الأربعاء 2020/08/12

آخر تحديث: 19:58 (بيروت)

التحقيق في تفجير بيروت بمتاهة السياسة: تقويض الحقيقة والعدالة

الأربعاء 2020/08/12
التحقيق في تفجير بيروت بمتاهة السياسة: تقويض الحقيقة والعدالة
من سيمنح العدالة للضحايا ولكل اللبنانيين؟ (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
بعد إحالة الملف انفجار مرفأ بيروت إلى المجلس العدلي، اجتمع مجلس القضاء الأعلى في قصر للعدل، لساعات للبحث في الاقتراح المقدم من وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال، ماري كلود نجم، لتعيين القاضي سامر يونس محققاً عدلياً، والذي يشغل منصب رئيس الغرفة الثامنة في محكمة الاستئناف في الشمال.

وبعد ساعات طويلة على هذا الاجتماع، لم يوافق المجلس على هذا الاقتراح. وطلب منها تسمية اسم آخر. لكنها أصرت على تسميته، وفق ما أكدت مصادر "المدن". وأضافت المصادر أن المجلس ما زال يرفض هذه التسمية، وسيجاوب وزيرة العدل خطياً بالمبررات. وقد يلجأ إلى استشارة وزير العدل بالوكالة، أي وزير الداخلية محمد فهمي لتسمية اسم بديل. 

لا تحقيق شفافاً 
وعلق مدير "المفكرة القانونية"، المحامي نزار صاغية قائلاً: "تأكد أن مجلس القضاء الأعلى رفض الاقتراح بتعيين سامر يونس. وهو أشرف القضاة وأكثرهم استقلالية. شكراً لنادي قضاة لبنان حين طالب المجلس بالاستقالة ضناً بحقوق الناس".

وأضاف: "كل ما يشاع حول أي ارتباط للقاضي سامر يونس مع أي طرف سياسي هو افتراء، يراد منه تشويه ما تبقى من قضاء مستقل في لبنان. أكرر: رفض مجلس القضاء الأعلى لتعيين يونس محققاً عدلياً هو تقويض لاحتمالات إجراء تحقيق شفاف ومستقل في قضية مجزرة المرفأ، وتضييع فرصة للحفاظ على سيادتنا القضائية".

وتابع: "المعضلة بين السيادة والعدالة قائمة اليوم كما كانت قائمة في 2005. أما تتصرف القوى السياسية بمسؤولية في اتجاه تعزيز استقلال القضاء والجهات المولجة التحقيق. وإلا سنخسر أيضا سيادتنا القضائية. السيادة القضائية كما المالية ليست موقفاً بل انجاز تحققه الدولة الناجحة وتخسره الدول الفاشلة".

واعتبر صاغية: "الأسوأ هو أن نصبح نتيجة التجاذب حول الأسماء أمام فراغ قضائي، في ظل عدم تعيين قاضي تحقيق عدلي، مما يولي النائب العام التمييزي بما يمثله من ارتباطات سياسية وعائلية امكانية التفرد في التحقيق. والأخطر يحول دون اصدار مذكرات توقيف بحق الموقوفين حاليا على ذمة التحقيق".

مطلب التحقيق الدولي 
من ناحيته اعتبر عضو "اللقاء الديموقراطي"، النائب وائل أبو فاعور، أن "هناك تدخلات من أعلى مواقع السلطة لأجل تعيين محقق عدلي مطواع، يدير التحقيق بما يرضي بعض المتورطين".

وأضاف أبو فاعور "صدقية مجلس القضاء الأعلى على المحك بعيداً، عن الاعتبارات الشخصية والسياسية، وحدها العدالة والقصاص العادل من كل المتورطين والمهملين أياً كانت مواقعهم ومسؤولياتهم وانتماءاتهم، منذ تخزين المتفجرات في المرفأ حتى اليوم المشؤوم، وحدها تنصف الشهداء والمفقودين والجرحى والمتضررين، وإن كانت لا تعوض خسارتهم".
وختم بالقول: "لا مسايرة لأحد ولا غطاء على أحد ولا تستر على أحد ولا بديل من التحقيق الدولي".

وفي سياق التحقيقات بقضية انفجار المرفأ، يبدأ المحامون العامون التمييزيون بعد غد الجمعة الاستماع إلى إفادة وزراء الأشغال والمالية والعدل الذين تعاقبوا منذ عام 2013 لتحديد مسؤوليتهم.

فشل وطني 
من ناحيتها أصدرت "المفكرة القانونية" بياناً، جاء فيه أن هناك "فشلاً دولياً ووطنياً في بناء المؤسسات القضائية والأمنية، فانعدام الثقة في المؤسسات القضائية والأمنية يعكس فشلاً وطنياً بل أيضا دولياً"، مشيرة الى "فشل الحكومة في اتخاذ التدابير اللازمة للتحقيق بمجزرة المرفأ، فالتدابير المتخذة تبقى قاصرة وغير متناسبة قط مع خطورة الجريمة للأسباب الآتية:

أ- إن إنشاء لجنة إدارية مكونة من وزراء ومن رؤساء أجهزة أمنية يشكل خروجاً سافراً عن مبدأ الفصل بين السلطات، فيما يفترض أن تكون السلطة التنفيذية برمتها موضع حساب.

ب- إن إحالة الجريمة الى المجلس العدلي يشكل لجوءاً جديداً لمحكمة تجري فيها المحاكمة وفق أصول استثنائية لا تراعي شروط المحاكمة العادلة وتناقض الدستور، لا سيما بسبب عدم إمكانية استئناف القرارات الصادرة عن المجلس أو عن المحقق العدلي. وهذا ما يفتح المجال واسعاً للتشكيك بأي حكم يصدر لاحقاً.

ت- أن التحقيقات القضائية في المجزرة تتولاها النيابات العامة الحالية من دون أن تعيد الحكومة النظر بأي من التعيينات فيها، ومن أبرزها مركز النائب العام التمييزي والذي يشغله القاضي غسان عويدات.

وجوب ضمان مرجعية قضائية مستقلة وشفافة:
إن أي خيار بشأن التحقيق والمحاكمة في هذه الجريمة، يجب أن يضمن المسلمات الآتية: ضمان حقوق الضحايا كافة وبخاصة الاطلاع على التحقيقات والمشاركة في المحاكمة، ضمان شروط المحاكمة العادلة، ضمان فعالية التحقيقات والخبرات الضرورية لإجرائها، توفر مبدأ القاضي الطبيعي بمعنى أن تكون المحكمة دائمة وعادية وليست خاصة أو منشأة خصيصا لغاية النظر في القضية، وضمان الأثر الاجتماعي والحقوقي والمؤسساتي لمعالجة هذه القضية، بحيث تؤدي هذه الجريمة ليس فقط إلى تحديد المسؤوليات، إنما أيضا إلى إطلاق ورشة حقيقية وجدية لتطوير نظامنا القضائي والأمني وتعزيز امكانيات السيادة القضائية مستقبلا.

الإجراءات المطلوبة:
في ما لا توفر المحاكم الوطنية هذه الضمانات حالياً، فإن إمكانية اللجوء إليها تفترض بالضرورة اتخاذ سلسلة من الإجراءات ضمن أقصر المهل، تفاديا لإضفاء مشروعية اللجوء إلى الحلول الدولية سواء لإجراء التحقيقات أو المحاكمة كحل حتمي، مع ما قد يستتبع ذلك من أكلاف عالية وتدخلات خارجية. وأهمها:

أولاً: إجراء تعيينات جديدة في المراكز القضائية الحساسة، بالأخص النيابة العامة التمييزية.
ثانياً: إجراء مجموعة من الإصلاحات التشريعية بشكل فوري، وأهمها إقرار قانون ضامن لاستقلال القضاء وفق المعايير الدولية، وإلغاء أصول المحاكمة الاستثنائية المجلس العدلي أو إعادة الإختصاص إلى المحاكم العادية.
ثالثاً: الإستعانة بالخبرات الأجنبية والدولية اللازمة التي قد لا تكون متوفرة داخلياً". 

بالخلاصة، وأمام هكذا نكبة هزّت العالم، لا يزال القضاء كما المنظومة السياسية وأهل السلطة، يتصرفون على المنوال نفسه من التسويف والتجهيل والمناكفات وتهفيت الدولة ومؤسساتها الدستورية، بما يشكل إهانة إضافية للضحايا والناجين في آن معاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها