الأحد 2020/04/05

آخر تحديث: 00:01 (بيروت)

نهاية، نهاية التاريخ؟

الأحد 2020/04/05
نهاية، نهاية التاريخ؟
تجربة مواجهة وباء كورونا أطاحت بالكثير من المفاهيم التي كانت راسخة (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease

عقب سقوط جدار برلين عام 1989، وانهيار منظومة الدول "الاشتراكية" التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي، خرج فرانسيس فوكوياما عام 1992، بكتابه "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" والذي كان بمثابة إعلان انتصار النظام الرأسمالي الليبرالي والديمقراطي على المنظومة الاشتراكية التي كان أطلق عنان فكرها وأيديولوجيتها كارل ماركس.

لقد كان سقوط الاتحاد السوفياتي حدثاً مدوياً في تاريخ البشرية الحديث، حين تربعت بعد ذلك الولايات المتحدة الأميركية وللمرة الأولى وحيدة على عرش إدارة العالم ومن دون منافس، بعد عقود من الصراع الثنائي والحرب الباردة.

منذ ذلك اليوم المشهود الذي أعاد الوحدة إلى العاصمة الألمانية، وهو اليوم الذي أفقد أميركا بشكل خاص والغرب الرأسمالي الليبرالي بشكل عام، العدو أو الخصم والمنافس المقابل، منذ ذلك اليوم، والعالم يتابع عرض فيلم واحد بشكل متكرر على شاشة سينما الأحداث العالمية. وهو فيلم نظرية التفوق الرأسمالي وسيطرة المبادرة الفردية وتفوق نظريات الحداثة والتحديث في ظل الليبرالية المحلقة والمندفعة من دون وازع أو منافس.

الانطلاقة الصينية
فيما كان العالم يتابع أفول نجم الاتحاد السوفياتي المتسارع وعودة ألمانيا الموحدة وقصص وحكايات بوريس يلتسن الغريبة وانطلاق العولمة نحو قفزتها الكبرى بدفع من أميركا بيل كلنتون، كانت الصين تنطلق نحو مسار آخر خطه دنغ شياوبنغ صديق ماوتسي تونغ، الذي كانت لديه الفرادة في ابتداع معادلة تقول: "ليس المهم أن تكون القطة سوداء أو بيضاء طالما كانت تمسك بالفئران".

لقد دفع دنغ شياوبنغ بهذه الجملة الصين نحو اقتصاد السوق في ظل حكم الحزب الواحد بعلم أحمر فوق الصين، واحتفظ لبلاده ونفسه بتميز التجربة الصينية التي باتت عبر عقدين متتاليين الاقتصاد الثاني الأكبر في العالم، وليظهر بعد الأزمة المالية العالمية في 2008 التي انفجرت بعد انهيار مصرف ليمان براذر وشملت العالم، أن السندات الأميركية في قسم كبير منها تحت إبط الصين.

حين أنجز الرئيس الأميركي باراك أوباما الاتفاق النووي مع إيران في نيسان 2015، وسط الصاعقة التي أصابت وعي دول ومجتمعات ونخب الوطن العربي، كان التفسير الأكثر منطقية للجنوح الأوبامي (نسبة إلى أوبامالإنجاز الاتفاق مع إيران، أن الولايات المتحدة الأميركية، باتت تنظر إلى العالم ومصالحها، ليس بمنظار السيطرة على حقول النفط في المنطقة فقط، بل من منظار التحول نحو آسيا لمواجهة الخطر الصيني الآتي للسيطرة على أسواق العالم عبر تجديد فتح طريق أو طرق الحرير.

الاتحاد الأوروبي ضحية أولى
ليس جديداً القول، أن العالم بعد كورونا ليس هو نفسه بعده، فما من شك أن تجربة مواجهة وباء كورونا أطاحت من دون جهد الكثير من المفاهيم التي كانت راسخة، ودمرت العديد من المؤسسات والمعادلات التي كانت ثابتة.

إضافة إلى عدد الضحايا، فإن التوقعات لدى العديد من المحللين تقول: إن أولى ضحايا كورونا قد يكون الاتحاد الأوروبي كصيغة للتعاون الدولي والإقليمي وكمنظومة ائتلافية دولية.

ففيما كانت أعداد الوفيات تتزايد في إيطاليا وإسبانيا الأسبوع الماضي، اجتمع زعماء دول منطقة اليورو في المجلس الأوروبي، لتدارس ما إذا كان يجب تقديم دعم مالي مشترك للدول الأكثر تضرراً، ثم قرروا عدم القيام بأي شيء.

كانت الفكرة المحددة موضع النقاش، هي أنه يجب تقديم ما يسمى بـ"سندات كورونا"، التي يمكن بموجبها للبلدان أن تقترض المال لدعم اقتصاداتها الوطنية، على أن تكون ديونها مضمونة من قبل الدول الـ 19 في منطقة اليورو. رفضت هولندا وألمانيا هذا الاقتراح. وبدلاً من ذلك، طلبت دول الاتحاد الأوروبي من وزراء ماليتها وضع بعض الخطط خلال الأسبوعين المقبلين.

ولم يكن مستغرباً، أن يثير هذا استياء إيطاليا وإسبانيا، بل وحتى في فرنسا. وكان هناك رأي عبّرت عنه إميلي دو مونتشالين، وزيرة الدولة الفرنسية للشؤون الأوروبية، في لقاء أجرته معها محطة إذاعية فرنسية حين قالت، "إذا كان الاتحاد الأوروبي يعني سوقاً مشتركة فقط في الأوقات الجيدة، فهذا يعني أن وجوده لا معنى له".

وقد أثار، رئيس الوزراء الإيطالي جوزيب كونتي، النقطة نفسها، حين قال إن" مشروع الاتحاد الأوروبي سيفقد مبرر وجوده" إذا أُساء إدارة الأزمة.

ومن الظاهر أن الرأي العام الإيطالي الذي ما يزال تحت تأثير صدمة التفشي السريع للوباء لا يعرف أحد كيف ستكون نتائجها بالنسبة إليه.

ولن يكون سهلا بالنسبة للإيطاليين أن المساعدة لم تصل إلى إيطاليا المنكوبة إلا من الصين. ومن يريد استقاء الدروس والعبر من التاريخ والتجارب لن يستطيع أن يتجاهل موجة التصفيق الحار والحميم من المواطنين الإيطاليين لمواكب الأطباء القادمين من كوبا المنبوذة إلى إيطاليا للمساعدة.

وليس بسيطاً إقدام دولة التشيك على سرقة ومصادرة كمية من المساعدات الطبية الصينية المرسلة إلى إيطاليا، بحجة مكافحة التهريب.

ترامب وكورونا
خلاصة القول أن تجربة مواجهة كورونا بينت حقائق لم تكن تخطر على البال ومنها:

أولاً: إن الصين دولة الحزب الواحد، تمكنت من مواجهة الوباء بقدرة أقوى ونجاح أكبر من تجربة مواجهة الدول الغربية. وقد ساعد نظام الصرامة الصيني "المرقمن" على النجاح في المواجهة أكثر من نظام الديموقراطية الكلاسيكي في بريطانيا وإيطاليا ومن ثم في اسبانيا.  

ثانياً: بالرغم من الخسائر الفادحة في الأرواح، في الصين وأوروبا وإيطاليا وفرنسا واسبانيا. ثبت أن نظام الرعاية الصحية في هذه الدول كان حاضنا أكثر، وأكثر إنسانية، وقادراً على الاستيعاب والمواجهة، فيما ساهم إلغاء تاجر العقارات دونالد ترامب للنظام الصحي الذي أقامه أوباما في موت العديد من الأميركيين على أبواب المستشفيات والمؤسسات الصحية، وقد كانت أرقام وصور إخفاق المؤسسات الصحية الأميركية مقارنة بالصين وأوروبا مرعبة.

لقد مات الصينيون والإيطاليون على الأسرة في المستشفيات لنقص التجهيزات، فيما مات كثيرون من الأميركيين على أبوابها، وقبل أن يصلوا إلى غرف العناية.

صدمات لبنانية
أما نحن في لبنان، فقد كانت التجربة ولا تزال ولادة يومية للتجارب والحقائق الجديدة الصادمة.

من كان يقول في لبنان قبل أشهر ان كبريات المستشفيات المرتبطة بكليات عريقة للطب كمثل الجامعة الأميركية واليسوعية تقف عاجزة وخائفة أمام مواجهة وانكشاف الموجة الأولى من الإصابات بالفيروس المرعب.

من كان يقول أن طلاب كلية الطب في الجامعة اللبنانية هم الذين تصدوا للموجة الأولى من المصابين بالفيروس، فيما انتشر باقي الأطباء من المستشفيات الخاصة وكليات الطب المفرنسة والمتأمركة على شاشات التفلزة للتنظير والتشبيح والاستعراض الإعلامي، فيما وقف طلاب كلية الطب الوطنية اللبنانية أبناء الفقراء ومحدودي الدخل، إلى جانب المرضى والمصابين في المستشفى الحكومي.

من كان يقول ان التلفزيونات اللبنانية الرائدة المتألقة تتنقل بين برامج الترويج والتدليس والتسطيح، فيما يتولى تلفزيون لبنان الرسمي الذي نسيت الناس على أي موجة تشاهده، يبث الحصص التعليمية لطلاب المدارس الرسمية الفقراء.

لقد أنقذ الأطباء والممرضون في مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي لبنان من انتشار الوباء وردوا الضربة الأولى. بانتظار أن تكون المؤسسات الأخرى قد تعاقدت أو أمنت صفقات التنفيع والتزبيط، لنيل حصة من الأموال المرصودة لمواجهة الوباء.

من كان ليقول أن مصارف لبنان "درة التاج اللبناني"! تكاد تتصرف كمثل جمعية أشرار تجاه اللبنانيين وودائعهم ومدخراتهم، بعد سنين من الظفر بفوائد مرتفعة ومنتفخة حتى التخمة.

بعد كورونا
بعد وباء كورونا ليس كما هو بعده، لم يعد التفوق في العالم للولايات المتحدة ونظامها الاقتصادي، باتت الصين رقماً أساسياً وصعباً ولاعباً جديداً متفوقاً يضبط الشارع بالهواتف الجوالة وطائرات "الدرون".

أوروبا المنكوبة والدول الغربية عموماً ستنظر بعد اليوم إلى كوبا التي كانت محاصرة، باحترام، وستبدل فكرها وقناعاتها تجاه نظام الرعاية الصحي القائم على سيطرة شركات التأمين وتنظر إليها نظرة مختلفة.

أما نحن في لبنان، إذا ما سمحت لنا القوى السياسية المافياوية الحاكمة، سنحفظ عالياً وجيداً تضحيات أبطال مستشفى رفيق الحريري الجامعي، وأهمية دعم الجامعة اللبنانية ومؤسسات القطاع العام، وليس التفريط بها وإهمال دعمها وتطويرها. 

بعد وباء كورونا انتهت "نهاية التاريخ" وبدأت تجربة أخرى، ومن يعش يرى.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها