الجمعة 2020/12/18

آخر تحديث: 14:35 (بيروت)

تشكيل لوبي مسيحي: الفيدرالية مقابل المثالثة

الجمعة 2020/12/18
تشكيل لوبي مسيحي: الفيدرالية مقابل المثالثة
لم تنجح بكركي حتى الساعة بجمع الأحزاب المسيحية على شعار "الحياد الناشط" (الأرشيف، موقع بكركي)
increase حجم الخط decrease

في الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي، إيمانيول ماكرون، توجّه البطريرك الماروني، مار بشارة بطرس الراعي، من مقره الصيفي في الديمان إلى قصر الصنوبر في بيروت، للقائه، مقدماً له ورقة من نقاط عدة. لعل النقطة الأهم، التي كانت تعني الراعي يومها ولا تزال حتى الساعة، هي: النظام السياسي في لبنان.

وفي زيارة وكيل وزارة الخارجية الأميركية، ديفيد هيل، إلى لبنان، حط هيل في بكركي، في زيارة دامت ساعة ونصف الساعة. أبرز ما في اللقاء هو الحديث عن النظام السياسي في لبنان.

لم يكن ذلك تفصيلاً. وليس النقاش الدائر حالياً في الدوائر المسيحية الصغيرة تفصيلاً أيضاً.

ما تطرحه الأحزاب
في كل مرة يُسأل فيها البطريرك الماروني علناً عن النظام السياسي في لبنان، يرفض التقسيم ويتمسك باتفاق الطائف. وهو حقاً موقف بكركي من شكل النظام والحياة السياسية في لبنان. ولكن ما لا يقوله الراعي علناً، هو ماذا لو حان وقت إنهاء الطائف، ودخول الشيعية السياسية إلى النظام على حساب المسيحيين؟

لا أحد يجرؤ بعد على الحديث علناً عن هذا الطرح. إلا أن كواليس السياسة، تحديداً لدى المسيحيين، تزدحم بالنقاشات حوله.
في مقابلة سابقة لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، يقول: "في حال أرادوا طرح المثالثة، حينها سيكون لنا طرح آخر". ماذا قصد جعجع بذلك؟

كل المؤشرات تقود إلى أن جعجع قصد يومها الفيدرالية. غير أن حزب القوات اللبنانية لا يجاهر بهذا الطرح، حرصاً على صورته الجديدة، التي تسعى القوات من خلالها إلى تغيير الانطباع السائد لدى الرأي العام، بأن القوات ميليشيا لها مشاريع تقسيمية.

رئيس حزب الكتائب اللبنانية سامي الجميل لا يزال غير حاسم في خياراته حول إشكالية النظام السياسي. لا، بل يفضّل حصر خطابه في الخطاب الوطني المعارض الذي يعتقد أنه الأكثر رواجاً بعد انتفاضة 17 تشرين.

التيار الوطني الحر من جهته، عالق بين تمسكه بتحالفه مع حزب الله، ورهانه على حصاد أي تسوية مقبلة معه، وبين الشارع المسيحي -ومن ضمنه العوني- الذي سبق أن بدأ بالتعبير عن رفضه لاستمرار هذا التحالف.

تيار المردة، وجوده محصور في مناطق الشمال. وتحالفاته قد تعزز وضعيته السياسية. ويعتبر نفسه أقل الخاسرين من أي تعديل في التوازنات.

خارج الأحزاب
وفي الوقت الذي تتعثر الأحزاب المسيحية بحساباتها الضيقة، لا تنفي قيادات هذه الأحزاب أنها مشتتة، فاقدة الأساسات المتينة لأي مشروع في الدولة. تزامناً، يبدو أن حراكاً آخر خارجها بدأ يولد. وفي المعلومات، أن شخصيات مسيحية ومارونية تحديداً، حزبية وغير حزبية، مصرفية، دينية.. بدأت تتأطر في مجموعات، تحاول تنظيم نفسها تحت عنوان مشروع واحد. الفدرالية مقابل المثالثة إذا طُرحت.

هذه الاجتماعات المتفرقة، هي حتى الساعة يتيمة. فلا تنظيم موحداً لها، ولا اسم موحداً. بل هي محاولة تأسيس "منظومة مواجهة" للمرحلة المقبلة. يشارك في هذه الاجتماعات رهبان في الكلسيك، ومدنيون من خارج التشكيلة الحزبية المسيحية، صحافيون وأصحاب نفوذ وشخصيات مصرفية مسيحية، تسعى للمحافظة على ما تبقى من نفوذ المسيحيين في القطاع المصرفي. فهو الذي كان يشكل أحد أركان الدولة العميقة المسيحية، أصبح اليوم قطاعاً مسيحياً سنياً بعد الطائف، ولا استعداد ليصبح مسيحياً سنياً شيعياً.

مواجهة حزب الله
يقول المعنيون إن الهدف من محاولات التموضع السياسي المسيحي هذا، هو الدفاع أولاً، إذا لم يكن المواجهة. فهم أولاً معارضون لحزب الله، ولسياساته التوسعية في المنطقة، من لبنان إلى سوريا والعراق واليمن وغيرها. ورغم دعوتهم له إلى "اللبننة"، فإنهم يعارضون توسعه في النظام اللبناني، مدركين أن ذلك سيكون ثمن انسحابه من المنطقة وعودته إلى لبنان. أبعد من ذلك، تترقب هذه البيئة المسيحية تطورات المنطقة، وتدرك أن احتمال تسليم حزب الله للبنان، تماماً كما سلمته التسويات السابقة إلى سوريا، قد يكون وارداً. وهنا ستكون المواجهة الأكبر. فالمسيحيون بأحزابهم المختلفة سبق أن واجهوا النفوذ السوري في لبنان، على أنه احتلال ، تماما كما سيواجهون نفوذ حزب الله على لبنان إن قادته التسويات إلى قلب النظام.

اللامركزية الإدارية
بموازاة ذلك، لا بد من الإضاءة على دور لجنة الإدارة والعدل النيابية في المجلس النيابي. اللجنة برئاسة نائب القوات اللبنانية، جورج عدوان، وعلى طاولتها ملف اللامركزية الإدارية الموسعة. وعلى هذا الطرح، تتقاطع الأحزاب المسيحية، بينها حليف حزب الله، التيار الوطني الحر. طرح اللامركزية الإدارية الموسعة في لبنان سيكون "غلافاً" لمشروع  التقسيم.

تراقب الأحزاب المسيحية والشخصيات المستقلة  الشارع جيداً، منذ اندلاع انتفاضة 17 تشرين. يقلقها صعود النَفَس اليساري فيه، لأنها ترى أنه يَسهُل استغلاله من حزب الله، لضرب أي منظومة، كما حصل ويحصل مع القطاع المصرفي، بغض النظر عن خطايا هذا القطاع.

في مجلس النواب، تتحضر لجنة الإدارة والعدل لهذا الطرح. وفي المؤسسة الدينية المسيحية، هناك سعي حقيقي من مرجع كنسي لخلق جبهة مسيحية، تواجه المس بالتوازن الطائفي، الذي أرساه اتفاق الطائف. وتواجه أي تمدد لحزب الله في لبنان، لأن ذلك سيكون كفيلاً بتغيير وجه لبنان الثقافي والحضاري منذ ما قبل نشأته.

"الحياد" البطريركي والمسارات الأخرى
لم تنجح بكركي حتى الساعة بجمع الأحزاب المسيحية على طاولة "الحياد" البطريركي. لا، بل تشهد بكركي حروب إلغاء مسيحية على ضفافها. حتماً، يضعف ذلك من موقفها، على نحو خسر "الحياد الناشط" نشاطه، بغياب الالتقاء المسيحي عليه.

هل هناك مسارات بديلة للأحزاب المسيحية لمواجهة التطورات المقبلة؟

تتخبط الأحزاب المسيحية في خلافاتها. ويقول مرجع مسيحي شاهد المصالحة بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، إن توسع نفوذ الشيعية السياسية يأتي نتيجة سقوط الثنائية المسيحية، التي كانت لتلعب دوراً في التوازن الوطني.

وعليه، يعود في كل مرة المسيحيون إلى خياراتهم التقليدية، التي لطالما أخرجتهم خاسرين في المعادلة اللبنانية. لا خيار لهم سوى امتطاء خيارات الخارج أو الداخل الذي يعمل ببعد خارجي. فأي محاولة لتموضع مسيحي جديد، ينقصها الكثير من مقومات النجاح. وينقصها التحرر من ردود الفعل الغرائزية، التي لا تنتج سوى حلول تقسيمية. فالأحزاب الطائفية -على تناقضاتها- لن تنتج سوى حلول تشبهها. بينما الدواء قد يكون في خيارات أخرى لم يتخذها المسيحيون منذ زمن الجمهورية الأولى.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها