السبت 2020/04/04

آخر تحديث: 00:02 (بيروت)

الفيروس اللبناني الأصيل: كمّامات وإعاشات حزبية

السبت 2020/04/04
الفيروس اللبناني الأصيل: كمّامات وإعاشات حزبية
تحاول هذه الأحزاب والطوائف أنّ تملأ أمعاء الناس بفُتات الإعاشات، علّ عقولها تضيع (Getty)
increase حجم الخط decrease
يضطّر كثيرون منا إلى الخروج من المنزل، خلافاً لقرارات التعبئة العامة. ثمة ضرورة ملحّة أو أغراض أساسية يجب الحصول عليها. ربما وظيفة بنصف راتب أو صرف اضطراري للدولار. أو ربما كل هذا معطوفاً على الحاجة لسرقة دقائق خارج جدران الباطون والشاشات.

ولمن يرغب منا الوقاية من فيروس كورونا، بإمكانه الاستعانة ببعض ما تقدّمه الأحزاب. يمكن أن يسير في حيّ عقمّته فرقة تدخل "أورانجية" للقضاء على الجراثيم. أن يرتدي كمّامة بيضاء مدموغة بشعار القوات اللبنانية أو سوداء بشعار حركة أمل. وليس الاختيار صعباً بين الاثنتين، ليست المسألة سوى تنسيق ألوان مع ما يرتديه. يخرج وفي جيبه عبوة لتعقيم اليدين من توزيع الحزب التقدمي الاشتراكي. وإن مرض، لا سمح الله، بإمكانه زيارة المستشفيات الميدانية التي أعدّها حزب الله لمواجهة فيروس كورونا. يمكنه أن يمرّ في شارع حيث مكتب لتيار المستقبل، ليدقّق في حاله، ويمضي في سبيله علّه يتقّي التقاط عدوى سياسية ما.  

اختزال المشهد
تلخّص هذه الصورة كل ما في المشهد السياسي العام. تيار أورانجي يستعرض ويعقّم أحياء قرى بلاد البترون حصراً. قوات وحركة يحاولان اللحاق به، لكن بحرفية أقلّ. تيار ثانٍ غائب عن السمع كلياً، يحتاج لمن يهزّه كل حين للتأكد من كونه لا يزال على قيد الحياة. وحزب حاكم بأمره، دولة قائمة بحدّ نفسها لا نعرف أين حدود دنياها. يقول مرشده الأمر، والباقي ينفّذ، حتى بتنا نتحيّن اللحظة لشكره على إفراج المصارف عن أموالنا، نحن صغار المودعين. وعلى عودة أبنائنا من جامعات الخارج المكَوْرَنة، وعلى قرارات التعبئة وعلى سعر ربطة الخبز. لنختزل المشهد السياسي ولنسلّم أمرنا للقيادات الحكيمة، ونشكرها بخجل على كل ما قدّمته وتقدمّه لنا يومياً.

كمّ الأفواه
توزّع علينا أحزاب السلطة كمّامات لنتقّي عدوى كورونا. هذا أمر معتاد على السلطة. ليس تأمين الحماية ولا الحرص على الناس، بل كمّ الأفواه. فعلت ذلك لعقود. وأخرستنا بشعارات "الوجود" الطائفي حيناً، والعروبة ومواجهة إسرائيل حيناً آخر. ثم بخطابات الوحدة الوطنية و"المسار والمصير"، ثم في شعارات الحرب على الإرهاب. وبين كل هذا وذاك، حرب معلنة على "عبدة الشياطين" مرة، وعلى تنّين كومودو في مرة أخرى. كمّت السلطة أفواهنا لعقود، بحجج بديهية، يبدو التعارض معها ضربَ خيانة عظمى. وعندما انتفضت الناس وصرخت "ثورة"، اجتمع الكل عليها.




فسق وفجور
أكلت الشعارات والحجج والاتّهامات والعمالة والخيانة الثورة. ثوّار اليوم، عملاء الأمس. هم عبدة الشياطين، لا بل أنّ الشيطان فيهم ولا رب لهم. تحوّل الثوار إلى تنين كومودو يقلق الأهالي ليلاً، وخطواته تنبئ بفريسة محتملة من الأحياء المأهولة. الثورة إرهاب مبطّن، مؤامرة خارجية جديدة، تهدف إلى تحلّل المجتمع. فيها تخلّي عن الله والطائفة والحزب والعائلة، كيف لا وهي تعني معارضة الزعيم؟ الثورة حاصرت مساكين بسياراتهم لساعات. أضرّت إطاراتها المشتعلة بالبيئة وخنقت المواطنين الأوفياء في منازلهم. عمّمت أجواء الفسق والفجور في اعتصاماتها. فتحت أبواب المدن والمناطق المنعزلة لأعداء الداخل من طوائف وألوان أخرى.

معدة وعقل
أما أحزاب السلطة، فتوزّع اليوم أيضاً المساعدات وكراتين الإعاشة وقسائم البنزين والمونة. تقف من جديد إلى جانب مواطنيها في هذه المحنة العامة. لم تتركهم، ولن تفعل لأنها حريصة على هذا الوطن وأبنائه. معقّمات لمواجهة كورونا، ولفّة خبز وكيس أرز وعلبة مارتديلا لمواجهة الجوع. ومن لم يتحرّك بعد لتقديم المساعدة صرخ وهدّد. فأوقف سيل ورفع زبى وحمى الناس. أنقذت الأحزاب الناس في حين كل دول العالم تخلّت عن ناسها. حتى أنّ وحدة هذه الاتّحادات والدول باتت مهددة، هكذا قال لنا المرشد. وزّعت الأحزاب الإعاشة، علّ الناس تطفئ جوعها. أطعم الفم، تستحي العين.

تحاول هذه الأحزاب والطوائف أنّ تملأ أمعاء الناس بفُتات الإعاشات، علّ عقولها تضيع. هذا الفيروس اللبناني الأصيل، رُشى المستضعفين بالطعام بعد تجويعهم. تأمين الوظائف لهم بعد صرفهم من العمل. إحضار الترياق والعلاج لهم بعد حقنهم بالداء. إنارة كهرباء منازلهم بعد قطعها عنها. إنقاذهم من حروب ادعاءات وجودية بعد نفخ الخطر الزائف. وكل ذلك يأتي من بعده التمنين. يحصل باستعراض فائق بوقاحته، فاجر. وهذا الفيروس اللبناني الأصيل دواؤه واحد: الثورة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها