الأربعاء 2020/02/26

آخر تحديث: 00:03 (بيروت)

عون يثأر لهزائمه باستيلاء باسيل على صخور نهر الكلب

الأربعاء 2020/02/26
عون يثأر لهزائمه باستيلاء باسيل على صخور نهر الكلب
يصرّ العونيون على مماهاة وجودهم مع الكيان اللبناني، وتخوين من يخالفهم (الأرشيف)
increase حجم الخط decrease
قد يفيد البحث التاريخي عن جذور القيادات المارونية واختيارها مقر سكنها في لبنان، في الكشف عن رغبة التيار العوني المحمومة وإصراره على إقامة مقره الرئيسي فوق صخور نهر الكلب التاريخية والأثرية، وما تمثله تلك الصخور في الوجدان العوني واللبناني.

فالعونيون يصرون على مماهاة وجودهم مع الكيان اللبناني، وتخوين من يخالفهم. ولطالما مثّلت العاصمة بيروت نقطة جذب للقيادات اللبنانية كلها. وكان الموارنة ينظرون إلى مقر سكنهم بوصفه مكملاً لزعامتهم، التي لا تكتمل إلا بمقر سكني في بيروت، خاصاً وشخصياً أو حزبياً ورئاسياً.

آل إدة والصنائع
الرئيس إميل إده سكن في محلة الصنائع البيروتية، ولا يزال منزله قائماً إلى اليوم. ويقال إن وريث المنزل، العميد ريمون إده، وقفه للذكور من العائلة ومنع بيعه، على الرغم من أن ترشح آل إده للانتخابات كان في بلاد جبيل.
لكن سجلات قيد نفوس آل إدة لم تكن يوما في بلاد جبيل، بل في العاصمة بيروت. ومنزل الرئيس إميل إده البيروتي، كان نقطة الجذب للمحازيين الإديين (الكتلة الوطنية)، وليس مراكز الحزب في الأطراف، على كثرتها وكثرة المنتسبين إلى الحزب فيها.

شمعون الأشرفية والسعديات
الرئيس بشارة الخوي أقام في قصر القنطاري الرئاسي، الذي أقام فيه من بعده الرئيس كميل شمعون، الذي لم يغادر بيروت يوماً. وهو أنشأ مقر حزبه "الوطنيين الأحرار" في محلة السوديكو.
وقصر  القنطاري الذي اشتراه رفيق الحريري، ما زال حتى اليوم يُعرف بقصر بشارة الخوري أو قصر كميل شمعون. وشمعون أقام وسكن في قصر السعديات، إحدى بلدات ساحل الشوف القريبة من دير القمر، معقله الانتخابي. ثم أقام في محلة السيوفي بالأشرقية، بعد اندلاع الحرب في العام 1975.

بيروت الجميل وحزبه
بعد أحداث 1958، أدرك الموارنة أهمية حضورهم  الديموغرافي في العاصمة. فبدأت حملة نقل نفوسهم إلى بيروت، لتعزيز حضورهم السياسي البيروتي. فترشح رئيس حزب الكتائب بيار الجميل للانتخابات النيابية عن المقعد الماروني في الأشرفية، رغم أن معقل عائلته هو بكفيا في المتن. وأنشأ الجميل المقر الرئيسي لحزبه، الكتائب اللبنانية، في محلة الصيفي، على المدخل الشمالي للعاصمة.
ولا يزال المقر الرئيسي للحزب قائماً إلى اليوم في مكانه. وسكن بيار الجميل مع عائلته قرب مكتبة الجامعة اليسوعية في التباريس، أو شارع مونو، لينتقل بعده إلى الدورة بعد اندلاع الحرب في العام 1975.  من دون أن ينتقل إلى بكفيا مسقط رأسه ومقر تسجيل قيده في سجلات النفوس. وهو لم يترشح عن المقعد الماروني في المتن.

زغرتا فرنجية للانتخابات
وزير الخارجية الأسبق حميد فرنجيه، كان في عز مجده السياسي يقيم في بدارو ببيروت. وفي حوادث 1958 انتقل للإقامة في محلة الروشة حتى مماته، ودفن في زغرتا، مسقطه والتي كان نائبا عنها. لكن زغرتا لم تمنحه أكثر من زعامة محلية، لم تعرف مداها، إلا في نشاطه السياسي في العاصمة، ومنها خارج لبنان.

فالنخب السياسية والثقافية والاجتماعية المارونية كانت تضفي بعداً سياسياً ووطنياً واسعاً على دورها بانتقالها إلى العاصمة بيروت، إقامةً ومقر عمل.

حصن جعجع معراب
لكن هذا كله بدلته الحرب وأنهته. إذ أدت إلى تصدر قيادات حديثة مكان تلك التي اكتسبت شرعيتها بفعل نشاطها وديمومتها وحضورها في الشأن السياسي والثقافي والاجتماعي في بيروت، مركز النشاط العام اللبناني العام والجامع.

ففي الحرب برز مسيحياً نجم كل من قائد القوات اللبنانية سمير جعجع، والجنرال ميشال عون. الأول أقام مقره في محلة معراب في عمق كسروان. وكان قبل ذلك في غدراس التي لا تبعد كثيرا من معراب. وهو اليوم في معرابه يقيم في ما يشبه الحصن، ما يحول دون انتقاله بسهولة إلى العاصمة، لأسباب أمنية، تحد من حركته السياسية.

عون - باسيل: ثارات رمزية
الجنرال ميشال عون، من مواليد حارة حريك. لكن الحارة لم تعنِ له شيئاً، سوى أنها مقر ولادته الطبيعية، وولادته السياسية الثالثة بعد توقيعه تفاهمه مع حزب الله في كنيسة مار مخايل في الشياح المتصلة بحارة حريك. وهو التفاهم الذي أوصله إلى قصر بعبدا الرئاسي، بعد ولادة تياره السياسي أثناء غيابه في فرنسا.

وكانت وزارة الدفاع المقر لانطلاقه، قبل قصر بعبدا. وحين عاد إلى لبنان أقام في الرابية، بدلا من العاصمة.

الوزير باسيل وبوصفه وريثاً سياسياً للجنرال عون، يسعى بدوره للبحث عن مقر يضيف شيئاً ما ومكاناً ما إلى ما ورثه عن عمه، سواء بحق أو من دون حق. شرعية تنطلق من المقولات العونية، الباحثة دائما عن جغرافيا مكانية لها رمزيتها، لاستخدامها عند الضرورة.

في البداية اختير المقر الرئيسي للتيار العوني في محلة ميرنا الشالوحي. وهي التي شهدت هزيمة الجنرال عون في حرب إلغائه على القوات اللبنانية. لذا عاد إليها في السلم ليقيم فيها مركزاً يستخدمه ثأراً رمزياً للمعارك، وليستدر عطفاً على الجيش اللبناني، حين كان الجنرال عون قائده وهزم في محور ميرنا الشالوحي.

واكتشف باسيل أن مقر ميرنا الشالوحي مهدد من "موتسيكلات" حركة أمل، بعد تظاهرة "الموتسيكلات" التي كادت أن تؤدي إلى فوضى لا تحمد عقباها.

وفي مسيرة البحث عن مقر للتيار العوني، ولدت فكرة صخور نهر الكلب، لما لها من رمزية في الوجدان الوطني اللبناني. فعلى تلك الصخور سُجِّلت هزائم الغزاة الذين احتلوا لبنان على مرّ التاريخ. فأراد باسيل وعمه التماهي مع الصخور، بوضع اسمهما واسم تيارهما ومقره الصرحي إلى جانب الصخور التاريخية. محاولة باسيل الأولى باءت بالفشل، حين حُمِلت لوحة تؤرخ لجلاء الجيش السوري عن لبنان، بمعية صحبه العونيين. لكنه تلقى اتصالاً أعاده خائباً، ولم تُنصب اللوحة على الصخور. هذا قبل يبتلع العونيون ألسنتهم في كلامهم على الاحتلال السوري الأسدي المديد للبنان.

ومع الفشل في تثبيت لوحة الجلاء السورية، عاد باسيل إلى الصخور من بوابة الرهبنة اللبنانية المارونية. استأجر أرضاً على التلة الصخرية التراثية ليقيم عليها المقر الرئيسي لتياره.

وفوق الوجه التراتي والتاريخين هناك الجانب الوجداني في هزائم الجنرال والتيار العوني. فمحلة نهر الكلب استعصت على الجنرال في حرب الإلغاء، وانتهت الحرب من دون أن يستطيع إحراز أي تقدم ميداني هناك. وبقي ما قبل نفق نهر الكلب ليس كما بعده. وفي 23 كانون الثاني من العام 2006، سعى التيار العوني إلى القيام بـ"انتفاضة" شعبية، فقطع الطريق في محلة نهر الكلب مع طرقات عدة في المنطقة الشرقية. وكان فتح طريق نفق نهر الكلب في 2006 أول عمل كُسرت فيه الحلقة المتماسكة لقطع الطرق، فتوالى بعدها فتحها من المدفون إلى جبيل.

عودة التيار العوني اليوم إلى نهر الكلب، لا تقيم وزناً للشأن البيئي، بل هي تصدر عن خلفية تاريخية ديماغوجية وثأرية متناسلة، وتسعى إلى توظيف التلة الصخرية خدمة للسياسة، ولاكتساب شرعية مكانية ورمزية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها