لذا، أصبحت فرنسا محشورة بين طرفين - موقفين متناقضين، كل طرف منهما غير مستعد للتنازل للآخر. وحتى لو فكرت طهران بتقديم تنازل في لبنان، فلن تقدمه للفرنسيين، على الرغم من محاولات فرنسا استمالة إيران بالوقوف إلى جانبها في مواجهة العقوبات الأميركية.
وتكمن المفارقة أن باريس حاولت تقديم تنازل مباشر للإيرانيين بموافقتها على نيل حزب الله وحركة أمل وزارة المالية، بينما لم تقدم تنازلاً مباشراً للأميركيين، باعتبار أن مبادرتها ستكون جانباً متمماً للشروط الأميركية.
فرنسا في المتاهة اللبنانية
عندما عمل المسؤولون الفرنسيون على إقناع رؤساء الحكومة السابقين بالموافقة على نيل الحزب والحركة وزارة المال، جوبهوا بموقف متشدد وصلب يرفض التنازل عن مبدئهم. لأن ذلك سيؤدي إلى تكريس أعراف جديدة تضرب ما تبقى لدى السنّة من وجود سياسي أو تضرب ما تبقى من توازن. وقد أصبح المسيحيون أكثر المتأثرين بمثل هذه الأعراف، فأعلنوا صراحة رفضهم شروط حزب الله وحركة أمل.
وعندما خسر الفرنسيون شرطهم الأول، وهو مهلة الـ15 يوماً، بدأوا بمراكمة الخسائر، وأصبحوا غير قادرين على التأثير في المعادلة أو تغييرها. فلم يقنعوا الحريري بتغيير موقفه، ولا ميشال عون بإسقاط شروطه بالقفز فوق مبدأ الوزراء المستقلين. فعادوا وطلبوا من رؤساء الحكومة السابقين إعادة الاعتبار لموقع عون من خلال المشاركة بالاستشارات غير الملزمة التي أجراها. لكنهم لم ينجحوا بإقناع حزب الله بتقديم تنازل واحد.
ثم رضخت باريس لمبدأ تشاور مصطفى أديب مع القوى السياسية، مع ما يعنيه ذلك من تغيير في جوهر وفحوى المبادرة الفرنسية، إذ عادت القوى السياسية لتتدخل بالحصص وأسماء الوزراء.
تنصل عون وسهو أديب
ووسط هذه المعطيات، ما الذي تبقى من مصطفى أديب؟ ربما الرجل نفسه لا يعرف أنه تعرّض إلى عملية نهش من القوى السياسية كلها، فلم يعد قادراً لا على الإقدام ولا على الإحجام. وهو ينتظر ما يتقرر ليقرر.
لكن قول رئيس الجمهورية ميشال عون إن رئيس الحكومة المكلف لم يقدم تشكيلة وزارية كاملة، أو مقبولة، يمنح أديب الفرصة مجدداً لاستعادة المبادرة، فيشكل حكومته كما يريد وعلى الأساس الذي كلّف لأجله، ويذهب بتشكيلته إلى بعبدا ويسلّمها إلى رئيس الجمهورية، ليقع على عاتقه قبولها أو رفضها. وبهذا يستطيع أديب وضع عون أمام مسؤولياته التي أراد التهرب منها قائلاً إن لا علاقة له بالمشكلة، وصورها مشكلة سنية - شيعية.
لم يعد أمام أديب غير هذا الخيار: تقديم تشكيلة حكومية، فإما أن يقبلها القصر الجمهوري، وتحال إلى المجلس النيابي، أو يرفضها ويكون أديب أدى قسطه للعلى، فيغادر ليكون عبرة لأي رئيس حكومة يأتي من بعده.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها