الجمعة 2020/02/14

آخر تحديث: 00:29 (بيروت)

ذكرى 14 شباط شمالاً: الحريرية الذاوية بصورتها الممزقة

الجمعة 2020/02/14
ذكرى 14 شباط شمالاً: الحريرية الذاوية بصورتها الممزقة
مزّق ثوّار طرابلس وأبناء الشمال صور الحريري ونوابه من دون أيّ اكتراث (Getty)
increase حجم الخط decrease

في سنوات مديدة خلت، ما بعد 14 شباط 2005، كانت شريحة واسعة من أبناء طرابلس ومختلف المناطق الشمالية، تبادر عفويًا وتلقائيًا إلى إحياء ذكرى اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري، إمّا بالمسيرات والتظاهرات المطالبة بإحقاق العدالة، وإمّا برفع صوره وإلقاء الخطابات والكلمات في سبيل هذه الذكرى. وهذه المبادرات الشعبية، لم تكن حكرًا على محازبي تيار "المستقبل" ومناصريه، وإنّما كانت عابرة لكلّ التلوينات والشرائح والأطياف الشمالية، ومنبثقةً من رؤى وأحلام انتفاضة 14 آذار المليونية. كما عكست ما سعى أن يرسيه الحريري الأبّ قبل رحيله.

التحول السلبي
عامٌ تلو آخر، تبدّل المشهد في الشمال رأسًا على عقب في التعاطي مع هذه الذكرى. وطبعًا، ليس لأنّ مكانة رفيق الحريري في القلب الشمالي تزعزعت أو قلّ شأنها. جزءٌ كبير من هذا التحوّل السلبي، ترافق مع تبدد أحلام 14 آذار، وتحولها هي الأخرى إلى مجرد وهمٍ أو فكرة، أو ربما ماتت مع شقّ صفوف قواها وتخليهم الكليّ عنها لصالح حساباتهم و"صفقاتهم" ومصالحهم الشخصية. أمّا الجزء الأكبر من هذا التحوّل السلبي، فهو يرتبط مباشرة بنهج زعيم تيار "المستقبل" نفسه سعد رفيق الحريري، وتطور (أو تقهقر) علاقة أبناء الشمال معه، إلى أن أضحى إحياء هذه الذكرى عبارة لـ"منسقيات" المستقبل دون سواها.

بعد 15 عامًا، يُحيي رئيس الحكومة الأسبق اغتيال والده، اليوم الموافق لـ 14 شباط، في بيت الوسط، وهو خارج السلطة و"التسوية"  الرئاسية، بينما يعد جمهوره بخطابٍ "مفصلي" وتاريخي، لم يسبق أن ألقى مثيلًا له بحجم المصالحة والمصارحة. ورغم كلّ محاولات تيار "المستقبل" الترويج لاحتفالية هذه الذكرى وخطاب رئيسه، إن لجهة توزيع كُتيّب وعرض فيلم تقريري يوثّق "إنجازات" الحريري الأبّ (راجع "المدن")، لكن، تبقى العناوين العريضة لهذا الخطاب غير مفاجئة، ومعروفة، وقد مهّد لها الحريري في الأيام الأخيرة، بالهجوم على العهد وحلفاء التسوية السابقين، وعلى كلّ من يصوّب سهامه باتجاه "الحريرية السياسية".

سكون رهيب وتمزيق صور
لم يتعاطَ أبناء طرابلس والشمال، مع دعوات "المستقبل" الاستثنائية، بأيّ تجاوبٍ إيجابي ملحوظ. ففي الأيام الماضية، وخلافًا للعادة سنويًا، لم تشهد هذه المناطق أيّ تحركٍ باتجاه إحياء ذكرى 14 شباط، ولا لمسيرات مكبرات الصوت التي تدعو الناس لأوسع مشاركة. لقد مرّت بسكون رهيب ومريب، لا يجد أيّ تفسيرٍ له سوى بمعادلات ومنطق ثورة 17 تشرين الأول 2019. ومهما كان حجم ومفعول الخطاب "المفصلي" الموعود، لم يترك في نفوس معظم الشماليين أيّ فضولٍ يُذكر، بعد أن كانوا لسنواتٍ مضت خزّان التيّار الأزرق ومعقل عصبه، بينما الحشد الشمال باتجاه بيت الوسط، اقتصر على أنصار التيار ومنسقياته.

وخلافًا لما كان سائدًا، أقدم عدد من المحتجين في عكار على تمزيق صور الرئيس سعد الحريري، كما قاموا بكتابة عبارات الثورة و 17 تشرين عليها. في وقتٍ كان يعمد تيار "المستقبل" إلى تعليق صور ولافتات للرئيسين الحريري الأب والابن، في المناطق كافة، بمناسبة ذكرى الاغتيال، وبمحاولةٍ غير مباشرة لإعادة الزخم الداعم للتيار ورئيسه.

الثقة المفقودة
وواقع الحال، فإنّ اضطراب العلاقة الذي أحدث فجوةً كبيرةً بين سعد الحريري والشمال، ليس من تداعيات ثورة 17 تشرين وحسب، وإنّما هو نتيجة مسارٍ دراماتيكي طويل، تأجج بعقده التسوية الرئاسية في العام 2016 مع التيار الوطني الحرّ وبغطاء حزب الله. حينها، لم يقتنع أبناء هذه المناطق بما قدّمه الحريري من تبريرات لقبوله بهذه التسوية تحت حجة "المصلحة الوطنية". ردّ الشماليون على الحريري في الانتخابات النيابية في العام 2018. ورغم كلّ محاولاته الشعبوية التي بذلها حينها مع التيار وأمينه العام أحمد الحريري، في وقتٍ كان يروّج لتحالفاته في الشمال، معلناً الدعم للوزير السابق جبران باسيل مسميًا إياه "صديقي"، خسر جزءًا كبيرًا من مقاعده، ولم تعد المقاعد السنية حكرًا لتياره. استمرّ الحريري في الانتخابات وبعدها بتودده "البائس" تجاه طرابلس ومحيطها، وأطلق منها وعدًا بتأمين 999 ألف وظيفة لم يتحقق منها غير مزيدٍ من البؤس والفقر والبطالة.

الصاعقة الأكبر التي وقعت على الحريري في طرابلس، كانت بالانتخابات الفرعية في نيسان 2019، التي لم يستطع أن يحشد فيها تيار "المستقبل" لنائبته ديما جمالي، سوى 13 في المئة من أصوات المقترعين، بينما اعتكف 87 في المئة من أبناء المدينة عن المشاركة في التصويت لها! كذلك، أزمة الحريري المالية، وما تبعها من صرف آلاف الموظفين في مؤسساته ومكاتبه ومن سعودي أوجيه، وإغلاق التلفزيون والجريدة، ترك أيضًا ندوبًا كبيرة في الشمال، بلغت درجة تزعزع الثقة إن لم نقل فقدانها بالكامل.

صفعة 17 تشرين
جاءت ثورة 17 تشرين صفعة مدوية لكلّ الطبقة السياسية الحاكمة، بمن فيهم الحريري وتياره السياسي. مزّق ثوّار طرابلس وأبناء الشمال صور الحريري ونوابه من دون أيّ اكتراث، رغم محاولات خرقهم للثورة لاحقًا، بواسطة بعض "المفاتيح الانتخابية". لا شكّ أن تيار مستقبل كما حال كلّ الأحزاب والتيارات السياسي، لم يخسر قاعدته الشعبية بالكامل. أما السؤال فيبقى، عن نسبتها وفاعليتها وقدرتها على كسر ما حققته و"تحققه" الانتفاضة الشعبية ما بعد 17 تشرين الأول. عندما قال الحريري قبل أيام "ما رح يكون عندي شغلة ولا عملة إلا التيار وتنظيمه وتحسينه"، فهو كان يقصد على الأرجح أنّه لن ينشغل سوى باستعادة قاعدةٍ شعبية انحسرت لدرجة التبخر.

لكن، هل ينتظر أبناء الشمال فعلًا خطابًا مفصليًا بعد خروج الحريري من السلطة والتسوية والردّ على خصوم "الحريرية السياسية"؟ الجواب الأكيد حتمًا، هو أنّ الشماليين كما الحال جميع اللبنانيين، لا ينتظرون سوى من ينقذهم من مستنقع الأزمة الاقتصادية والفساد الكبير الذي أنتجه هذه الطبقة السياسية، "كلها يعني كلها"، لأن عقارب 17 تشرين، لن تعود إلى الوراء بعد اليوم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها