الخميس 2020/09/17

آخر تحديث: 15:27 (بيروت)

ماذا لو أصابت كارثة المرفأ جماعةَ الولاء العصبيّ الحربيّ؟

الخميس 2020/09/17
ماذا لو أصابت كارثة المرفأ جماعةَ الولاء العصبيّ الحربيّ؟
..ولم يشهروا سيوف الانتقام والثأر والتهديد والوعيد (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease
أنست مآزق المبادرة الفرنسية وتأليف الحكومة اللبنانيين جريمةَ انفجار مرفأ بيروت، وكارثته التي أصابت عشرات الألوف منهم، في 4 آب المنصرم. وأنستهم أيضاً التحقيقات القضائية في الجريمة، موقنين أنها مزيفة، وغايتها ذرُّ الرماد في عيونهم، كغيرها من التحقيقات في الجرائم والكوارث التي حلت بهم، منذ انقيادهم إلى زعمائهم السياسيين وأمراء ميليشياتهم وعصبياتهم في احترابهم الأهلي.

لكن هذا النسيان له بواعثه وحيثياته الأخرى، الاجتماعية والثقافية والأخلاقية، المسكوت عنها والمتوارية في سائر الكلام المتداول والشائع عن الكارثة. وهي (أي تلك البواعث الخفية) تتجاوز مسألة التحقيقات القضائية التي لا يعوّل عليها أحد، إلا من باب السخرية والتندر، وتتفيه الجهاز القضائي اللبناني الخاوي والمقيد بولاءاته المزمنة لأولياء نعمته وأمره من طغمة الزعماء السياسيين.

وفي طليعة بواعث النسيان والسكوت أن من أصابتهم كارثة انفجار المرفأ في أحياء الجميزة ومار مخايل والمدور والصيفي والأشرفية ووسط بيروت، ليسوا من أهل العصبية والحرب والنكاية والثأر، شأن سواهم من أهل العصبيات والثارات في لبنان. 

بل هم في غالبيتهم مدينيون، ومن طلاب حياة عادية، حرة وآمنة، مثالها النموذج الاجتماعي الفردي، في الأعمال والمهن والسكن والإقامة والعلاقات والتدبير. وهم من أهل اجتماع عادي، غير عصبي، وليسوا رعايا تربطهم ولاءاتهم ارتباطاً عضوياً، مرصوصاً وحربياً، بعصبية وزعيم وقائد وولي أمر. ولا يعتبرون أن من حقهم المفروغ منه والمعطى لهم سلفاً، مطالبةَ سواهم، كالدولة والعالم، بإعالتهم ورعاية حياتهم وشؤونهم كلها، وإلا تكون الدولة والعالم والناس أجمعين يتآمرون عليهم ويظلمونهم، فيخرجون عليهم خروجاً حربياً مسعوراً، شاهرين عصبيتهم وسيوفهم للاقتصاص منهم.

ومن أصابتهم كارثة المرفأ هم على خلاف هذا كله: لملموا قتلاهم الضحايا، وشيّعوهم إلى مثواهم الأخير، بألم صامت تقريباً، وبلا صرخات التهديد والوعيد والثأر العصبي. وألوف الجرحى في تلك اللحظات الكابوسية، ذهب بعضهم بأنفسهم وسيراً على أقدامهم أو في سياراتهم الخاصة، فرادى أو مع ذويهم وجيرانهم وسط الردم والركام، إلى المستشفيات التي غصت بهم، فاتنقلوا من مستشفى إلى أخرى، وصولاً إلى مستشفيات في المناطق البعيدة من بيروت. ومن مات منهم في مستشفي متأثراً بجروحه، مات بصمت تقريباً. ومن تصدع أو انهار منزله لجأ بصمت أيضاً إلى مناطق أخرى لم يصبها زلزال بيروت. ومن أُغيث منهم لم يصرخ طالباً الإغاثة التي تلقاها بخجل صامت.

وهم في لحظة الكارثة التي حلت بهم وحتى الساعة تصرفوا ويتصرفون على مثال تصرفهم في حياتهم العادية. أي على مثال فردي أو شخصي عقلاني. فعضوا على رعبهم ومصابهم وآلامهم، ولم يشهروا سيوف الانتقام والثأر والتهديد والوعيد، ولم يصرخوا مطالبين بالإغاثة والإعالة.

لذا، لنتخيل ماذا كانوا فعلوا من حلت بهم كارثة بيروت في 4 آب الماضي، لو أنهم من جماعة أخرى مثالها الولاءات العصبية الحربية والثأرية؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها