الإثنين 2020/12/14

آخر تحديث: 16:06 (بيروت)

المدّعى عليهم في جريمة المرفأ: فارّون من وجه العدالة

الإثنين 2020/12/14
المدّعى عليهم في جريمة المرفأ: فارّون من وجه العدالة
في القضية عودة جوهرية إلى كلام الرئيس بري قبل سنوات: الضعيف يذهب إلى القضاء (عباس سلمان)
increase حجم الخط decrease
ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، بات فضيحة كبرى. إذا كانت جريمة 4 آب فضيحة كارثية موصوفة بكل المقاييس، فإنّ التحقيق بها يأخذ منحاً فضائحياً أكبر، نتيجة مجموعة من العوامل والوقائع والمواقف والتصريحات.
آخر حلقات المسلسل القضائي في استدعاء قاضي التحقيق فادي صوان لرئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين، تجسّدت في إعلان دياب والوزيرين السابقين والنائبين غازي زعيتر وعلي حسن خليل عدم الحضور إلى جلسة التحقيق. فيما يبدو أنّ الوزير السابق يوسف فنيانوس، الذي لا حصانة نيابة له، سيكون وحيداً أمام القاضي صوّان، في حين يستمرّ المدّعى عليهم الثلاثة الآخرون في إيجاد المبرّرات القانونية اللازمة لعدم مثولهم أمام القضاء.

مواد قانونية
يتسلّح دياب والوزيران خليل وزعيتر بالمادة 70 من الدستور التي تنصّ على أنه "لمجلس النواب أن يتّهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخيانة العظمى أو باخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم ولا يجوز أن يصدر قرار الاتهام إلا بغالبية الثلثين من مجموع أعضاء المجلس". لكن ادعاء صوّان لا يرتكز على الإخلال بالواجبات، بل على الإهمال أيضاً، ما يعني أنّ هذه المادة فعلياً لا تمثّل سلاح التهرّب من الادّعاء.

مخرج دياب
وأمام رئيس الحكومة المدّعى عليه مهرب آخر، يتمثّل بالمادة 85 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي تنصّ على أنه "إذا اقتضت الدعوى سماع إفادة رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس الوزراء، فينتقل قاضي التحقيق مع كاتبه إلى مقره ويستمع إلى إفادته". وحسب هذه المادة سيتعيّن على صوّان التحقيق مع دياب في السرايا الحكومية، وليس في منزله الخاص الذي لا يمكن لقاضي التحقيق أن يدخله لهذه الغاية.

مخرج زعيتر وخليل
كما أنّ الوزيرين زعيتر وخليل، كنائبين حاليين يتسلّحان أيضاً بالمادة 40 من الدستور التي تنصّ على أنه "لا يجوز في أثناء دور الانعقاد اتّخاذ اجراءات جزائية نحو أي عضو من أعضاء المجلس أو القاء القبض عليه إذا اقترف جرماً جزائياً إلا باذن المجلس، ما خلا حالة التلبس بالجريمة (الجرم المشهود)". الأمر الذي يجعل فنيانوس وحيداً أمام صوّان، ولا ذرائع قانونية أمامية لعدم المثول أمام القضاء، في ظلّ ضغوط سياسية مستمرّة تعمل على تصعيد الأجواء بهدف تمييع الملف والحؤول دون المحاسبة.

جبهة صوّان
في ظلّ هذه الوقائع، فإمكان القاضي صوّان الاحتكام إلى المادة 106 من قانون المحاكمات الجزائية، الذي تعطي قاضي التحقيق حق إصدار "ورقة دعوة يدعو فيها المدعي الشخصي أو المدعى عليه أو الشاهد أو المسؤول بالمال أو الضامن إلى الجلسة التي يحددها ويعين فيها اليوم والساعة. على المدعى عليه أن يحضر إلى دائرة قاضي التحقيق بعد تبليغه ورقة دعوته وأن يمثل أمامه. إذا لم يحضر، من دون أن يبدي عذراً مشروعاً، أو خشي قاضي التحقيق فراره، يصدر مذكرة إحضار في حقه تتضمن أمراً خطياً إلى قوى الأمن لتأمين إحضاره خلال أربع وعشرين ساعة من موعد الجلسة المقرر. وتتولى النيابة العامة مهام تنفيذ مذكّرة الإحضار".

استباق فهمي
استبق وزير الداخلية محمد فهمي هذا السيناريو المحتمل، فقال بالفم الملآن إنه "لن أطلب من الأجهزة الأمنية أن تنفّذ قراراً قضائياً من هذا النوع، وليلاحقوني إن أرادوا". مرة جديدة، يضع الوزير فهمي نفسه في دائرة الأخطاء. إذ فاته أصلاً أنه في الاستدعاءات القضائية تعمل القوى الأمنية كضابطة عدلية وليس كأجهزة أمنية. في الملفات القضائية تأتمر بأمر القضاء وليس السلطة السياسية الوصية عليها في عملها الأمني. لكن فهمي، عبّر عن هذا الموقف ليلاً، وزار دار الفتوى صباحاً، ليزيد طين الخطاب الطائفي والحماية الطائفية للمواقع الرسمية بلّة.

خلاصات بديهية
كل ما سبق، يمكن ضربه بعرض الحائط نتيجة الواقع السياسي، وإحكام القيادات السياسية وأحزابها قبضتها على الأجهزة الأمنية وقادتها وضباطها. فالادعاء الصادر عن القاضي صوّان يمكن تلخيصه بجملة من الخلاصات البديهية، أهمّها: 

أولاً، أنّ القيادات السياسية لجأت مجدداً إلى خطابها الطائفي والمذهبي لحماية نفسها ومواقعها، ولا يمكن تفسير استماتة رؤساء الحكومة السابقين في الدفاع عن حسان دياب، إلا حماية لأنفسهم ولقطع الطريق عن أي محاسبة مستقبلية لهم في ملف المرفأ، أو في أي ملفات فساد وسوء إدارة أخرى. 
ثانياً، في الادعاء الصادر عن صوّان نقص في توجيه أصابع الاتهام. إذ أنها لم تشمل كل الرؤساء والوزراء الحاليين والسابقين المعنيين في الملف. وهو الأمر الذي يؤدي إلى مضاعفة ذريعة التسييس التي احتكم إليها المدعى عليهم. على أنّ الادعاء في صيغته الحالية، سيف ذو حدّين. إذ يمكن الانطلاق منه للادعاء على مسؤولين آخرين فريقهم السياسي متحمّس اليوم لقرار صوان. 
ثالثاً، في ادعاء صوان أيضاً إشكالية الازدواجية بين النيابة والوزارة والحصانة التي يؤمنّها الموقع النيابي للوزير، والتي تحول دون إقامة أي محاسبة تذكر.
رابعاً، في الملف مفاقمة لواقع مواجهة السياسيين للقضاء ومؤسساته، على نحو أنّ هذه المواجهة كان مستترة تتحكّم بها المنظومة بشكل مبطّن وتلقائي في الحقبات السياسية المختلفة سابقاً.. أما اليوم، فباتت مواجهة القضاء علنية وتتمّ بوقاحة مطلقة. وهو الأمر الواضح في المواقف المتتالية لوزراء ومسؤولين في الدولة اللبنانية.  

تنحي عويدات
وأعلن النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، اليوم، تنحيه عن متابعة النظر في ملف انفجار المرفأ، لوجود صلة قرابة بينه وبين الوزير السابق النائب غازي زعيتر(متأهل من شقيقة عويدات) المدعى عليه. وأفادت "الوكالة الوطنية للاعلام" أنه وفقاً للقانون، تعود صلاحية متابعة التحقيق في ما خص دور النيابة العامة التمييزية في الملف إلى المحامي العام التمييزي، القاضي غسان الخوري، الذي سيتابع التحقيق في الشق المتعلق بالنيابة العامة.

قد يكون في تلخيص آخر للقضية، العبارة السحرية التي سبق أن صدرت عن رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل سنوات حين قال إنّ "الضعيف يذهب إلى القضاء". لكن الخلاصة الأهمّ، أنّ رموز من السلطة التي أنتجت الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والأمنية والسياسية، باتوا فارّين من وجه التحقيق. فارّون من وجه العدالة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها