الإثنين 2020/03/09

آخر تحديث: 18:14 (بيروت)

"كورونا" وكرامة الطوائف

الإثنين 2020/03/09
"كورونا" وكرامة الطوائف
معظم المتدينين يدركون الفارق بين "الطهارة" و"النظافة" (Getty)
increase حجم الخط decrease

ما عادت المشكلة قائمة فعلياً بين المتدينين والعلم. ثمة قبول ورضوخ من قبل المؤسسات الدينية وأتباعها لحقائق العلم والطب، وإن من دون التنازل عن التصورات الدينية والحاجة لأجوبتها في رفد المؤمنين معنى ورجاء وأملاً.

بات معظم المتدينين يدركون الفارق بين "الطهارة" و"النظافة". الأولى لا نفع لها في مواجهة الفيروسات والمايكروبات. لا تقدم وقاية ولا تعقيماً. والمؤسسات الدينية نفسها في يومنا هذا، بمواجهة "كورونا"، غير تلك التي كانت في أزمان الطاعون والكوليرا والتيفوس والجدري. فلا الصلوات ولا الإكثار من حرق البخور، ولا زيارة قبور الأولياء والقديسين ولا التبرك بالمراقد والمزارات المقدسة وحدها، إنما الالتزام بإرشادات السلطات الصحية والطبية أولاً. بل ومنح الشرط العلمي والطبي الغلبة على الطقوس الدينية في مواجهة الفيروس والمرض.


ويمكننا أن نرى اليوم أن المؤسسات الدينية نفسها، الإسلامية الشيعية والسنّية كما المسيحية، تدير مستشفيات كبيرة ومرموقة. فإناطة الصحة بالعلم لا بالمعتقدات الدينية، أمر مفروغ منه.

مع ذلك، هذا لم يلغِ البعد الآخر للحضور الديني، هو البعد السياسي الطائفي. وقد بدا هذا جلياً في النزعة السياسية لما يمكن تسميته "كرامة الطائفة"، في التعامل مع مخاطر "كورونا". فنكاية بأي شماتة أو تهمة تسيء لعلاقة أهل المذهب الواحد (هم أيضاً أهل عقيدة سياسية منخرطة في حروب إقليمية وأهلية)، كحال شيعة لبنان والعراق وإيران، يجنحون إلى عرقلة أي قرار "علمي" و"طبي" وقائي، كوقف الرحلات الجوية أو إغلاق الحدود. المصابة الأولى في لبنان، وكانت آتية من إيران، تحدثت عن استهداف "أهل المقاومة". وأمس، هرب من الحجر في المستشفى مشتبه بإصابته، وهو رجل يعمل في تنظيم الرحلات الدينية، معلناً أن إيران هي بلاد النظافة والحضارة، وأن الأمر كله مؤامرة وافتراء.


الجماعات الأخرى وجدت في بدايات انتشار المرض عبر "زائري" المقامات الدينية الشيعية، ذريعة سياسية طائفية لوصم الشيعة كجماعة موبوءة، أو تعيين "الضاحية الجنوبية" كمعقل للوباء، أو الترويج أن إيران لا تصدر سوى الكوارث والخراب.. إلخ، في استخدام شنيع لواقعة بداية الانتشار. وكان رد الفعل الأول على اكتشاف أول حالة إصابة "كورونا" من غير سكان الضاحية الجنوبية، الذهول والصدمة.. والخيبة التي تضمر سؤالاً خبيثاً: "كيف وصل الفيروس الشيعي إلى مناطقنا؟" (حسب نبرة نشرة أخبار محطة تلفزيونية "مرموقة").

كان الجواب على هذا السؤال واضحاً في هستيريا تراب مار شربل. الطائفة مهددة، وليس لديها سوى قديسها تستنجد به. وهنا كورونا ليس فيروساً. بل هو خطر آت من طائفة دينية أخرى. والرد عليه سيكون حتماً طائفياً - دينياً.


أما ذاك الـ"كورونا" الذي لا يميز البشر إثنياً أو قومياً أو دينياً، وقد اخترق القوقعات الطائفية وهدد تماسكها أو معتقدات تمايزها، فإنه فرض تحدياً سياسياً على أصحاب الوعي الطائفي، الذين دمجوا بين المرض وكرامة الطائفة أو كرامة حزب الطائفة. فتسييس الفيروس من أهل المذهب الواحد ومن "خصومهم" (أي أهل المذاهب الأخرى)، في الوقت نفسه، يوحي لنا أن سلطة العلم والطب ستتراجع أمام سلطة "المقدس" وأمام نظريات المؤامرة، على نحو لا ينفع معه تعقيم ولا حجر ولا طبابة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها