الجمعة 2020/08/14

آخر تحديث: 17:34 (بيروت)

بيروت "انتحرت" لئلا تصرخ باسم قاتلها

الجمعة 2020/08/14
بيروت "انتحرت" لئلا تصرخ باسم قاتلها
ليست العصابة الحاكمة وحدها من قتل بيروت (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease
أفرغت بيروت بيوتها في الشوارع. عرّت أهلها من الجدران، رمتهم في الطرق، ودهست أجسادهم.
مدينة كأنها امرأة مجنونة فقدت عقلها من صداع فوضى سياراتها، واختنقت بروائح نفاياتها، وضاعت في ظلام الليل.  

كانت قد رفعت أبراج الإسمنت على شواطئها، وامتلأت بالإسمنت رئتيها، وفُخخت أرضها بمخازن الأسلحة، فنهشها الوباء، فقدت بريقها، وشمت بها الأشقاء.

ليست العصابة الحاكمة وحدها من قتل بيروت. هي التي أهدرت أموالها وثرواتها، وسرقت إمكاناتها، وتكفّلت بتحقيق أمنيات أعدائها بتدميرها. أبناؤها هم من قتلوها بانتخابهم آباءها وتصفيقهم لهم ودفاعهم عنهم. وهم مستغرقون في دفاعهم عن الطغمة المتحكمة برقابهم.

باعوا كرامتهم لزعمائهم الذين أرضوهم بالوظائف، وشاركوهم فسادهم، واستفادوا من سرقاتهم.
وهم من صفقوا وهللوا للسلاح غير الشرعي، الذي استباح الدولة ومؤسسات الحكم، وعطل القوانين، وشن معارك وحروب باسمها، وأفسد صداقاتها مع دول العالم.
وهم من دعموا ميشال عون وانتخبوه رئيساً. ساندوا اتفاق معراب، وهللوا لصفقة الحريري – باسيل. ناصروا حكومة دياب العاجزة، وشتموا انتفاضة 17 تشرين، واعتدوا على شبابها.

هم أبناؤها من القوى الأمنية الذين اعتقلوا وعذبوا وانتهكوا حقوق طلابها. وهم أبناؤها من التجار الذين يسممون أطباق مائداتها. أصحاب المصارف الذين قامروا بأموال ناسها. القضاة الذين لم يحكموا بالعدل، وباعوا العدالة لقاء مناصب واهية. والاعلاميون الذين ارتهنوا للزعماء وسوقوا لهم وضللوا الناس.

تعلم بيروت أن الجميع يتنصلون من المسؤولية. وأن الجميع سيخفي الحقيقة. حقيقة أن القتلة يسكنونها. يمشون في شوارعها ويعيشون في بيوتها.

بيروت انتحرت. الدمار الذي أحدثه انتحارها، هو الحقيقة التي لم تتمكن من قولها. انتحرت بيروت، كي لا تصرخ معلنةً اسم قاتلها بصوت بحجم انفجار مرفئها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها