الجمعة 2020/02/21

آخر تحديث: 00:13 (بيروت)

تشدّد أميركي: تضييق الخناق على لبنان لتتوجع إيران

الجمعة 2020/02/21
تشدّد أميركي: تضييق الخناق على لبنان لتتوجع إيران
ليس مستبعداً أن تقدم أميركا أو إسرائيل على عمل عدواني (Getty)
increase حجم الخط decrease

تشبّه نظرةٌ سياسية خارجية الواقع اللبناني، بغريق يتخبط في مياه متحركة. بلا أي مسار واضح لمساعدته أو إنقاذه بإيصاله إلى برّ الأمان، أو مرسى الإستقرار. كل الكلام الذي تنشغل به القوى السياسية اللبنانية حول الإجراءات الواجب إتخاذها لتجنّب الإنهيار، في جزء منه وهمي وإعلاني بلا أي قواعد جدية، أو برنامج واضح قادر على إخراج البلاد من حالة غرقها، بما في ذلك الرهان على مساعدات المجتمع الدولي والمؤسسات المالية والنقدية العالمية. حتى أن المفاوضات التي تجري مع صندوق النقد الدولي، لن يكون مفعولها إلا بمثابة دفع رأس الغريق إلى فوق الماء ليتنفس القليل من الأوكسيجين. وهذا لا يعني إنقاذه.

الجرح والدواء
النظرة الدولية وتحديداً الأميركية للبنان متشائمة جداً، وتطال الكيانية اللبنانية. هناك مرحلة سياسية وجيوستراتيجية دلختها منطقة الشرق الأوسط ولبنان حتماً سيكون من ضمنها، لذلك لا تبدو أي من الدول معنية بإنقاذ لبنان أو الحفاظ على كيانه، وهذا ما سمعه المسؤولون اللبنانيون من مختلف المسؤولين الدوليين، وعبّر عنه وفد صندوق النقد الدولي الموجود في بيروت، بأن الحلّ والقرار يرتبط بإرادة اللبنانيين، على قاعدة "في يدك الجرح وفي كفّك الدواء". ولذلك يغيب أي موقف دولي جدي وحقيقي لإنقاذ لبنان من أزمته ما لم يعمل هو على حلّ هذه الأزمة، وهذه المنظومة التي تصفها القوى الدولية بالمنظومة الإقليمية الجديدة التي تنشأ، سيكون الواقع فيها مختلفاً عن ما كان عليه الوضع سابقاً، ولذلك يظهر غياب دول الخليج العربي عن الإهتمام بالملف اللبناني بشكل مباشر، والغياب عن تقديم المساعدات.

"جنرال إلكتريك"
والمرحلة الجديدة تقتضي تغييرات سياسية، بدأت تظهر منذ فترة من خلال التشدد حيال الملف اللبناني، وصولاً إلى الأزمة الإقتصادية الخانقة التي يعيشها، وشمله بمصير سوريا، العراق وإيران. والأمور لن تقف عند هذا الحدّ، خصوصاً مع حضور السفيرة الأميركية الجديدة إلى بيروت الشهر المقبل، وسط معلومات تتحدث عن أن السفيرة الجديدة ستكون من الجناح المتشدد جداً في الإدارة الأميركية، ومع وجهة النظر الضاغطة إلى أبعد الحدود بدون أي مراعاة للخصوصية اللبنانية.

النظرة الأميركية حيال الوضع اللبناني حالياً، تخلص إلى نتيجة واحدة، وهي أن الوضع لن يتحسن في المدى المنظور، ولبنان سيكون أمام مصير أسوأ، بالتزامن مع المفاوضات التي بدأتها الحكومة مع صندوق النقد الدولي للدخول في برنامج إصلاحي وشروط قاسية جداً، ومن بينها ملف الكهرباء، والذي تكشف مصادر متابعة عن إستعداد وإصرار لدى شركة جنرال الكتريك الأميركية، الدخول إلى مضمار هذا القطاع في لبنان ومستقبلاً والضغط في سبيل الحصول على إدارته في لبنان، وهناك مفاوضات بدأت مع الحكومة اللبنانية بهذا الشأن. ولكن هذه الملفات تبقى في إطار النقاط البسيطة على الطريق الطويل، والذي سيؤسس إلى تغيير حقيقي وجوهري.

صفقة القرن مع إيران
على الصعيد السياسي لا تبدو النظرية الأميركية أكثر اختلافاً أو تفاؤلاً، كل الضغط الأميركي المفروض على لبنان لا ينفصل عن الضغط على إيران والعراق وسوريا، والهجف هو الوصول إلى إتفاق بين الأميركيين والإيرانيين بما يرضي واشنطن، في مشروعها الأكبر، وهو إعادة ترتيب الوضعية الإقليمية المستقبلية، أو النظام الإقليمي، والغاية الأميركية واضحة، تثبيت صفقة القرن وعقدها مع إيران، توفير أمن إسرائيل الإستراتيجي والإنضباط الإيراني، والتعاون للذهاب إلى تقاطعات النظام الإقليمي الجديد، والذي يتركز على خطوط النفط والغاز وسكك الحديد، وما يعنيه ذلك من استقطاب إيران للتأثير أكثر على طريق الحرير الصيني. ولذلك تتشدد واشنطن حالياً إلى أقصى الحدود في لبنان، وهي تتدخل مع كل الدول لوقف أي مساعدة للبنانيين قبل الوصول إلى ما تريد تحقيقه.

ما بعد اغتيال قاسم سليماني لن يكون كما قبله وفق هذه النظرة، هناك أدوار كثيرة ستتغير، وأميركا ستضغط أكثر للوصول إلى مفاوضات مع إيران، قبل الإنتخابات الأميركية. بحال تحققت خروقات في جدار الأزمة واسنداد أفقها حالياً، سيؤدي ذلك إلى بعض التنفس في الدول المحسوبة على طهران، أما بحال عدم تحقيق أي تقدم أو اختراق، فإن الخيار العسكري سيتقدم. خاصة أن دونالد ترامب يخوض معركته الإنتخابية المقبلة بشكل مصيري، وهو الذي اغتال أبو بكر البغدادي وقاسم سليماني، قد لا يتوانى عن تسجيل نقطة جديدة في سجله عبر تنفيذ عملية اغتيال جديدة أو استهداف صيد ثمين يعدّه من الإنتصارات العالمية والهائلة التي حققها. هذا لا ينفصل عن المأزق الذي يعيشه بنيميان نتنياهو انتخابياً، والذي لم يفوت ترامب فرصة لإسداء الخدمات والدعم له. لا تستبعد المصادر أن تطال هكذا عملية لبنان بشكل أو بآخر، أو حتى سوريا ولكن الملفين سيكونان مرتبطين ببعضهما البعض، وأي عملية إغتيال نوعية قد تؤدي إلى تغيير صورة المشهد في لبنان، والمنطقة طبعاً، خاصة أن العنوان الأساسي حالياً يهدف إلى إضعاف حزب الله.

السيء والأسوأ 
وهنا، تشير مصادر متابعة إلى أن هناك وجهتي نظر سيكون لبنان في المرحلة المقبلة، أمام مصير أسود وسيئ، إما تركه ينهار إقتصادية ومالياً وتتجوف الدولة ومؤسساته فيه من الداخل، للوصول إلى صيغة تعيد إنقاذه ترتبط بإتفاق إيراني أميركي بعد تشديد الخناق إلى أقصاه، بشكل يحقق الرؤية الإستراتيجية الأميركية الجديدة وإسرائيل في صلبها، وهذه ستكون نتيجتها تغيير سياسي وإقتصادي ومالي حقيقي وجذري على بنية النظام اللبناني، أما الخيار الثاني، فهو بحال استدعت الحاجة لدى ترامب والإسرائيليين للذهاب إلى شنّ حرب إسرائيلية مدمرة ضد حزب الله ولبنان ككل، تؤدي إلى دمار هائل وتؤسس لتغيير جذري أيضاً، ولكن بنتيجة هذه الحرب سيفوز حزب الله سياسياً بغض النظر عن الدمار العمراني والسياسي والمالي، ولكن أي حرب من هذا النوع يكون هدفها استغلال الوضع الشعبي اللبناني المترهل والسيء إقتصادياً، وجود جو من الإنقسام السياسي والمذهبي، ووجود نقمة سياسية وشعبية على حزب الله، وبالتالي الهدف هو إضعاف الحزب أكثر، وإجباره وإجبار إيران من خلفه على تقديم تنازلات. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها