الخميس 2020/08/20

آخر تحديث: 00:02 (بيروت)

"فورين بوليسي": لبنان أفضل بلا حكومة يحتقرها الغرب

الخميس 2020/08/20
"فورين بوليسي": لبنان أفضل بلا حكومة يحتقرها الغرب
واحدة من الأفكار المطروحة: مصادرة أصول السياسيين اللبنانيين في الخارج (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease

أصبحت ثقة اللبنانيين بالسلطة التي تحكمهم معدومة. فلم يعودوا منذ زمنٍ بعيد يصدقون شيئاً مما تقول هذه الطبقة المهترأة وتفعل. لقد فقد الناس ببساطة ثقتهم بدولة انفصلت عنهم، وشبعوا من الخطابات الشاعرية التي لا تنتج إلا الكوارث، وما عادوا حتى يكترثون لمضمونها. وحدها محاسبة من أوصل البلاد إلى الحضيض تشكل لهم بعض العزاء وتمنحهم الأمل بتقدم فكرة الدولة.

المبادرة للشعب
جاء تفجير مرفأ بيروت ليُسقط ورقة التوت الأخيرة عن الدولة الغائبة والفساد المستشري، حيث يستمر المواطنون المتضررون من انفجار بيروت بلملمة جراحهم ورفع الأضرار التي لحقت بمنازلهم وسط غياب تام لأجهزة الدولة المختصة التي حلّت محلها المبادرات الفردية لشبّان وشابات أتوا من مختلف المناطق.

هذا المشهد الصادم، جذب انتباه مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، عن بلدٍ يُقال أنه يعمل بشكلٍ أفضل في ظل غياب الحكومة. فبعد دقائق من وقوع الانفجار في بيروت بتاريخ 4 آب، ظهر مسعفو الصليب الأحمر في الشارع ومعهم حقائب الإسعافات الأولية، وقام متطوعون بإدارة حركة المرور. رافق ذلك تنقل شبان وشابات يحملون زجاجات مياه من بابٍ إلى باب ليسألوا عما إذا كان أي شخص بحاجة إلى المساعدة. وباختصار، يمكن القول أن ماضي لبنان المليء بالصراعات والحروب والانهيارات الاقتصادية والفساد المستشري، حفز المواطنين على التحرك عند مواجهة أي حالة طوارئ.

غياب الدولة
تقول المجلة الأميركية، أن التفجير لو قُيض له أن يقع في دولة أخرى، لكنا شاهدنا الجيش ومسؤولو إدارة الكوارث يهرعون إلى مكان الانفجار؛ وكان السياسيون سيصطفون لتقديم التعازي والدعم. وللمفارقة، كانت الدولة في لبنان غائبة بشكل واضح. وبدلاً من تعزيز حضورها، فرض الرئيس ميشال عون حالة الطوارئ ومنح الجيش سلطات واسعة للحد من حرية الحركة والعمل الصحافي.

تحوّلت المناطق المتضررة إلى خلية نحل تضمّ مئات الشباب والشابات حملوا معدّات الكنس لمساعدة الأهالي المتضررين لرفع الأنقاض في الأحياء المسيحية كالجميزة ومار مخايل وغيرها. وهناك تجلت صورة الوحدة الوطنية، عندها شاهدت المجلة مجموعتين من الكشافة، إحداهما من مدينة طرابلس الشمالية ذات الأغلبية السنية، ترتدي سترات كستنائية اللون، والأخرى من الجنوب الشيعي ترتدي سترات خضراء، منشغلةً في تمشيط المنازل المتضررة، بينما اكتفى ضباط الشرطة بحراسة مداخل تلك المناطق.

محاولات السلطة لسرقة المساعدات
إلا أن معدّات الكنس وزجاجات المياه والسندويشات ليست كافية لإعادة بناء المباني المتضررة والمدمرة، ولا لتوفير رعاية طبية متخصصة وإحياء الأعمال التجارية. إذ يحتاج العديد من المتضررين بشكلٍ عاجل إلى أطباء متخصصين وفحوصاتٍ وعملياتٍ جراحية ومواد لإعادة الإعمار.

من هنا، لا يعتقد معظم أولئك الذين يحتاجون حالياً إلى المساعدة أنهم سيحصلون على فلسٍ واحد إذا تم توجيهه من خلال الحكومة. وهذا ما أكد عليه المجتمع الدولي الذي أعلن إنه سيوجه مساعداته من خلال وكالات مستقلة. لكن بعض النشطاء يقولون إن الدولة اللبنانية تضع حواجز جديدة للالتفاف على مثل هذه المحاولات. وقد أطلع أحد عمال الإغاثة، المجلة الأميركية، على اتصال داخلي من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى شركائه المحليين في بيروت، يبلغهم فيه بعدم تقديم المستندات إلى بلدية بيروت وفقاً للإجراءات البيروقراطية التي طلبتها السلطات الحكومية.

لا ثقة بالدولة
استضاف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأسبوع الماضي، مؤتمراً افتراضياً للمانحين إلى جانب الأمم المتحدة، وحصد 300 مليون دولار كدفعة أولى من المساعدات لأولئك الذين تحملوا وطأة الانفجار. وقد أصّر ماكرون على ضرورة وصول المساعدات إلى المحتاجين وليس جيوب السياسيين الذين يعتبرهم اللبنانيون فاسدين. وقال "يجب أن نتصرف بسرعة وكفاءة حتى تذهب هذه المساعدة مباشرةً إلى المكان المناسب".

من جهتها، تعهدت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا، من بين دول أخرى، بتجاوز الدولة اللبنانية. وقدمت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية مجموعات طبية للطوارئ، تحتوي كل منها على "ما يكفي من الأدوية والإمدادات الطبية لدعم 60 ألف شخص"، أرسلتها مباشرةً إلى المستشفيات متجاهلةً وزارة الصحة. كما وعدت ألمانيا بتقديم مبلغ 20 مليون يورو (24 مليون دولار)، خُصص ربعها تقريباً للصليب الأحمر ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. وقد نشرت ألمانيا فريقاً من الوكالة الاتحادية للإغاثة الفنية لتقييم الأضرار التي لحقت بالمباني التي تستخدمها السفارة، وأضرار متحف سرسق، الذي تحول منذ افتتاحه الجديد عام 2015، بعد إعادة ترميمه وتوسعته، إلى تحفة معمارية في جماليته، هذا عدا مقتنياته الثمينة التي تعرضت هي أيضاً لأضرار بالغة.

تشعر منظمات الإغاثة الدولية التي تعمل تحت مظلة الأمم المتحدة، حسب المجلة، أن بإمكانها تلبية المتطلبات بشكل أفضل بالتنسيق مع مجموعات المساعدة المحلية الموثوقة بدلاً من المرور عبر الحكومة. وتلعب الجمعيات الخيرية الدينية والعلمانية بالفعل دوراً نشطاً في مساعدة اللاجئين والمجتمعات المحرومة على حد سواء. وفي هذا الإطار، يستخدم المجلس النرويجي للاجئين الأخشاب والأغطية البلاستيكية المكدسة لإغلاق النوافذ والأبواب المكسورة، ما يوفر الخصوصية لأولئك الذين ليس لديهم أي شبكات اجتماعية ولا مكان آخر يذهبون إليه.

وعن هذا الموضوع، قالت إلينا ديكوميتيس، مستشارة المجلس النرويجي للاجئين في لبنان، التي تقدم الدعم النفسي، والمأوى، ومستلزمات النظافة للعائلات، للمجلة الأميركية "تأمين المأوى للفئات الأكثر ضعفاً هو أولويتنا الآن. نعتزم أيضاً توفير الإيجار لمدة ثلاثة أشهر لـ 2500 أسرة، ثم بعد ذلك سنساعد أصحاب المنازل عبر تقديم مبالغ نقدية حتى يتمكنوا من إعادة بناء منازلهم اعتماداً على تقييم الضعف وتمويل المانحين المتاح".

معاناة الشركات
ولعل أبرز من سيعاني بعد الكارثة الأخيرة، هم أصحاب المؤسسات التجارية، إذ تأتي الشركات في أسفل قائمة أولويات معظم وكالات المعونة الدولية. فالعديد من الصروح المدمرة هي عبارة عن مؤسسات تجارية، كالمقاهي والمطاعم والحانات والمتاجر ومدارس اللغات والمعارض الفنية، كانت جزءاً مهماً من صناعة السياحة في لبنان، التي تُعد من بين أكبر مصادر الدخل في البلاد، ومصدر حاسم لتوظيف الشباب اللبنانيين والسوريين، إلى جانب العمال المهاجرين من بنغلاديش والفلبين. ما يعني تلقائياً أن معدلات الفقر ستنفجر في هذا البلد الصغير.

وبينما نشرت الشركات تفاصيل خسائرها على مواقعها الإلكترونية. قام الممثل النيوزلندي راسل كرو بتقديم تبرع مالي بغرض إصلاح مطعم "لو شيف Le Chef" الذي دُمر في انفجار بيروت، تخليداً لروح وذكرى الطاهي الأميركي الكبير أنطوني بورداين والذي سبق له وأن زار المطعم. مع ذلك، ما زال الكثير من الشركات تعول على مساهمات تعيد إليها ضخ شريان الحياة.

ابتزاز الغرب
وبخصوص المكر السياسي في لبنان، تكشف المجلة قلق الخبراء من أن تستغل أي حكومة لبنانية نقاط الضعف السياسية في أوروبا للمماطلة في الإصلاحات، وسط رهانها الخبيث في النهاية على جذب الأموال لتجنب نزوح جماعي آخر للاجئين باتجاه الغرب. لكن بينتي شيلر، رئيسة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة "هاينريش بول"، وهي مؤسسة ألمانية قانونية مستقلة، تقول إن الغرب لديه وسائله الخاصة للرد على مماطلة الطبقة السياسية. ووفق رؤيتها، بما أن العديد من الممتلكات الغربية تكبدت خسائر أيضاً في الانفجار الأخير، يمكن للمجتمع الدولي مصادرة أصول السياسيين اللبنانيين في الخارج.

 أضافت "إذا جمدنا أصولهم الشخصية، حتى يتضح من يتحمل مسؤولية الانفجار، ألا يمكنننا حينها أن نطلب أمراً من المحكمة بشأن كيفية استخدام هذه الأصول لإعادة بناء الدولة اللبنانية أو إعادة بناء بيروت؟".

وتعبر المجلة في نهاية تقريرها عن خوفها على مستقبل الأحياء المتضررة في بيروت، خصوصاً أنه في المرة الأخيرة التي كان لا بد فيها من إعادة بناء بيروت، بعد انتهاء الحرب الأهلية، استخدم رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري شركته الخاصة "سوليدير" لبناء ناطحات سحاب ومبانٍ مليئة بالشقق باهظة الثمن بقيت معظمها دون قاطنين. ويشعر اللبنانيون اليوم بالقلق من أنه إذا لم يحصل أصحاب المنازل والشركات على المساعدة في الوقت المناسب، سينتقل المطورون العقاريون للاستيلاء على الأراضي حول هذه الأحياء، ما يعني وضع يدهم ليس على جزء من بيروت وحسب، بل على جزء من البحر الأبيض المتوسط نفسه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها