الإثنين 2020/09/28

آخر تحديث: 19:35 (بيروت)

ماكرون ونظام اللصوص.. أيقطع "شعرة معاوية" مع حزب الله؟

الإثنين 2020/09/28
ماكرون ونظام اللصوص.. أيقطع "شعرة معاوية" مع حزب الله؟
أصدر ورقة نعوة الزعماء السياسيين التقليديين والعائلات السياسية المسيطرة على النظام (Getty)
increase حجم الخط decrease

لا بد من أن تدخل إدارة أزمة الفراغ الحكومي اللبناني وتأليف "حكومة مهمّة" برئاسة السفير مصطفى أديب، في معجم أكاديمي عن "إدارة الأزمات السياسية". لا مفرّ من ذلك، بما أن هذه الأزمة انفجرت في مرحلة بالغة الخطورة لبنانياً، وكان تجاوزها، أو احتواؤها، يتطلبان من صانعي القرار، قرارات استثنائية، جريئة، تاريخية، لم يتخذوها للأسف.

تكرار 2004
إدارة هذه الأزمة، كان يمكن أن تؤدي إلى انفراج للوضع اللبناني الكارثي. وفرص نجاح هذه الإدارة "الفرنسية ـ اللبنانية ـ الحزب إلهية" لهذه الأزمة كانت متوفرة، خصوصاً أن عنصر الاتصال (Communication) بين اللاعبين كان قائماً بقوة وبشفافية متبادلة، أي أن كل طرف يتواصل مباشرةً أو بطريقة غير مباشرة مع الطرف الآخر، لتبيان نوايا بعضهم البعض، من دون ألاعيب من تحت الطاولة، ومن دون غموض، وبشكل يخفف بنسبة كبيرة مستوى الريبة المتبادلة، وصولاً إلى اتخاذ القرارات العقلانية في المحصلة. أي تسهيل الانفراج، ولو المؤقت، تمهيداً ربما لحل نهائي للمسألة اللبنانية.

هذا ما لم يحصل في النتيجة. فالمعنيون اللبنانيون بالأزمة لم يتعظوا من دروس مستخلصة من تجارب تاريخية. فأفشلوا بوضوح مبادرة فرنسا ورئيسها إيمانويل ماكرون، بوصفها فرصة أخيرة لفرملة الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي، ولتدارك كارثة اجتماعية معيشية باتت وشيكة.

هناك طرف (الـ14 آذاريون) اعتقد أن الظروف باتت مشابهة لمرحلة ما بعد صيف 2004  والقرار 1559. وظنّ أن الشروط مؤاتية لفرض تراجع حزب الله والحد من هيمنته على الوضع اللبناني. أو ربما صمّم عمداً على إعطاء انطباع بأن هناك تشابهاً بين المرحلتين، ليقدم ذريعة للطرف الآخر (الـ8 آذاريين) لكي يرد هذا الأخير بموقف متصلّب ومتعنّت، وذلك من أجل نسف التسوية التي لا تلائم أي منهم، كـ"لصوص"، كمستفيدين من منظومة الفساد ونهب الدولة. لكن هذا الطرف الثاني بقيادة حزب الله لم يحسب جيداً عواقب إدارة الظهر للمبادرة الفرنسية. وكأنه لم يتّعظ من تجربة عامي 2003 و2004، حين أدار بشار الأسد ظهره للفرنسيين رافضاً استمرار التعاون معهم، ما لم يكونوا حاملين له عرضاً أميركياً بعد حرب العراق 2003. وراح يغازل الأميركيين آنذاك على حساب الفرنسيين في مشاريع استثمارية بمجال الطاقة في سوريا. فأغضب جاك شيراك، وكانت النتيجة أنْ موقف الفرنسيين بات أكثر تصلباً. هكذا، ازدادت أيضاً إمكانيات وفرص التعاون الفرنسي الأميركي بعد الخلاف الحاد بين الطرفين، بسبب اعتراض باريس على التدخل العسكري الأميركي في العراق لإطاحة نظام صدام حسين بالقوة. وهكذا، نجح التعاون الفرنسي الأميركي في تكثيف الضغط على النظام السوري وصولاً لإجباره على إخراج جيشه من لبنان بعد اغتيال رفيق الحريري عام 2005. أي فَعَلَ ما كان يجب عليه فِعْله وهم على طلاق معه، بدلاً من أن يحافظ على علاقات ندية وودية معهم. في المحصلة، لم يكسب الأسد حتى الآن سوى بقائه في الحكم، بينما خسر سوريا، خسارةً ذات أبعاد متعددة (...).

فرصة حزب الله الضائعة؟
كان من الأفضل لو اتعظ حزب الله من هذه التجربة بدلاً من التذرع بمكابرة سعد الحريري والتفافه على روحية المبادرة الفرنسية، كما أوحى ماكرون بنفسه في مؤتمره الصحافي مساء الأحد. للحزب حساباته الاستراتيجية طبعاً، ومعطياته الخاصة به. لكن سيسجل التاريخ أنه أضاع فرصة كان من شأنها أن تفرمل الانهيار، أو أن تخفف من سرعته على الأقل، لأسابيع أو لأشهر قليلة، بما فيه مصلحة مشتركة لجميع اللبنانيين.

كان بإمكان حزب الله التنازل، لأن "التنازلات هي امتياز الأقوياء"، وهو لاعب قوي على الساحة اللبنانية والإقليمية. وكان بإمكانه تسهيل التسوية ومسار تشكيل حكومة أديب، خصوصاً أنها تندرج في سياق سياسة فرنسا المتوازنة تجاه لبنان. فهذه الحكومة، رغم طابعها الظاهري المستقل عن الأحزاب، كان الفرنسيون يريدونها غير استفزازية لأحد، خصوصاً لحزب الله. وهذا كان واضحاً في تعاطيهم الإيجابي مع الحزب واعترافهم به بوصفه متحدثاً سياسياً ممثلاً لمكوّن لبناني ومنتخب ديمقراطياً. وفي الآن نفسه، كانوا يريدونها أقل استفزازيةً للأميركيين.

معادلة كهذه كانت ستتيح لهم كسب الوقت، وفرملة مؤقتة للانهيار اللبناني، بانتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية. لعل تكتيك كهذا كان سيتيح للبنان أن يلتقط أنفاسه إلى حد ما. وفي حال أثبت اللبنانيون، في رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان، والأحزاب التقليدية، أنهم جديون في تنفيذ الإصلاحات، كانت ستتمكن فرنسا بالتالي من مواجهة الإدارة الأميركية الجديدة، متسلحة بإنجاز الإصلاحات، وكان ذلك سيعزز موقعها في المفاوضات الدولية المتعلقة بتقديم المساعدات المالية للبنان بعد التزام لبنان بشرط الإصلاحات.

نبرة ماكرون
كانت الدبلوماسية الفرنسية متأهبة إذن، وبأعلى مستوياتها (الإليزيه والرئيس مباشرةً)، من أجل العمل بشكل طارئ، في توقيت استثنائي، فرضه تفجير مرفأ بيروت بعواقبه المختلفة، وفرضه أيضاً إيقاع الانهيار. لم يلتقط أحد في لبنان، من القوى السياسية المهيمنة، من ضمنها حزب الله، مؤشرات ومعنى هذا الحراك الفرنسي، فساهموا بتفويت فرصة لا تتكرر دوماً.

طبعاً، استشاط ماكرون غضباً، بسبب قلة مسؤولية الحكام والأحزاب والسياسيين تجاه الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي. لكن ماكرون لم يستسلم لرد فعل انفعالي. بل تصرف بدم بارد، مكتفياً بتحميل الجهات المعنية، خصوصاً الحريري وحزب الله وحركة أمل، مسؤولية إفشال عملية تأليف حكومة أديب. وكان واضحاً ماكرون في أنه لن يغير الآن عقيدته وتوجهاتها الدبلوماسية تجاه الملف اللبناني. وأعطى انطباعاً بأنه سيخفف اهتمامه المباشر بهذا الملف. لكنه لم يعط بعد أي مؤشر على أنه "سيوقف محركاته" نهائياً. بل أكد على استمرار المبادرة الفرنسية وعلى مثابرة باريس من أجل تحقيق أهداف هذه المبادرة.

الجديد في خطابه تمثّل في النبرة الحادة المرتفعة بوجه حزب الله. صحيح أن ماكرون حاول أن يكون متوازناً في نقده للحريري وللثنائي الشيعي معاّ. ونجح بمكان ما في ذلك. لكن تصعيده الكلامي ضد "وضعية/وضعيات" حزب الله المختلفة (مقاومة، مليشيا، حزب سياسي) تم وسيتم تأويله بوصفه شكلاً من التماهي الفرنسي ولو النسبي مع مواقف الأميركيين والسعوديين. وسيتم وضعه ربما في خانة إرضاء بعض الأصوات الداخلية في فرنسا.

طبعاً، تصعيد اللهجة الفرنسية قد لا يكون بنّاء. بيد أن ماكرون كان واضحاً أنه لا يريد قطع "شعرة معاوية" مع حزب الله. والأكثر وضوحاً في خطابه كان تحييده لإيران وعدم تحميلها مسؤولية عرقلة المبادرة الفرنسية. لكن إذا كانت المرونة الفرنسية لم تنفع حتى مع الحزب من أجل تليين موقفه بشأن تشكيل "حكومة مهمّة"، فهل ستؤدي النبرة العالية إلى أي نتيجة مأمولة؟

حكومة الـ(profiteurs)
على أي حال، وحده حزب الله مسؤول عن هذا التحول النسبي في الموقف الفرنسي. هو من دفع باريس إلى تبني هذه النبرة. وهي إذ تنبئ بشيء، فهو بمزيد من التشدد والتقارب الفرنسي مع واشنطن. مع ما يعنيه ذلك من احتمال حصول ضغوط أكبر على الحزب. ولكن أيضاً على الوضع اللبناني الذي لم يعد يحتمل.

سيكون للحزب تبريراته وأطروحاته وكلامه عن المخاطر الاستراتيجية المحدقة بسلاحه. وفرنسا لا تخفي تأييدها لمبدأ نزع سلاح حزب الله وإعادة بسط سلطة الدولة على كامل أرضها. لكنها تتمسك دوماً بحل هذه المسألة بواسطة الحوار. وكانت واضحة بأن هذه مسألة مؤجلة ولا تحتل الأولوية الآن، في ظل خطورة الانهيار المتسارع.

يبقى التطور الأساس في موقف فرنسا هو الكلام الحاد وغير المسبوق الذي وجهه ماكرون إلى سياسيي لبنان، معتبراً أنهم يفضلون تشكيل حكومة الـ(profiteurs)، وليس حكومة مهمّة لتطبيق الإصلاحات المطلوبة فرنسياً ودولياً. وكأنه في إدانته العميقة قد أصدر ورقة نعوة الزعماء السياسيين التقليديين والعائلات السياسية المسيطرة على النظام، بالتحالف مع شبكة رجال الأعمال والمصرفيين في لبنان. بمعنى آخر، هذا تخلٍ عن حلفاء أو خصوم سابقين باتوا مكشوفين على حقيقتهم بوصفهم (profiteurs) يديرون الدولة والحكم والشأن العام بالنصب والاحتيال وبطرق غير نزيهة وغير أخلاقية لمصلحة شبكة مصالحهم الخاصة، ويستقوون بحزب الله المسلح، الذي لم يتوان عن حماية هذا النظام بالقوة والقمع، حين تصدى لانتفاضة 17 تشرين الأول 2019.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها