الثلاثاء 2020/03/03

آخر تحديث: 00:18 (بيروت)

طريق الجلجلة بصحبة حسان دياب

الثلاثاء 2020/03/03
طريق الجلجلة بصحبة حسان دياب
لن يقوم بأي حركة تزعج أهل السلطة وبطانتها (عباس سلمان)
increase حجم الخط decrease

في أيلول الفائت، لم يكن حسان دياب رئيساً للحكومة. ولو قال يومها ما قاله الاثنين 2 آذار الحالي: "الدولة في حالة ترهل إلى حدود العجز، واللبنانيون قلقون على مستقبلهم، ولم تعد الدولة في الوضع الراهن قادرة على حماية أبنائها وفقدت ثقة اللبنانيين بها"، لكانت الأجهزة القضائية المقربة من الرئيس ميشال عون، استدعت "المواطن" حسان دياب وأوقفته، وادعت عليه بجرم تشويه سمعة لبنان وبث الأخبار الكاذبة، وفق تعليمات عون الشهيرة، في ذاك الخريف الكئيب.
أما وقد نطق دياب بهذا الاعتراف وهو في منصبه الرفيع، مرفقاً إياه باستنتاج أشد قتامة: "إن على اللبنانيين السير على طريق الجلجلة، مهما كانت التضحيات والأوجاع.."، فلن يلاحقه "أمن الدولة" ولا "مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية".

إذاً، رئيس حكومتنا المناط بها "الإنقاذ"، يقول تقريباً أن الحال ميؤوس منها. أمن أجل هذا تنطح لمنصب رئاسة الحكومة؟ من أجل أن يعتلي المنبر ويخبرنا بما كان مئات الآلاف من اللبنانيين يصرخونه في الساحات طوال أشهر؟ أمن أجل هكذا اعتراف قاتم وبالغ الشؤم جاء حسان دياب إلى السرايا الحكومية مبتسماً سادراً في نظراته إلى الكاميرات؟

من الواضح أن تصريحه هذا ليس زلة لسان، ليس نابعاً من لحظة غضب، أو "ساعة تخلّ". قالها بانتباه سياسي وتأنٍ. ويبدو أنه قرر بكلامه هذا التمهيد لما هو آت في الأيام المقبلة، تمهيد ربما للكشف عن المزيد من الغرق في المأزق. ففي هذا الأسبوع، ولسوء حظ اللبنانيين، ستتخذ واحدة من أضعف الحكومات قراراً بالغ الأثر والخطورة على حاضرنا ومستقبلنا لفترة طويلة. ومهما كان القرار، بدفع مستحقات الدين أو التمنع، سيكون له تداعيات على نظامنا الاقتصادي ومنظومتنا المصرفية إلى أمد طويل.

ما يخبرنا إياه حسان دياب أن ليس أمامه وأمام وزرائه سوى الفشل الكبير. وضمناً، يعترف أن حكومته ليست صاحبة القرار. فالسلطة بقيت خارجها، في يد الذين كلّفوه وسمّوا له وزراءه، وحددوا له مهمته "التكنوقراطية" المسلوبة الإرادة. وارتضى هو دوره في حكومة الظلال و"المستشارين"، خداعاً للمواطنين الذين طالبوا بالحكومة المستقلة لا المعيّنة من قبل حارة حريك وعين التينة وبعبدا.

إلى طريق الجلجلة سيأخذنا حسان دياب. وعنوة سيطلب منا التضحيات وتحمل الأوجاع. لكنه لن يقدم لنا شيئاً، لا الخلاص ولا القيامة. كأس من الخل ربما لنروي عطشنا، أو إكليلاً من شوك فوق رؤوسنا.

صراحة دياب هذه تشي أنه لن يفي بتلك الوعود الإنقاذية، وأعجز من أن ينفذ بنداً إصلاحياً واحداً، وأضعف من أن يحطم الجدار الذي اصطدم به. وجد نفسه تماماً حيث عرفنا مسبقاً أي مصير ينتظره، عالقاً بالشبكة العنكبوتية للسلطة السياسية – المصرفية، مأموراً بفائض قوة حزب الله، محشوراً بدسائس القصر وجبران باسيل، مخنوقاً بسطوة نبيه برّي، محاصراً من "مرجعية" طائفته (الحزبية والدينية)، مرذولاً من أهل الثورة، مستضعفاً من الجميع، في الداخل والخارج.

على كل حال، ما قاله دياب يوحي أن لا مسّ بأي خطة كهربائية لباسيل، ولا تغيير بأي تشكيلة يريدها عون في القضاء، ولا اقتراب من أي مجلس إنماء وإعمار وجنوب.. ولا تدقيق في أي صندوق أو مصلحة أو مؤسسة أو معبر أو مرفق أو مطار أو مرفأ. ولن يتجرأ على الالتفات نحو المصارف وأصحابها. لن يقوم بأي حركة تزعج أهل السلطة وبطانتها. سيكتفي فقط بتعليماته من نوع بأي لون حبر يجب أن يوقّع الوزراء أو نوع الورق الذي عليهم استخدامه.. شيء من هذا القبيل "التكنوقراطي" أو البيروقراطي وحسب.

لكنه حسان دياب، الذي في كلامه اللائق ببيان استقالة، سيكون راضياً أن يسترخي على كرسي رئاسة الحكومة ماضغاً الفشل، مبتلعاً الخيبة.. ورافضاً المغادرة. سيبقى رابخاً في فساحة السرايا مسروراً بذاته التي "وصلت إلى القمة".

وبصحبة هذا الرجل سنسلك طريق الجلجلة!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها