الأربعاء 2020/12/16

آخر تحديث: 00:05 (بيروت)

حركة السفراء نحو الشمال غير اعتيادية: خطط "طرابلس الكبرى"

الأربعاء 2020/12/16
حركة السفراء نحو الشمال غير اعتيادية: خطط "طرابلس الكبرى"
السفيرة الأميركية ورئيس غرفة التجارة والصناعة توفيق دبوسي (غرفة التجارة والصناعة بطرابلس)
increase حجم الخط decrease

شهدت طرابلس في الأسابيع الأخيرة حركة ملحوظة في زيارة السفراء لها، بدءًا من سفيرة كندا شانتال تشاستيناي، ثم سفيرة سويسرا مونيكا كيرزكوز. وفي الأسبوع الفائت زارت المدينة أيضاً السفيرة الأميركية دوروثي شيا، وفي اليوم التالي، سفيرة فرنسا آن غريو.  

ولأن تزامن هذه الزيارات جاء في لحظة سياسية حرجة يمرّ بها لبنان، داخليًا، وفي علاقاته مع الخارج، وجد مراقبون أنّ حشد السفراء الأجانب إلى عاصمة الشمال لا يخلو من الرسائل. وقد تحتاج لوقتٍ من أجل بلورتها، سياسيًا واقتصاديًا، أو بمنطق التوازنات وامتداد النفوذ الخارجي على الأراضي اللبنانية.  

أدوار المدينة.. ومرافقها
وطرابلس التي ما زالت منذ عقود على هامش خريطة الإنماء في الدولة، حملت ألقابًا تراجيدية مثل "أمّ الفقير" و"مدينة الفقراء" و"المدينة الأفقر على حوض البحر المتوسط". فتعاطت القيادات السياسية "السنّية" مع أبنائها بنظرة دونية. ولم تربط هذه القيادات بغالبية قواعدها الشعبية سوى علاقة زبائنية محضة، لا يتجاوز سقفها وظيفة متواضعة من هنا، أو فاتورة دواء وقسيمة شرائية من هناك، أو غطاء أمنياً لمتعدٍ على رصيف، مقابل رفع صورة الزعيم على بسطة قهوة مثلًا، أو إخلاء سبيل موقوف، أو 100 دولار أميركي (أيام ما كان الدولار 1500) في الانتخابات النيابية، وغيرها من مزاريب التنفيعات الزبائنية.  

لكن دور طرابلس الفعلي، لم يكن يومًا هامشيًا، لا بل كانت وما زالت تلعب دورًا محوريًا في التوازنات القائمة داخليًا، وبالعلاقة مع الخارج، وهو ما جعل منها صندوق بريد سياسي وأمني بالدرجة الأولى، بدأ ينمو من أيام الحرب الأهلية واحتلال النظام السوري، وما تبعه من أحداث متعاقبة. لذا، وفي كل ما مرّة يختل التوازن في لبنان، تكون العين على طرابلس. ولعل ما وقع أخيرًا في حوادث كفتون وجبل البداوي ووادي خالد خير دليل، ليؤكد أن توتير الأمن في هذه المدينة من بوابة الخلايا الإرهابية والعلاقة مع الجيش والأجهزة الأمنية، لم يكن يومًا خاليًا من الرسائل المهمة.    

ومع بدء انتفاضة  17 تشرين الأول 2019، أظهرت طرابلس حراكًا مدنيًا وسياسيًا استثنائيًا موازيًا للقيادات التقليدية التي تراجع نفوذها، من دون أن يخلو هذا التحول من نمو لمجموعات مشبوهة بأجنداتها وارتباطاتها الأمنية والداخلية والخارجية.  

كل هذا، إلى جانب ما تتمتع به طرابلس من مقومات استراتيجية في مرفئها البحري ومعرض رشيد كرامي الدولي ومصفاة النفط والمنطقة الاقتصادية وصولًا إلى مطار رينيه معوض في القليعات، يجعل منها مركزًا جغرافيا حيويًا جاذبًا لسفراء دول الخارجية ذات النفوذ، لا سيما أن مسار التحولات الجذرية الطارئة على لبنان، سيكون لطرابلس فيها دورًا.  

سفراء في المدينة  
ولعل المشترك في زيارة السفراء، كان الامتناع عن زيارة أي مسؤول سياسي برلماني أو وزير أو قيادي حزبي. واقتصرت اللقاءات على بعض المجموعات المدنية والنسائية والمؤسسات الأهلية، كما زارت سفيرات سويسرا وكندا وفرنسا دارة الدكتور خلدون الشريف والمفتي بالإنابة محمد إمام، وبدا ملحوظًا التركيز على زيارة غرفة التجارة الصناعة والمراكز التربوية.  

ورغم أن زيارة السفيرة الفرنسية لطرابلس جاءت في اليوم التالي لزيارة السفيرة الأميركية، إلا أن موعدها كان محددًا من قبل، وأبدت غريو اهتماماً في زيارة المعهد الفرنسي وبعض الإرساليات المدرسية.  

في القراءة السياسية، ثمّة من ربط زيارة السفيرة الفرنسية لطرابلس بالتنافس مع الأتراك، ولجسّ نبض هذه المنطقة الشمالية، وترسيخ الاهتمام الفرنسي بها. خصوصًا في ظل الحديث عن تمدد النفوذ التركي في طرابلس. لكن الواقع على الأرض، لا يوحي أن لتركيا نفوذًا فعليًا في طرابلس، خصوصًا أن اهتمامها بالمنطقة عبر مؤسستها مثل "تيكا" لم يتغيّر، وما زال يقتصر على بعض المشاريع الإنمائية كما الحال منذ سنوات. ومع ذلك، لا يمكن إغفال العلاقة التي تربط شريحة واسعة من أهالي طرابلس بتركيا والإجهار بمحبتهم لها ولرئيسها ولشعبها وعادتها وطقوسها، وللأمر أسباب كثيرة أولها أن السنّة على غرار أبناء الطوائف الأخرى في لبنان يبحثون دومًا عن جهة خارجية تربطهم بها علاقة أيديولوجية وسياسية وثقافية ومجتمعية. ومن المتوقع أيضًا، أن يزور طرابلس مطلع عام 2021 السفير التركي الجديد.  

أمّا زيارة شيا لطرابلس، فقد ربطها بعض المراقبين بالاهتمام الأميركي بلبنان، والتركيز على واقع مناطقها استراتيجيًا وسياسيًا، خصوصا المدن الممتدة على طول الساحل اللبناني من الجنوب إلى الشمال، مع الإشارة أن تلزيم منشآت النفط في طرابلس لشركة روسية العام الفائت أزعج أميركا بطبيعة الحال.    

أجواء الزيارات  
وكانت السفيرة الفرنسية التقت رئيس بلدية طرابلس، رياض يمق. ويكشف لـ"المدن" أن البلدية تتحضر لإنجاز ملفٍ خاص بمشاريع إنمائية تحتاجها طرابلس، سيقدمها للسفارة الفرنسية، في حال كانت المدينة ملحوظة في المساعدات الخارجية التي ترعى فرنسا تأمينها للشعب اللبناني.  

وقال يمق: "أبدت السفيرة اهتماما كبيرًا بطرابلس، لا سيما بملف الفقر، وكانت إيجابية خلال الاطلاع على ملفات المدينة، ما شجعنا على تحضير ملف متعلق ببعض المشاريع، سنقدمه لها بعد أن طلبت منا زيارتها في مركز السفارة في بيروت".  

على مستوى آخر، كان اللقاء الاقتصادي الأكثر أهمية الذي نظمه رئيس غرفة التجارة والصناعة توفيق دبوسي مع السفيرتين الأميركية والفرنسية، واعتبر في تصريح لـ"المدن" أن زيارة السفراء للمدينة جاءت تأكيداً على انعدام ثقة المجتمع الدولي بالطبقة السياسية، مقابل التركيز على القطاع الخاص والهيئات الأهلية.  

وأشار دبوسي أنه التمس من السفيرتين إدراكهما لأهمية موقع طرابلس الجغرافي، وأبديا اهتمامًا بمشروع "طرابلس الكبرى" الممتد من البترون حتى أقاصي عكار، كما أطلعهم على  المشروع الاستثماري الكبير المتمثل بالمنظومة الاقتصادية المتكاملة التي تجعل من مرفأ طرابلس مرفأ إقليميًا دوليًا، ومن مطار القليعات في محافظة عكار مطارًا دوليًا، ومنصة للنفط والغاز. وتحتضن هذه المنظومة قطاعات اقتصادية متنوعة صناعية وزراعية وسياحية. وكذلك مشروع الغرفة للركن الذكي المتعلق بالسياحة الرقمية. إضافة إلى مشاريع استثمارية أخرى تعدّ الغرفة دراسات حولها، تتعلق بتشييد إهراءات للقمح في مرفأ طرابلس لتوفير الأمن الغذائي.  

وقال دبوسي: "ندرك صعوبة الوضع في لبنان، وحاولنا أن نقنع السفراء أن لا بديل عن الاستثمار في القطاع الخاص، وأن طرابلس قادرة على لعب دور محوري في المنطقة، لكن الأمر يحتاج لمجهود كبير وحاضنة دولية للمدينة، عبر التحرر من منطق المساعدات المباشرة والعينية والانتقال إلى منطق العلاقة الاستثمارية الندية". 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها