الخميس 2020/05/28

آخر تحديث: 19:04 (بيروت)

"المثالثة" حين دخلت العفو العام أيضاً

الخميس 2020/05/28
"المثالثة" حين دخلت العفو العام أيضاً
مثالثة في الحصص والوزارات والمؤسسات والكهرباء وفي العفو العام أيضاً (عباس سلمان)
increase حجم الخط decrease
السلطة في مأزق العفو العام وقانونه. يريد تيار الوزير السابق جبران باسيل ضمّ ملف عملاء إسرائيل إلى قانون العفو العام. يريد حزب الله العفو اليوم قبل الغدّ للتأكيد لقواعد عريضة من جمهوره أنه إلى جانبهم ويحميهم من عقوبات الإتجار بالمخدرات وترويجها. يريد تيار المستقبل استرداد بعضاً من ماء وجهه وإطلاق مساجين إسلاميين. لكن كل هذا تمّت عرقلته مرة جديدة، وليس المعرقل إلا التركيبة نفسها التي تطرح العفو وشروط كل طرف بحسب أهوائه وما يخدمه سياسياً وانتخابياً.

لذا يجد هذا الثلاثي نفسه مجدداً أمام موجة ضغوط شعبية، كل في شارعه أيضاً. الثلاثي غير مرتاح، الثلاثي منزعج، الثلاثي يبحث عن تسوية تضمن مصالحه، وهذه المصالح لن تمرّ إلا باستفادة الجميع منها. هكذا اعتادت القوى السياسية والبرلمانية على التعامل في ما بينها. وهكذا يدار البلد منذ زمن. وبات الجميع يلعب على المكشوف، من دون رقيب ولا حسيب. بلا خشية من أحد ولا من القانون والأخلاق. ولا من الناس حتى. تحاصص مكشوف في الوزارات والتعيينات. تحاصص مفضوح في إقامة معامل الكهرباء، في إدارة النفايات، في الاعتداء على الأملاك البحرية والعامة، في النهب العام والخاص. ولا من يستحي. محاصصة مثلّثة الأضلاع، كما دائماً، حتى  في العفو.

حكم المثالثة
في المحصلة، يريد الثلاثي تحصيل مكاسب السياسية من خلال تحرير تجّار المخدرات ومروّجيها، وإطلاق سراح من حملوا سلاحاً بوجه اللبنانيين والقوى المسلحة، ومن اختاروا إسرائيل على البقاء في بلدهم بعد أن عاثوا فساداً أيام الاحتلال. هذه العناوين الثلاثة للعفو العام. ثمة تحاصص في العفو أيضاً عن المرتكبين والمحكومين والمجرمين، كل بحسب طائفته ومصالحه. وكل عنوان مشرّف في قلّة الأخلاق أكثر من الذي سبقه. ولا من يستحي أيضاً. ليستمرّ بذلك تدمير الدولة وقانونها، ومؤسساتها، وحتى مفاهيم حياتنا العامة، في السياسة والأخلاق والعقيدة. ثلاثة عناوين، لثلاثة أطراف، تجسّد مثالثة فعلية، ولو غير معلنة، حكمت البلد ولا تزال. وقد انضمّت القوى المسيحية إلى باسيل في مطلب عودة العملاء.

وتبعاً للانقسام حول العناوين السالفة، جاءت مواقف الكتل النيابية وأعضائها اليوم في جلسة اليونيسكو. جبران باسيل الذي اعتبر أنّ "العفو هو إفلات من العقاب وهو جريمة جديدة بحق الوطن". عضو كتلة القوات اللبنانية النائب فادي سعد أكد أنّ "قانون العفو بصيغته الأخيرة لم يعد عفواً عاماً بل عفو مشوه وأكيد أننا لن نسير به". وكذلك موقف النائب نديم الجميل. في قانون العفو العام مثالثة طائفية موصوفة.

صناعة الأوهام
هو تدمير ممنهج، يساق بكل وقاحة منذ عقود، بينما تستمرّ حفلات الزجل والكذب. كأنّ السياسيين اللبنانيين يمتهنون صناعة الأوهام وبيعه للناس في الداخل. في سبعينيات القرن الماضي، إصرار سياسي على أن لا طائفية في البلد. وقعت الحرب وقسّمت المحاور. في ثمانينياته، تأكيد على العيش المشترك ومنطق "الغريب" الذي أوقع بين اللبنانيين. إسرائيل وفلسطين وسوريا وأموال ليبيا القذافي والعراق الصدّامي، في حين أنّ المجازر بصناعة محلية وضحايا محليين أيضاً، مع تقاسم مطلق في الارتكاب والتجزير. في التسعينيات، تأكيد على العيش المشترك والانتهاء من الحرب، وإعادة الإعمار بمنطق الحصص أيضاً. تأكيد على أن لا نهب للمال العام ولا إقامة إمارات للزعماء والأحزاب والطوائف، في حين تمّت إعادة تقسيم الحصص في مراحل 2005 و2009 و2016، انتهاءً بالانهيار والإفلاس. كل ذلك أوهام. وهم في العيش المشترك، في إعادة الإعمار، في ثبات الليرة اللبنانية، في بناء الدولة، في المحافظة على الدستور.

الخطير أنّ المثالثة غير المعلنة التي تحكم البلد دخلت حتى ملف العفو عن جرائم المرتكبين. ولما لا تفعل، طالما أنّ المنطق هو نفسه الحكم في كل المجالات وفي الظروف والمناسبات. دخلت المثالثة العفو العام وعطّلته إلى الحين، بانتظار توافق لا شيء فيه يقرب الإصلاح والقانون وصونه. هي مثالثة مقنّعة لكن ثابتة في حقدها وتهديمها للمؤسسات. مسار طبيعي لمرحلة ما بعد التحاصص. مثالثة مقنّعة لكن منتشرة، ما دخلت أخضر إلا ويبسّته. هي مثالثة قاتلة أساساً، ولا يأتي منها إلا الضرر للبنانيين ودستورهم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها