الجمعة 2020/07/24

آخر تحديث: 16:36 (بيروت)

حمد حسن أو "النفس المبتورة" وعوارضها الصعبة

الجمعة 2020/07/24
حمد حسن أو "النفس المبتورة" وعوارضها الصعبة
يبدو "حديثاً" وأصولياً، عشائرياً ومدنياً، "تكنوقراطياً" وحزبياً (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease

نادراً ما يكون أحدهم مدعاة للسخرية ومثيراً للإعجاب في آن معاً، وأحياناً في اليوم الواحد. طوله الفارع وهيئته التي تدل على انتباهه وعنايته بجسمه وغذائه وصحته، تجمع أيضاً في إيماءات جسده بين العفوية الريفية و"الإتيكيت" المديني، جمعاً مربكاً وغير مريح. وهذا ما يبدو من "أناقته" أيضاً التي تبدو هجينة بين البساطة والإهمال، إلا ساعة يده الكبيرة التي تبدو دوماً "زينته" المفضلة والملفتة للانتباه.

والناظر إلى وجهه يحيّره إن كان حليق الشاربين أم خفيفهما. أهو أصلع أم خفيف الشعر، وما لون عينيه؟ لهجته لا هي بيضاء ولا بقاعية، يشوبها أثر مدرسي بائت.

من هذه الهجنة في الملامح والسلوك، من حيرتها وتقلّبها بلا تعيين، ترتسم "شخصية" الوزير حمد حسن، الذي لا نميز بين ابتسامته وتجهمه أو بين مزحه وجدّه. وكأن اضطراباً قديماً في سيرته يحكم حضوره ويحرك كوامنه.

وعلى هذا المنوال، لا ندري حين يتحدث ما منسوب الحكمة والرجاحة من منسوب السذاجة وزلات اللسان. ولا ندري أيضاً لما يبدو حائراً على الدوام في تركيب عباراته، كما لو أنه ممثل نسي أسطراً من حواراته.

وعلى مثال التباس سماته وصعوبة تعيين خصاله وتقلبات مساراته، يستطيع حمد حسن أن يكون رئيس بلدية منغمساً في سياسة أهلية ومحلية وشجون إدارية عامة، وأن يكون هو نفسه دكتور العلوم البيولوجية الجزيئية، الذي نفترضه منصرفاً إلى مختبراته وعوالمه الميكروسكوبية، منعزلاً فيها عن صخب الناس وشؤونهم. فهذا الجمع المتناقض إلى حد الهرطقة ما بين السياسة والبيولوجيا هو "التعريف" الفعلي لشخصه، ولأشباهه، ممن ينطبق عليهم ما أسماه الفيلسوف الإيراني داريوش شايغان "النفس المبتورة"، أولئك المسحورين بالعلم و"المؤمنين" بالأساطير في آن معاً، المصدومين بالحداثة والراسخين بالتقليد. فيسع واحدهم الإيمان بخلق العالم في سبعة أيام ومعرفة أن عمر الكون نحو 14 مليار عام. أما تدبير هذا التناقض والعيش فيه فغالباً ما يرسو على الاضطراب الذي يسكن الذات ويحركها.

وحسن، بهذا المعنى، يستطيع أن يبدو "حديثاً" وأصولياً، عشائرياً ومدنياً، "تكنوقراطياً" وحزبياً، فيسترشد بالأدب حين سؤال العلم والطب، ويتفوه كيمياء وبيولوجيا حين التصريح السياسي. وعلى الرغم من أن هذا مسلٍ أحياناً، إلا إصابتنا بالحيرة نحن الجمهور المستمع إلى "قائد" الحرب على كورونا، لها تداعيات خطيرة في معنى "الثقة السياسية".

ومصدر الخطورة نراه حين "يغرّد" هكذا: "شحّت بشائرُ الرغد وضاقت السبل في دوامة القهر، ضاربة بالمُثُلِ عند أنين الفقر وشماتة الدهر، فلامست شفير سواد ما نخشى، حتى أُبتلينا بغشاوة البصيرة غضباً ضارباً بكل ألوان الحياة والحياء، ونال منه الأبيض الناصع عزاً نصيب الإفتراء رغم المدح والثناء. #أطباء لبنان عذراً".. فلا يسعنا ونحن نقرأ سوى الوجوم. أهذا وزير صحة؟ نروح مرتابين بفهمنا للغة واستعمالاتها، معاينين هذا الفهم المنحرف للشعر، على نحو ما صار إليه في ترجمة بائسة وشائعة لواحدة من العوارض السيئة للأدب الحديث وقصائده الرديئة.

والملفت أن النزعة الأدبية برطانتها المدرسية تكاد تكون "هوية" لهذه الحكومة، وبالأخص رئيسها المفتون بنفسه وظنه ببلاغته.

أما حمد حسن، الخبير البيولوجي أو الكيميائي المرموق (والشاعر الرديء) والأستاذ الجامعي، إذ يتنكب مهمة تجسيد المثال المستقيم لوزراء حزب الله وتفانيهم في خدمة الناس، لا يتقاعس عن برنامجه اليومي ظهوراً إعلامياً ونشاطات عامة اجتماعية وجولات من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، جوّالاً بين المستشفيات والمطار والمستوصفات وملاعب الرياضة وقاعات القرى وحسينياتها.. وفوق أكتاف "المحبين" شاهراً سيف الانتصار، غافلاً للحظات عن "بروتوكوله" الوزاري عائداً إلى زهوه الفلكلوري البلدي، مكرراً اضطراب صورته والتباساتها.

كذلك، وإذ يكاد يكون "تكنوقراطياً" حقاً (من دون إسقاط انتسابه وامتثاله الحزبي)، في إدارته الصحية وتعليماته وحملاته بمواجهة كورونا، يهمل مراراً ما يلحّ عليه، على اللبنانيين: ارتداء الكمامة!

وتقلّب الوزير على تناقضات نفسه وأهوائها وهوياتها، يتيح له أن يصرع ويرمي جانباً كل ما اكتسبه "علماً حديثاً" بشطحة وجدانية واحدة، حين يقول خليط كلام من نوع: "ستعانون كثيراً في هذه الفترة من ارتفاع السكري عند الناس، ومن اضطرابات كثيرة عندها، لكن للأسف لن تضطروا لإعطائهم دواء، لأن ظروف الحياة التي نعيشها صعبة جداً، فالعلاج يمكن أن يكون في العودة إلى الأرض ليكون سليماً. وهذا ما نريده أن نعالج بحكمة وشجاعة من دون هذا الدواء الذي ربما لن نجده قريباً، أو ربما تكون كلفته مرتفعة. لذلك يجب أن نشجع الدواء الوطني وأن نقتنع بأن الظرف صعب ويجب التخلي عن الكثير من الممارسات والعادات ونكون إلى جانب الإنسان لأن الوطن إنسان".

وهكذا، تحيل كل "نفس مبتورة" العالم والعلم والسياسة والأدب إلى طلسم، لا نفع للبيولوجيا وجزيئياتها بإدراكها وعلاجها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها