الأحد 2020/08/09

آخر تحديث: 17:18 (بيروت)

الرئيس عون الذي سقط عن جدران المدينة

الأحد 2020/08/09
الرئيس عون الذي سقط عن جدران المدينة
سقط الرمز الأول للسلطة والمحور، بعد جريمة مباشرة دفع ثمنها عشرات آلاف اللبنانيين (Getty)
increase حجم الخط decrease
صور فخامة رئيس الجمهورية، ميشال عون، قلُعت من حيطانها. في الوزارات ومؤسسات عامة وخاصة، في السفارات والقنصليات، في الشوارع العامة وأينما تيسّر، مزّق المحتجّون صوره. طُرحت أرضاً، ديس عليها وأحرقت. سقط الرمز الأول للسلطة والمحور، بعد جريمة مباشرة دفع ثمنها عشرات آلاف اللبنانيين قتلاً وجرحاً وتدميراً. كسرت هالته الرئاسة بشكل لا رجوع عنه. الرئاسة الأولى والثالثة، مشاركتان مباشرةً بالجرم. لم يشعل الرئيسان فتيلاً ولا كبسا زرّ تفجير، إلا أنهما تسترّا على العبوة الموضّبة بالأطنان في مرفأ بيروت. عن سابق معرفة وإدراك، أجّلا عملية تفكيك قنبلة المرفأ لغايات دعائية وسياسية، ولقلّة مسؤولية قاتلة وغير مسبوقة، أنتجت جريمة العصر وكل العصور على المستوى المحلّي.

شريك في الجريمة
اعترف الرئيس عون، قبل أيام خلال دردشة مع الصحافيين المعتمدين في قصر بعبدا، إنه تبلّغ بوجود آلاف أطنان نيترات الأمونيوم في المرفأ. وبعد أكثر من أسبوعين على تبليغه، أو أكثر حتى، "هوپ"، طارت بيروت بمن وما فيها. سارع إلى الترفّع عن المسؤوليات وتلطّى خلف "التراتبية الإدارية" لتلبيس المسؤولين دونه الجريمة. هو قابع في القصر، يأكل ويشرب وينام. يترأس طاولة مجلس الوزراء واجتماعات قادة الأجهزة الأمنية، تصدر عنه القرارات المصيرية بشتّى أنواعها. لم يُصدِر قراراً بتفكيك قنبلة المرفأ ولا عزل محيطها ولا حتى تنبيه اللبنانيين إلى وجودها. هو شريك في الجريمة، شاء أو أبى، أكد أو نفى.

عنكبوت الرئاسة
استعان الرئيس بأنوريه دو بلزاك، للتأكيد على أنّ العدالة ستطبّق كاملة، من دون أي اعتبار لصغير أو كبير. "القانون متل خيوط العنكبوت، يخرقها الذباب الكبير ويعلق فيها الذباب الصغير". وموقع رئاسة الجمهورية، أكبر الذبابات اللبنانية حجماً من بين سائر المواقع. ستخترق خيوط العنكبوت، لا شك، إن لم تكن هي العنكبوت بعينه، تنصب شراكها وتدير عمليات القضاء على ضحايا من حشرات الإدارة والسلطة. والعنكبيات، فصيلة بحدّ ذاتها، لا تقرب الحشرات لا في البيولوجيا ولا أسلوب حياتها. تتكيّف مع البيئة، تبني شبكتها، تتكاثر. حتى أنّ العناكب تعمل على مبدأ الاستئصال الذاتي عند تعرّضها للخطر. تفصل أجزاء من جسمها عندما تصاب أو تعلق في فك قاتلها.

الاستئصال الذاتي
كما العناكب، قد يضطر رئيس الجمهورية وتياره إلى استئصال ذاتي. سيناريو مطروح على الطاولة يتمّ من خلاله تلبيس مدراء عامّين مسؤولية الإهمال والتفجير. يستأصل رِجلاً، ليستمرّ في الحياة. طرح متكرّر ومعتمَد أساساً في حيوات العصابات الفعلية والسياسية، ومن غرائزها. وبمعنى آخر "حرق ورقة" اضطرارياً للنجاة. دفع ثمن ضئيل مقارنة بالثمن الفعلي. لكن كيف النجاة من واقع متكامل يفيض بالقتل والذل والإخفاق والفشل؟ في عهد الرئيس ميشال عون، انهيار مالي وأزمة اقتصادية تصدّرت العالم. انتفاء عمل مؤسسات الدولة والخدمات العامة. مصادرة كاملة للقرار الخارجي والعسكري والأمني. بطش مُحكم في الشارع وملاحقات شبه عسكرية للمعارضين. جريمة قتل جماعية غير مسبوقة. في العهد أيضاً 3 حكومات راكمت فشلها، وفجّرت فشل تلك التي سبقتها.

السيناريو "الأبله"
عام 2005، إثر جريمة الاغتيال المروّع، أطلق محور 8 آذار -والرئيس عون منه، اليوم- خطاب دعا فيه إلى إعادة النظر في الاغتيال لناحية قراءة المستفيدين منه وضلوعهم فيه. قالوا حينها إنّ المستفيد من الاغتيال هو من حقّق مكاسب سياسية، أي قوى المعارضة حينها (14 آذار لاحقاً) وإسرائيل. أما ضحايا جريمة 14 شباط، فهم حزب الله والنظامان الأمنيان في لبنان وسوريا. وتكرّر السيناريو نفسه مع جملة الاغتيالات التي وقعت في بيروت بين عامي 2005 و2006، حيث قال المحور نفسه إنّ هذه الجرائم تساهم في شدّ عصب تحالف 14 آذار وتساعدها انتخابياً وشعبياً.

بلاهة وتوظيف
عام 2020، إن اعتمدنا المنطق "الأبله" نفسه، المستفيد من 4 آب هو السلطة اللبنانية القائمة. والرئيس عون، وبما لا يقبل الشكّ، اعترف بتوظيف الجريمة في المصلحة السياسية. قال إنّ "الحصار الدولي على لبنان انتهى بفعل الانفجار". لم يعد هذا سيناريو "أبلهَ"، بل واقعاً، ضروري التوقّف عنده، لجهة "كسر الحصار" والحصول على "المساعدات" وربما خطط أخرى تعيد إحياء السوق اللبناني من باب إعادة الإعمار وربما استملاك الأراضي. سيناريو شيطاني، قد يكون غير واقعي، إلا أنّ السلطة الحالية تحاول توظيف المجزرة بشتّى الوسائل. وترجم هذا الأمر اليوم في كلمة الرئيس خلال لقاء الدول المانحة، بإشارته إلى أنّ "بيروتنا ستنهض كما كل مرّة، نعم ستنهض بمساعدتكم وبعزيمة أهلها وكل اللبنانيين".

لحسن الحظ أن الدول الداعمة ليست بلهاء. وقرارها واضح في أنّ المساعدات موجّهة إلى الشعب اللبناني. وأنه سيتمّ تسليمها عبر قنوات غير حكومية لضمان وصولها إلى الناس وعدم تشتيتها في مسارب الفساد والمحاصصة. هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فإنّ قرار اللبنانيين واضح أيضاً لجهة تعليق مشانق رموز السلطة الشرعية وغير الشرعية في ساحات بيروت. في هذه الساحات وخارجها، ثمة جمهور ضخم، بالملايين، تحرّر كلياً من الشبكات العنكبوتية. دفع دماً قبل أيام، ودفع دماً أمس، وسيدفع دماً غداً من أجل العدالة. لكنّه دم من أجل الحرية أيضاً.
"قيل إنّ العدالة ضرورية أولاً، أما في ما يخص الحرية فيُنظر فيها لاحقاً، كما لو أنّه بإمكان العبيد الأمل بالحصول على العدالة"، ألبير كامو.
في كسر رمزية عون وسائر رموز منظومة القتل، مقدمة للحرية والعدالة أيضاً. وقع عون عن جدران المدينة وكل البلاد. عليه الرحيل، مع المنظومة المجتمعة، الآن، وقبل سفك المزيد من دماء اللبنانيين. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها