الأحد 2020/05/10

آخر تحديث: 00:40 (بيروت)

الرئيس "الشاعر" ميشال عون

الأحد 2020/05/10
الرئيس "الشاعر" ميشال عون
"سأسلم لبنان أفضل مما كان" (الأرشيف، دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease

قبل بزوغ نجم ميشال عون كانت قد حدثت موجتا هجرة مسيحية كبيرتان. الأولى في العام 1976، والثانية في أعقاب اغتيال بشير جميّل واشتعال حرب الجبل (1982- 1983). لكن وصول عون إلى السلطة لأول مرة وبدئه حروبه الخاصة به، تسبب بموجة هجرة عظيمة قاربت المليون مسيحي دفعة واحدة، ما بين 1989 و1991.

ليست العودة إلى تلك الحقبة على سبيل النكاية أو من أجل سجال عقيم عمن المسؤول ومن الجاني والضحية. لكن "الجنرال" المولع بالتاريخ والمهموم سلفاً بالأسطر التي سيكتبها المؤرخون عنه، هو الذي يأخذنا إليه كلما أطلق تصريحاً أو ألقى خطاباً أو حتى "غرّد".

قال الرئيس مجدداً، بنبرة واثقة، أنه بعد انتهاء عهده سيسلم لبنان أفضل مما كان (قبل رئاسته).

هذا القول لا يحتاج إلى مقارنات بالوقائع والأرقام. لا يحتاج إلى معاينة للواقع، ولما كان عليه حال وما آل إليه وما تنبئنا به كل الحقائق اليومية. ما يثبت صحته بالنسبة للرئيس (ومؤيديه) أنه صادر عن "قناعة" ميشال عون، عن ما يظنه ويتخيله ويؤمن به. وهذا كاف وأقوى من أي علم أو نظر أو واقع.

كلمات عون هنا هي "الرؤيا" الأقوى كثيراً من الرؤية. إنها إيمان سياسي ببعد ديني. بل هي معاقرة فاحشة وحميمة للتاريخ، حيث الوجود والفعل مكرسان للخوارق وللعظمة. ليس أقل من ذلك، هو ميشال عون في تعريف ذاته وأدواره. حتى أن فترة رئاسته هي الأكثر التصاقاً بصفة "العهد"، بكل ما تحمله هذه الكلمة من عمق توراتي وإنجيلي. صفة خلاصية لا تخلو في الوقت نفسه من تلميح إلى خطر رعب قيامي.. وإلى وعد إلهي في آن معاً.

هذا التصور الإيماني – الملحمي للذات وللعالم، هو ما يسمح لميشال عون أن يتخيل ذات يوم أنه بمجرد إعلانه هو بذاته عن نيته "تحرير لبنان"، فسيحقق ما عليه من دَين للتاريخ. وإذا تأتى عن ذلك كارثة ماحقة فهذا ليس من مسؤوليته. أيضاً، يتيح له هذا الظن أن يعلن نيته ذات يوم آخر أنه سيخلص لبنان من الميليشيات. النية السليمة كافية. أما إذا كانت النتائج فشلاً مريعاً وخراباً عميماً فهذا لا ذنب له فيه. ولا يجوز محاسبته كما البشر وفق مبدأ "عواقب الأفعال".

حتى في غيابه، بمجرد أن حلم بالعودة فاتحاً ومحرراً ومخلصاً، فهذا هو التاريخ طوع بنانه، ولو أن من حقق "الفتح والتحرير والخلاص" هم الآخرون وليس هو شخصياً.

و"الرؤيا" هي قرينة النبوة. وهذا يطرح جانباً الاحتساب والسياسة والوقائع والنتائج. وميشال عون هنا "شاعر" وليس مهندساً ولا طبيباً ولا سياسياً. التعبير اللفظي هو وحده الحقيقة. اللغة، الكلمات، هي العالم متحققاً. الجملة التي تقال لا علاقة لها بمنسوب التوهم أو الكذب أو الصراحة.. بل المهم جماليتها: "سأسلم لبنان أفضل مما كان".

بهذا المعنى، الرئيس منسجم مع نفسه، يصدّق ما ينزله عليه الوحي والإلهام. وهو شديد الإيمان أن لبنان سيكون بسببه، وبسببه فقط، أفضل مما كان... بغض النظر تماماً عن حقيقة واقع لبنان. بغض النظر إن كان لبنان أضحى بلداً خرباً وأسوأ حتى من مصر فرعون التي نزلت عليها اللعنات التوراتية العشر.

وبالعودة إلى البداية، وبالانتباه إلى نبوءة ميشال عون عن تسليم لبنان في نهاية عهد، نشعر أن عبارته "سيكون أفضل حالاً" ستكون مقرونة لا بموجة هجرة كبيرة للمسيحيين هذه المرة، بل كل من تبقّى من لبنانيين قادرين على شراء تذكرة سفر.. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها