الإثنين 2020/11/30

آخر تحديث: 12:51 (بيروت)

تشكيل الحكومة.. أو منتخب كرة القدم

الإثنين 2020/11/30
تشكيل الحكومة.. أو منتخب كرة القدم
يتقاذفون حيلة الأسماء والمكائد (الأرشيف)
increase حجم الخط decrease

صيغة تشكيل الحكومة الذي يعمل الحريري عليها لا تخرج عن المعهود، ولا تمثّل تغييراً نوعياً يستجيب لتطلعات اللبنانيين. الجديد قديم. إنها عملية لإعادة انتاج النظام، وسياساته المولّدة للبؤس والهجرة وانهيار الدولة. الحديث عن وزراء اختصاصيين ليس سوى اخراج مضلل وخادع. فقرار هؤلاء الوزراء سيكون مباشرة بيد الجهات السياسية التي ستختارهم وتعيّنهم. لعبة الأسماء والتسميات تدل بشكل واضح عن إمعان القوى السياسية في تشكيل حكومة مشتتة، عاجزة، متعددة الرؤوس، تلبي ليس مطالب المواطنين بل مطالب القوى السياسية.

رغم حجم الأزمة وآلام الناس وخوفهم، تبقى طريقة التعاطي الحالية مع تشكيل الحكومة هي ذاتها التي اعتمدت في الحكومات السابقة. حصص وثلث معطل. الثقة بين الأطراف التي من شأنها أن تتولى الإنقاذ معدومة. لا بل متصارعة. كلمات ومواقف المعنيين بتشكيل الحكومة واضحة: رئيس حكومة يظهر بشكل صريح ضعفه السياسي الكبير النابع من حاجة وجودية لديه بأن يكون في السلطة "مهما كلف الأمر". ورئيس جمهورية يسعى يائساً لتعويض إخفاقات عهده بحصة وزارية وازنة. حزب الله لا يمكنه أن يكون خارج الحكومة، كونه لا يثق بأحد من حلفائه، لتبديد هواجسه من قرارات حكومة لا يمسك بقرارها وليس في داخلها.

الجميع يدّعي أنه يسعى لتشكيل حكومة لمواجهة الأزمة، في حين أن كل جهة تحاول أن تدخل الحكومة من أجل تعطيل السلطة التنفيذية، ومحاصرة الآخر!

حكومة الأزمة تحولت إلى حكومة مأزومة. طقوس بدائية نشاهدها يومياً. يتقاذفون حيلة الأسماء والمكائد، في وقت أن المهم ليس أسماء الوزراء بل برنامج الحكومة. لم يعرض أحد من الجهات التي تتصارع على التشكيل برنامج عمل الحكومة: ما هي مهمتها وأولوياتها، وما هي قراراتها لمواجهة الأزمة؟ كيف ستوقف التدهور المالي والاقتصادي؟ البرنامج هو المعيار الطبيعي الوحيد لتشكيل الحكومة في الوقت الراهن. الأسماء ثانوية، طالما هناك فريق عمل متجانس سيدخل الحكومة لتنفيذ برنامج حقيقي، زمني وواضح. ناهيك عن أن منصب الوزير بطبيعته هو منصب سياسي، على من يشغله أن يكون لديه دراية ومعرفة وخبرة في الشأن العام، وليس متخصصاً بشأن معين. الاختصاصي في الوزارة هو الجهاز الإداري، من فنين ومستشارين وموظفين.. وليس الوزير. يظنون أن تشكيل الحكومة هو كتشكيل المنتخب الوطني لكرة القدم، اذ نختار أفضل اللاعبين المحترفين. وإذا كان التشبيه جائزاً، فهذا الفريق لا مدرب له ولا "كابتن". أما الحكم فأصبح طرفاً.

نحن في وضع رديء إذ نعيد تسليم البلد للجهات عينها التي فجرته. كل شيء انفجر في البلد، من المرفأ إلى الليرة إلى الاقتصاد إلى القوة الشرائية إلى الأجور. كل شيء انفجر، إلا قبضة القوى السياسية على مقاليد السلطة. واللبناني مهدد يومياً بانقطاع حاجاته الحياتية الأساسية من خبز ودواء وطاقة. كيف يمكن تفسير القدرة الأسطورية للأشخاص الممسكين بالنظام على البقاء رغم الانفجار الوطني الكبير؟
جزء من الجواب كامن في كون المجتمع اللبناني بحد ذاته منجرف بخطاب أسطوري يصنع الأبطال، ينصّب آلهة سياسيين ويتشبث بالرمز، ويندهش بهالة الأوهام المحيطة به، فيعيد تدوير النظام السياسي. تقول مارلين مسعد في كتابها "إعادة تدوير الميثوليوجيا" (دار سائر المشرق): "ثمة خطورة قائمة بالتشبث بالرمز (...) أياً كانت هذه الرموز، كالرمز البشري، وترديد آرائه واعتمادها كثقافة، حتى وإن لم تخلُ من بعض الغباء".

وهو الأمر السائد حالياً بكل مظاهره. الأمر الذي تتشكل معه عادات التأقلم والتكيف مع الإخفاقات والفشل السياسي والاقتصادي، ليعيد اللبناني حمل انهياره فوق ظهره وحيداً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها