريمة النكراء والمهولة. والإقدام على الادعاء عليه وتسطير مذكرة جلب، ومن ثم إحضار بحقه، إنما تنال من مبدأ العدالة ومنطق الإنصاف قبل أي أمر آخر.
رئيس حكومتنا الذي يصرّف الأعمال، مسؤول عن ارتكابات أخرى، لكنه ليس مسؤولاً عن الجريمة النكراء في مرفأ بيروت. وهو مسؤول أولاً عن واقعة التقدم والترشح إلى منصب رئاسة الحكومة وهو ليس أهلاً لها. ومسؤول عن هذا التقاعس المخيف والممل الذي دخل فيه منذ أُجبر على الاستقالة. إذ انه لو مارس الحد الأدنى من المتابعة اليومية والعادية مع الوزراء لشؤون الدولة والبلاد، لتمكن من تخفيف الكثير من المشكلات المتفاقمة والآلام المتصاعدة جراء الإنفاق غير المتبصر للأموال التي كانت موجودة، على دعم أسعار بعض السلع المختارة، وتسييب الاقتصاد والأمن والسياسة.
إن واقعة إصدار مذكرة إحضار بحق حسان دياب، لا تشكّل ضربة للقضاء فقط، بل هي علامة فارقة في التاريخ المسرحي الهزلي للقضاء اللبناني. وهي وضعت مباشرة القاضي البيطار في إطار كبير وبارز، أطلقته في سباق الشهرة والخلود التي لن يلحقه بها أحد.
للوهلة الأولى، حين نستمع إلى مضمون قرار الجلب والإحضار، نخال أننا أمام أمر بإلقاء القبض على مجرم مدان، "مسبّع الكارات" في فنون القتل والسرقة ونصب الكمائن؟
لَهْ لَهْ يا حسان دياب.. مجرم أنت بنظر القاضي البيطار، وقعت بين يدي القانون الذي ينظر بعين واحدة، ولن تفلت من العقاب نتيجة الجرائم التي ارتكبتها، وآخرها أنك لم تعرف أن النترات المخزنة قبل وصولك إلى رئاسة الحكومة بسنين، هي ليست للاستخدام الزراعي بل لتفجير وقتل العاصمة وسكانها.
لقد وقعت يا دكتور دياب بين أيدي القانون، الذي لن يرحمك بعد اليوم ولن يترك لك مجالاً للتسلل من باب السراي الخلفي. بل ستوضع الأصفاد حول معصميك أيها المجرم المدان، وتُجَرجر إلى ثكنة الحلو بالقرب من منزلك، لأنك تستأهل هذه الآخرة نتيجة الإجرام الذي ارتكبته في إدخال النترات إلى المرفأ، ورحت تتخفى عليها ولم تخبر أحداً بمخاطرها، وتبيع منها وتشتري وتصنع القنابل، وأخفيت ما يمكن أن تُستخدم لأجله.
إن تصرف القاضي النزيه طارق البيطار تجاه الدكتور حسان دياب مضرّ بشكل أساسي في القضية التي يتولاها. وقد يكون هذا القرار قد أصاب صدقية التحقيق وصدقية القضية نفسها، لأنه أدخلها في باب التسييس والشبهات السياسية صاحبة الأغراض الخبيثة.
فالقاضي البيطار تجاهل أن فخامة رئيس الجمهورية أعلن بصوته ولسانه أنه كان يعلم، لكنه لم يحرك ساكناً تجاه الأمر، لأن صلاحياته لا تسمح له بهذا التحرك! حسبما قال. لكن صلاحياته تسمح له حين يريد إعطاء أوامر بالإنفاق من خارج قرارات مجلس الوزراء! ومن خارج الموازنة ومن دون تغطية مجلس النواب!
كان يجب من باب الإنصاف، ولو الشكلي، أن يكون مسار التحقيق والعدالة شاملاً لجميع المسؤولين، وليس للضعيف بينهم أو المستضعف، الذي لا تقف خلفه وأمامه ميليشيا مسلحة تقتل وتنهب وتغتال بحماية حرس قديم وجديد.
وخطوة القاضي بيطار لا يمكن عزلها عن السياق السياسي الذي أتت ضمنه، حين ترافقت وفي اليوم نفسه مع مذكرة جلب وإحضار أخرى من القاضية غادة عون بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
وفي إبعاد الخطوة عن التوقيت السياسي، يجب عدم الربط بينها وبين المساعي التي يقوم بها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، والتي يمكنها أن تنجح في تشكيل حكومة تعيد الانتظام إلى عمل المؤسسات، وتعيد لبنان إلى مصاف الدول الطبيعية.
خطوة أرادت أن توحي للرئيس المكلف أن زميلاً لك في المهنة قاب خطوات من السجن.
في المحصلة، يصح في حسان دياب في هذه الواقعة استذكار أبو العلاء المعري. إذ يُرْوَى أن أبا العلاء المعري الذي كان "نباتيّا" لا يأكل اللحم، مرض ذات مرة مرضاً شديداً، فوصف له الأطباء لحم الدجاج، فامتنع، فألحوا عليه حتى أظهر الرضا، فلما قُدِّمَ له لمسه بيده فجزع وقال: "استضعفوك.. فوصفوك".
وكما يقول المثل اللبناني "جحا مش شاطر إلا على خالتو" يا دكتور حسان.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها