الثلاثاء 2020/02/25

آخر تحديث: 00:02 (بيروت)

في بشرّي: "القوّات" مع 17 تشرين.. ستريدا ضدها

الثلاثاء 2020/02/25
في بشرّي: "القوّات" مع 17 تشرين.. ستريدا ضدها
"مع الثورة وين ما كان إلاّ عندي بالدكان" (المدن)
increase حجم الخط decrease

"بشري كبِّت تفّاحا وانتِ بقصرك مرتاحة". شعار رفعه الأهالي في أول تحرك لهم بعد حوالى أسبوع من انطلاق انتفاضة 17 تشرين. حينها، كان رأي شباب بشري المستقلين إنه ليس الوقت لفتح هكذا معارك في بيئة ضيقة، فضلاً عن أن شعار "كلن يعني كلن" كافٍ، ولا داع لاستفزاز يُمكن الاستغناء عنه ولا يُقدم أو يؤخر.

حينها تدخلت ألين طوق لسحب اليافطة، لكن التظاهر في معقل القوات اللبنانية، لن يمرّ، على الرغم من أن القوات كانت قد عبّرت غير مرة أنها مع الانتفاضة ومع ما يُقرره اللبنانيون

الثورة و"فرصة للحياة"
مُنذ أن بدأت انتفاضة 17 تشرين كان للقوات موقف واضح. إذ هم يعتبرون أن سنوات وجودهم في السلطة لم تورطهم في الفساد، بل على العكس. يرون أداء وزرائهم المتعاقبين على الحكومات، جيد وأكثر. والحقيقة ليست بعيدة كثيراً عن هذا الواقع. حتى أنهم كانوا أول المبادرين للاستقالة من الحكومة التي ثار اللبنانيون ضدها. أكثر من ذلك، أعطت القوات لمناصريها حرية المشاركة في الانتفاضة. وفي مكان ما، كانت تريد منهم أن يُشاركوا وبفعالية. وقد ظهر ذلك علناً في الأسابيع الأولى التي تلت استقالتهم.

لكن هذا الواقع القوّاتي المُتفق مع مطالب الشارع والدافع له، لا ينسحب على بشري. فألين طوق التي طلبت عدم رفع اليافطة، هي ابنة بشري، ولا تنتمي سياسياً إلى أي طرف، معروفة بالعمل التطوعي ورأست جمعية "فرصة للحياة" منذ العام 2016، حين تمنت عليها النائبة ستريدا جعجع ذلك، واستقالت منها بعد أربع سنوات ناجحة، أيضاً بطلب من النائبة جعجع، على الرغم من أن ما قدمته ألين في مدة رئاستها للجمعية كان أكثر من جيد، حسب ما يقول كل من عمل معها. فما الذي تغيّر وجعلها غير مقبولة لدى نواب القضاء الذي يمولون الجمعية؟

لم يشفع لألين أنها تدخلت في التظاهرة الأولى التي نظمها المستقلون في بشري، وشاركهم فيها بعض القواتيين، أنها حاولت قدر الإمكان ألا تستفز الشارع الحزبي الذي كان مع الانتفاضة. ألين ورفاقها من المؤيدين والمنتمين إلى روحية 17 تشرين، تظاهروا لأول مرة في بشري تحت شعار "كلن يعني كلن"، ثُم عادوا وتظاهروا مرة أخرى بعد اغتيال الشاب علاء أبو فخر، شهيد الانتفاضة. وبين هذا وذاك كانوا ينظمون حلقات توعية، أقفلوا أمامها أبواب مكتبة جبران خليل جبران. فاضطروا أن يُنظموها في مكان آخر لا أحد يُمكنه إقفاله أمامهم.

تهمة الشيوعية
هذه الحركة التي كانت ألين جزءاً منها، أوصلتها إلى المحظور. طلبت النائبة جعجع اجتماعاً لأعضاء الجمعية يوم 4 شباط في معراب، تحدثت خلاله جعجع لأكثر من ساعة متوجهة فيها إلى ألين بانتقاد واضح لمواقفها السياسية بعد 17 تشرين، لتنتهي بطلب صريح منها أن تبدأ البحث عن رئيسة تخلفها. وحين قال عدد من الأعضاء إن الأمور يُمكن أن تُحل بطريقة أخرى، كان رد ستريدا: "الدني ما بتخلى من الأوادم"، لتحسم النقاش نهائياً.

وكانت ألين قد وجّهت رسائل إلى النائبة جعجع شارحةً موقفها من ما يحصل في البلد بشكل شفاف، وطالبةً منها أن تستمع إلى صوت شباب بشري. وتذكر أنه لم يأتها جواب على تلك الرسالة، إلا من خلال الاجتماع حين لامتها ستريدا على شعار "كلن يعني كلن".

في اليوم التّالي للاجتماع، قررت ألين أن تتحدث وتخبر ما حصل معها، من خلال منشور على فايسبوك. ثم بدأت الاتهامات تتوجه إلى المتظاهرين بأنهم "يُشاركون وينسجون مؤامرة ضد ستريدا"، كما روجوا أن من يتظاهر تحت شعار "كلن يعني كلن" ومن يقوم بهذا الحراك في المدينة، يريد أن يُشكل فرعاً للحزب الشيوعي في بشري، وهذا ما لن يُسمح بحصوله، كما يقولون. الحملة التي بدأت مع ألين توسعت لتطال العديد من المعترضين، الذين صار بعضهم هدفاً للجيش الإلكتروني التابع للقوات، مع تسريبات تطلب من المناصرين والمحزبين أن يردوا على كل من ينتقد ستريدا بشكلٍ قاسٍ، بعدما مارسوا ضغوطاً على القواتيين كي لا يشاركوا في تظاهرات بشري، كما يقول من شارك في التحركات منذ بدئها.

الجملة البليغة في مجلس النواب
قضية ألين استمرت بالتفاعل، بعد عدة أيام من إقالتها، وبعد رد فعل الكثير من أهالي المدينة على ما حصل، كونهم يعرفون ما قدمته من خلال ترؤسها للجمعية. هكذا، دعا رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وزوجته مجموعة من أهالي بشري المؤثرين إلى مأدبة عشاء، يُقال إن الدعوات وُجهت لـ250 شخصاً حضر منهم 110. خلال العشاء، قال جعجع إن ستريدا بالفعل طلبت من ألين أن تستقيل، لأنه حين سألتها النائبة جعجع عما إذا كانت هي، أي ستريدا، بالخانة ذاتها مع (نبيه) برّي، كان جواب ألين: نعم. وهذا ما استدعى اتخاذ قرار الإقالة.

لكن لبعض من كان في الاجتماع مع ستريدا رواية أخرى، غير تلك التي رواها رئيس الحزب. يقولون إن ستريدا توجهت لألين بالسؤال: "كلن يعني كلن والقوات منهم"؟ فردت الأخيرة: "كلّن يعني كلن تحت سقف القانون وأنا منهم". هنا، قالت ستريدا ما حرفيته: "عجبتني الجملة، رح استعملها بمجلس النواب". وهكذا حصل، في خطابها أمام مجلس النواب في جلسة إعطاء الثقة، رددت النائب جعجع الجملة التي قالتها لها ألين والتي تسببت بإقالتها من الجمعية.

لم تقف الأمور عند هذا الحد، تفاعلت قضية ألين أكثر، ما استدعى إصدار بيان موقع من "أعضاء جمعية فرصة للحياة" يفندون فيه ما قالته ألين ويشرحون فيه وجهة نظر "القوات"، وأن ألين لا تتفق مع سياستهم. لكن الملفت أن الردود على هذا البيان أتت عكس ما يشتهيه من أصدره، إذ تبين أن بعض أعضاء الجمعية لم يطلعوا على البيان ولا يوافقون على مضمونه.

عقدة المعقل
الرواية التي تقولها ألين ومن معها، وروايات كثيرة غيرها ستظهر إلى العلن، تشي بأن القوّات في بشري، غير القوّات في كل باقي المناطق. فالحزب الذي يدعم التغيير والشفافية والمحاسبة ويرفع شعار مكافحة الفساد، من غير المعقول أن يكون نفسه من يقمع من يطالب بالشعارات نفسها، وهنا السؤال: بماذا تختلف بشري عن باقي المناطق ولماذا هذا الخوف من الصوت المختلف فيها؟

في المحصلة، 17 تشرين غيرت الكثير، لكن من يسمع خطاب القوات في المرحلة الماضية، يتوقف كثيراً عند سلوكها في معقلها. عادةً، تكون الأحزاب مرتاحة في معاقلها، كون الولاء يكون أعلى. لكن هذا الأمر لا يبدو حقيقياً في بشري. هناك من يقول تعليقاً على تصرفاتهم: "مع الثورة وين ما كان إلاّ عندي بالدكان". جملة تختصر المشهد، أو أقله تختصر واقع أن التغيير مُخيف، حتى لمن يرى أنه من خارج كُل هذه المنظومة. وهذا تحدٍ جدي للقوات. كيفية الخروج منه يُحدد قربهم من 17 تشرين، أو العكس تماماً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها