الإثنين 2020/02/24

آخر تحديث: 00:03 (بيروت)

التفاف السلطة على المعارضة الشعبية

الإثنين 2020/02/24
التفاف السلطة على المعارضة الشعبية
يعمد العونيون إلى تطهير الذات في مطهر اتهام الشركاء الآخرين (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease

السلطة اللبنانية قادت البلد إلى الانهيار المالي والاقتصادي، وفي السياق أخذته إلى الانهيار السياسي وإلى تراجع وانحسار رقعة أخلاقيات المواطنة، التي منها الصدق والشفافية والمكاشفة واحترام قواعد العلاقة المجتمعية.. هذه التي من المفترض أنها تضبط سلوكات مختلف الأطراف.

مناورة الحاكم
في ظل هذا الانهيار الشامل في السلوكات وفي أخلاق "المواطنة العامة"، يستسهل طرف حاكم النزول إلى الشارع كمعارض، وينبري لهذا الطرف طرف سياسي آخر معارض من ضمن الحكم، ليلقي خطاباً، ظاهره الانتماء إلى حركة الاعتراض الشعبية، وباطنه إدارة "حرتقات" سياسية لا ترقى إلى مستوى اقتراح أداء جديد للحكم وفي الحكم، ولا تقيم اتصالاً حقيقياً مع المطالب الشعبية التي طُرحت كقضايا احتجاج واعتراض، بسبب من أداء التشكيلة الحاكمة والمتحكمة، متكافلة ومتضامنة، أو متنافرة ومقيمة على مناكفة واستنكاف.

جديد الأداء السلطوي المناور نزول التيار الوطني الحر إلى الشارع محتجاً على حاكم مصرف لبنان! التيار المذكور طرح أسئلة على "الحاكم"، وتظاهر ليلح على الحصول على الجواب. أول ما يطالع السامع والقارئ، الطلب إلى التيار أن يرد على أكثر من جواب عن كل سلوكه السياسي الذي أفسد مع من أفسد، سياق وعجين الحياة الوطنية، فهذا السلوك يستدعي مراجعة اعتذارية من اللبنانيين عن سنوات التعطيل الطويل، في الماضي القريب وفي البارحة التي لمّا تذهب بها ريح النسيان. لن تستطيع المراجعة الاعتذارية تجاهل أو إسقاط سياسة "المزايدة" الإلتحاقية، داخلياً وإقليمياً، لأسباب فئوية توسلت التجييش المذهبي والطائفي من أجل كسب شخصي، ودائماً على حساب كل المصالح الوطنية.

وما يدعو إلى العجب، أن التيار الحاكم الذي انتفض على "حكم المصرف"، فعل ذلك و"مؤسس التيار" هو رئيس الجمهورية، والنواب الذين يشكلون "كتلة إصلاح وتغيير" ليسوا قلة، ورئيس التيار يخوض معاركه ليكون صاحب الحصّة الأكبر ضمن طائفته، لأنه يملك عدد النواب الأكثر، وتمثيله السياسي الشعبي أوسع.. ومع علم التيار بذلك، وبالاستناد إلى سطوة وجوده في مواقع الحكم، يتحرك في الشارع تحركاً تضليلياً، أو مناوراتياً، فيرفع من موقع الحاكم الرسمي، صوت "المحكوم" المعارض الشعبي. كيف يمكن وصف هذا السلوك؟ لعل الوصف الأقرب إلى هذه الحالة "الإزدواجية" هو الوصف السياسي الذي يذهب إلى حد التحذير من مناورة التيار الوطني الحرّ، فهذا الأخير يطمح إلى الجمع بين "نعمة" الموقع الرسمي، وبين "نقمة" الشارع الشعبي، فإذا كان له ذلك، تمكَّن من استخدام مناخ النقمة لتعزيز موقع النعمة، في سياق كيدية سياسية انتقائية، تقصي أطرافاً وتقرِّب أطرافاً أخرى، بتهمة "الفساد" الرائجة، بحيث يتسنَّى "للتيار" تطهير الذات في مطهر شتم الشركاء الآخرين الفاسدين، في الحكم وعلى أطراف هذا الحكم أيضاً.

مخاطر التحرك الشعبوي
تتشارك أحزاب الحكم، في السلطة وخارجها، الصفة الطائفية والمذهبية، لذلك فإن تحرك أي حزب منها تكون حصيلته زعامات أهلية في مواجهة زعامات أهلية، وهذا من شأنه صرف أنظار الشارع عن أهدافه السياسية الحقيقية التي تستهدف كل التشكيلة الحاكمة من "موالاة ومعارضة". في سياق التحذير المنوَّه عنه، شهد الشارع تحركات معترضة على تحرك التيار الوطني الحر، من قبل مناصري الحزب التقدمي الاشتراكي، فهؤلاء وإن سمحوا "للأغيار" الشعبيين في الشارع بتوجيه الاتهام إلى "الرفيق وليد جنبلاط"، فإنهم لا يظهرون تسامحاً حيال "الزميل جبران باسيل" الذي ينسبون إليه كل محاولات إذكاء الفتنة الطائفية في الجبل، وكل سياسات التعطيل الحكومي، وكل الطموح الرئاسي الذي جنَّد "الوزير الأول" إمكانات رسمية وشعبية وأهلية في سبيل جعله طموحاً واقعياً، تلمسه اليد وتراه العين. الحركة الاعتراضية التيارية، والاعتراض الاشتراكي على الحركة الاعتراضية، طبع الساعات القليلة التي كانت كل عمر الفعل والفعل المضاد، بطابع المناكفة بين أطراف السلطة، وأقصى إلى حين "ساعاتي" قليل، إسم الحركة الشعبية التي لم يصل صوتها إلى أذهان الحاكمين، بعد كل الشهور التي مضت على يوم انطلاقتها.

صوت التحرك الشعبي
لا يستطيع التحرك الشعبي أن يقف محايداً في مواجهة تحرك شعبي نظامي يأخذ الشعار ويحيله إلى رصيد يبدد مخزون الأرصدة الشعبية. كذلك لا يستطيع التحرك تجاهل الحركة الاشتراكية التي ما زالت تستفيد من تاريخها الشعبي في القرن الماضي، هذا الذي ودَّعته بعد انضمامها إلى منظومة اتفاق الطائف، فتصرفت ضمن هذه المنظومة بصفتها "الزعامة الرابعة" التي أدارت البلد بالتحالف مع الترويكا الزعاماتية الطائفية الأخرى. تمييز الذات الشعبية في مقام تبيان أبعاد ومعاني وأهداف حركة التيار الوطني الحر، يوجب تمييز الذات أيضاً عن سياسات الحزب الاشتراكي، وتبيان ما يرمي إليه كطرف ذي صلة سابقة بالحركة الشعبية، وذي صلة حالية ملتبسة بالتحرك الشعبي الذي يتابع عملية مخاضه الطويلة.

التمييز ليس انكفاء وإغلاقاً على الذات، وليس رفضاً لنسج علاقات تضامن وتحالف ومشاركة مطلبية، لكن ذلك لا يكون إلا على أساس لقاء برنامجي مشترك، وعلى أساس إعادة تحديد الموقع من النظام اللبناني وضمنه، وعلى أساس القرب من المطالب الشعبية وأهدافها البعيدة، أو الابتعاد عنها، أو الوقوف على الطرف المناهض لها.

ما أشير إليه يشكل عملية اجتماعية متدرجة، وفي هذه العملية لا تكون المشاركة من خلال كلمة "نعم"، أو من خلال رفع "إصبع الموافقة"... للمشاركة عناصر كثيرة، يعرفها الحاكم ويعرفها المحكوم... وحتى لحظة أخرى، لن تمر مناورات الالتفاف على نبض الحركة الشعبية، يجب أن لا تمر. فحذار.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها