الجمعة 2020/06/26

آخر تحديث: 00:02 (بيروت)

نصرالله وخطابه الصيني: الكلام لا يطبخ الأرزّ

الجمعة 2020/06/26
نصرالله وخطابه الصيني: الكلام لا يطبخ الأرزّ
ورطة اللبنانيين الحالية لن تحلّ بقرض أو هبة صينية (الأرشيف)
increase حجم الخط decrease
مرّ أسبوع على المحاضرة الاقتصادية "القيّمة" التي أتحفنا بها أمين عام حزب الله حسن نصر الله، واستفاض فيها على مسامع المتلهفين لمعرفة رده ورد حزبه على قانون قيصر والعقوبات، التي تضع لبنان قاب قوسين أو أكثر من سلسلة عقوبات، قد تأتي تحت اسم قانون الأرز أو قانون الفينيق أو ما شابه، إذا ما استمر حزب الله ونظام الأسد بمغامرتهما الانتحارية. 

شعوذة اقتصادية
مدرسة نصر الله الاقتصادية التي انضمت حديثاً إلى أقرانها من المدارس الاقتصادية - كالكينزية ومدرسة شيكاغو والماركسية - تقترح معادلة فعالة، لدرجة أن نصر الله لم يعلن عنها بل أبقاها سرية في المكان والزمان الصحيحين، كما هو حال وعده الانتقام من ضربات إسرائيل وأميركا لقادته، وآخرهم قاسم سليماني.

النظرية، أو ربما "الشعوذة الاقتصادية" لنصر الله، تقتضي أن يخرج لبنان من النظام الاقتصادي العالمي ويتجه شرقاً، كي "يتحرر" الشعب اللبناني من التبعية الاقتصادية للولايات المتحدة، أو "الشيطان الأكبر".
اقتراح نصر الله ليس بجديد. فهو من دعا في السابق إلى مجابهة السقوط الاقتصادي - الذي ساهم هو وحزبه فيه - الاتجاه نحو الصين وإيران وحتى فنزويلا، بل توجيه الاقتصاد اللبناني المبني على الخدمات المالية والمصرفية نحو زراعة الباذنجان والبطاطا!

السلاح والاقتصاد
للوهلة الأولى ظن البعض أن أمين عام حزب الله يمازح مستمعيه. لكن مع تقادم الوقت وإطلالاته المتعددة، أثبت نصر الله ضحالة فكرية وسياسية واقتصادية، تُعيد تأكيد أن مسار اللبنانيين نحو الخلاص الاقتصادي، يجب أن يمر بنبذ الشعوذات والبدع الاقتصادية والعودة إلى المطالبة بدولة سيدة قادرة على إجراء الإصلاحات الاقتصادية والسياسية. وعلى رأسها معالجة السلاح غير الشرعي، وتداعياته على فكرة لبنان بكل ما تتضمن من إيجابيات وسلبيات.

لا تقتصر الكارثة الحقيقية على تَحوّل الخارجين عن الدولة من دعاة ممانعة، إلى خبراء اقتصاديين ورواد إصلاح. بل إن الكارثة تتجاوز ذلك إلى تحويل الشعب اللبناني بكامله إلى خبراء زراعيين ومزارعين، تقتصر لقاءاتهم ومحادثاتهم على سعر صرف الدولار، وعلى الزرع في حدائقهم الخلفية أو على شرفاتهم.

وباء زراعة الشرفات
صحيح أن العودة إلى الأرض والزراعة نعمة خلفتها جائحة كورونا. لكن قناعة اللبنانيين بأن الزراعة والتلاعب بالدولار ينقذانهم من الجوع والعوز، ليست سوى وباء حقيقي اجتاح المجتمع اللبناني الذي انشغل بالمزروعات وتداعياتها، تاركاً شؤون الحكم لزمرة من الفاسدين يختبئون خلف سلاح المدرسة النيو - صينية في الاقتصاد، ليصبح الاقتصادي مزارعاً والمزارع السيء اقتصادياً، وهذا تنطبق عليه صفة "آخر زمن".
وتعاظمت السخرية من اقتراح نصر الله التوجه نحو الصين، بسبب جهله أو تناسيه أن قروض الصين في العالم تبلغ 1.5 تريليون دولار أميركي، تُدفع وتُحصل بالعملة الأميركية، وليس باليوان عملة الصين الشعبية. وهذا ما يجعل اللجوء إليها كمن يستجير من الرمضاء بالنار.

قتال بالدولار
وكان يجدر بنصر الله أن يبدأ عملية "التحرير الاقتصادي" من حزبه، بصرف مرتبات مقاتليه باليوان بدل الـ 600 دولار الأميركي التي يتقاضونها حالياً. ونرى عندها إن كانت قاعدة حزب الله مستعدة "لأن تخوض البحر معك" بالعملة الصينية.

ويبدو أن ميشال شيحا ومؤسسو النظام الاقتصادي الموبوء، لم تمر بذهنهم آنذاك العوامل المستجدة: أن يرهن طرف لبناني نفسه بالكامل إلى دولة أجنبية، ولو على مصلحة جماعته. وهو نمط حوله اللبنانيون إلى نوع من الرياضة الوطنية، حين قامت أحزاب عدة، وآخرها حزب الله، بممارسته ممارسة انتحارية.
إن ورطة اللبنانيين الحالية لن تحلّ بقرض أو هبة صينية. حتى ولو استطاع نصر الله أن يتقن فن الخيمياء ويحول سلاحه الرخيص إلى ذهب ثمين. فهو لن يتمكن من فرض منطقه الصيني على الرافضين لتحويل لبنان إلى كوبا أو فنزويلا، بل أكثر فقراً وتعاسة.

تجار الممانعة
خلال السنتين المنصرمتين، زارت لبنان كثرة من تجار الممانعة العالمية، ومن بينهم وزير الخارجية الإيراني "غير الظريف"، ووزير خارجية فنزويلا. وهما وعدا الشعب اللبناني بتقديم المساعدة الاقتصادية والتقنية. وهذا وعد لم يتحقق منه قيد أنملة حتى الآن. وإلى أن "يغدق" محور الممانعة "خيراته" من سوى السلاح والفوضى، على لبنان، يتوجب على نصر الله أن يتعمق بالحكمة الصينية القائلة: "الكلام لا يطبخ الأرزّ". وهي مقولة معروفة أيضاً في الثقافة الأميركية القائلة: "المال يتكلم والكلام الفارغ يمشي".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها