الجمعة 2020/02/21

آخر تحديث: 18:24 (بيروت)

الجمهور الشعبي.. والجمهور الحزبي

الجمعة 2020/02/21
الجمهور الشعبي.. والجمهور الحزبي
عونيون يلبون دعوة تيارهم للتظاهر أمام مصرف لبنان (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease
على الرُغْم ممّا قد يُعْتَبَرُ مُفارَقةً في هذا الزَعْمِ، أزْعُمُ أنّ التراخي الذي تُظْهِرُه الحركةُ الشعبيّةُ بين محطّةٍ وأخرى يُقِيم الدليلَ على استِقْلالِها! فهو يُثْبِتُ أنّ جماهيرَ الحرَكةِ لا تَسْتَجيبُ، بأحجامِها المُعتبَرة، لدعَواتِ المنسّقين والقياديّين في مواقِعِها وصفوفِها، وإنّما تَسْتَجيبُ لتَطَوُّراتٍ بعينِها تُقَدِّرُ هذه الجماهيرُ بحَدْسِها أهَمِّيتَها وإلحاحَها!

وأمّا ما يخرُجُ عن هذه الفئةِ من مناسباتٍ يَرى القياديّون والمنسّقون ضرورةً للتحَرّكِ فيها فتُلبّى فيه دَعْوَتُهُم من جانبِ جمهورٍ محدودٍ، إلى هذا الحدِّ أو ذاكَ، هو الجمهورُ الذي يواكِبُهُم ويُصْغي إليهِم باستِمرار.
لا ترمي هذه الملاحظةُ إلى الغَضِّ من أهَمّيّةِ القيادةِ والتنسيقِ بَتاتاً. وإنّما تُشيرُ إلى المعنى السياسيّ للتفاوتِ في درجةِ التلْبية. وهذا معنىً إستراتيجيُّ الوَقْعِ إذْ هو يُفيدُ أنّ الجماهيرَ المنخرطةَ في حركةٍ حُرّةٍ لا يمكن (ولا يجوز) لقياداتِها أن تَذْهب بها، في مرحلةٍ ما، إلى حيثُ لا تُريدُ الذهابَ، وهذا مَهْما يَكُن تقديرُ هذه القياداتِ للـ"مصلحة".

فالجَماهيرُ ترسم بحركَتِها خطّاً إجْماليّاً، وإيقافُ هذه الحركةِ قَبْلَ هذا الخطّ ِأو دَفْعُها عَنْوةً إلى ما بعْدَهُ مَعْناه أنّ صفةَ الحُرّيّةِ التي لهذه الحَرَكةِ تُصادَر. والمصادرةُ هذه يتعذّرُ أن تَخْلو من سوءِ العواقب.

في المَساقِ نَفْسِه، تقيسُ أطرافُ السلطةِ كلّها ضرورةَ مشاركتِها (المستَغْربةِ مبدَئيّاً) في الظهورِ الحَرَكِيِّ بمقياسين: أوّلهما انتهازُ الفُرَص لمحاولةِ الخروجِ من دائرةِ الاتّهام الشاسعة التي رسَمَتْها الحركةُ الشعبيّةُ حولَها جميعاً والثاني متابَعةُ تسجيلِ الأهداف في التنازع المعتاد بين هذه الأطرافِ نَفْسِها.. وكأنّ المّجالَ لا يزالُ مفتوحاً، وسطَ الخرابِ الجاري، لهذا التنازعِ وكأنّ أيّامَ عزّهِ لم تَذْهب بها الكارثةُ العامّة.

في غير هذين النوعين من المناسبات، تمدّ أطرافُ السلطةِ يدَ العونِ، هنا وهناك، لقوى القمعِ الناشطةِ في وجهِ الحركةِ الشعبيّة.
وفي كلّ حالٍ، يظهر فارقٌ بارِزٌ بين ظهورِ الجمْهورِ الشعبيّ وظهورِ الجُمْهورِ الحزبيّ في الساحات. فبينما يبدو الأوّلُ عصِيّاً على الضبطِ، إجمالاً، إلّا بمقدارِ ما يضبطُ نفْسَهُ، تبدو حركةُ الثاني مرسومةً سَلَفاً إلى حدٍّ يجعلُ الأتباعَ أشْباهاً للدُمى المعروفةِ وما يتّصِلُ بظهورِها من خيطان...
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها